وقفة مع السينما الايرانية السينما والحرب

Last Updated: 2024/04/26By

وقفة مع السينما الإيرانية في تناول قضية الحرب

علي المؤمن

(مجلة العالم، 1987)

يمكن القول بأن الحرب العراقية-الإيرانية هي أبرز حدث سياسي وعسكري في الثمانينات وقد طبعت هذه الحقبة بطابعها وأثرت على مختلف شؤون الحياة والأدب والفن في البلدين. ونقدّم هنا دراسة شاملة عن سينما الحرب في إيران نحاول فيها تحليل توجهات سينما الحرب والقضايا التي تثيرها.

إن سينما الحرب في إيران هي وليدة الحرب العراقية-الإيرانية وظاهرة جديدة. ففي عهد الحكم الشاهنشاهي لم يكن للسينما الإيرانية دور يذكر في هذا المجال، باستثناء تجارب محدودة، يدخل معظمها في إطار الحروب الفارسية التاريخية. أما الفترة التي أعقبت تأسيس الجمهورية الاسلامية وسبقت الحرب، فإنها قصيرة نسبياً، ولا تتجاوز السنة وثمانية أشهر، وقد ظهرت فيها مجموعة من الأفلام التي تدور حول موضوع صراع الثورة مع النظام السابق. وتبعاً لطبيعة الحرب الدائرة في إيران تدور-عموماً- في الفلك العقائدي والملحمي. وتنقسم إلى أفلام روائية طويلة وقصيرة، وأخرى وثائقية طويلة وقصيرة أيضاً. وسنقصر دراستنا على الفيلم الروائي الطويل فقط، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن السينما الوثائقية الحربية في إيران هي موضوع شائك وجدير بدراسات أخرى حول جوانبه المتعددة.

لقد بلغت الأفلام التي تطرقت لموضوع الحرب من قريب أو بعيد حوالي 25% من مجموع الافلام التي أنجزت في إيران خلال الحرب العراقية- الإيرانية، حتى نهاية عام 1987، أي أكثر من (45) فيلماً روائياً طويلاً. ولا تسير هذه الأفلام في معالجتها لموضوع الحرب على وتيرة واحدة، ولا تخضع لتيار واحد، بل تشاهد إنها كثيراً ما تتناقض في جزئياتها، تبعاً لاهداف القصاصين والمخرجين والمنتجين، وخلفياتهم الفكرية. ومن بين الأهداف التاريخية والتعبوية والدعائية والتجارية لهذا اللون السينمائي، نجد أن مؤسسات القطاع الخاص تهتم-عادة- بالجانب التجاري فتكون قريبة من سينما الإثارة والحدث الدراماتيكي غير الطبيعي والبطولات الفردية الخارقة. أما الأفلام التي ينتجها القطاعات الثوري (الذي تقوم به مؤسسات شعبية) والعام (الحكومي)، فهي تختلف- في الغالب- مع أفلام القطاع الخاص، من حيث نظرتها لحقيقة الحرب وطبيعتها العقائدية، وتكون أقرب إلى الواقعية والتاريخية، فضلاً عن اهتمامها الملحوظ بالجانب التعبوي.

تتوزع الأفلام الإيرانية- حسب اقترابها أو ابتعادها عن موضوع الحرب- على ثلاثة اتجاهات رئيسية:

الاتجاه الاول: الأفلام التي تتعرض لموضوع الحرب بشكل هامشي، وتبلغ حوالي عشرة افلام، منها: “دولتو” إخراج رحيم رحيمي بور و”القبضة” لسيامك أطلسي، و”الهروب” لجمشيد الحيدري، و”حفار القبور” لمحمد رضا هنرمند، و”الطغيان” لجهانكيز جهانكيري، و”حريم مهرورزي” لناصر غلام رضائي.

الاتجاه الثاني: الأفلام التي ترتكز على موضوع الحرب في جانب كبير منها، وغالباً ما تستثمر الواقع الاجتماعي والعواطف الانسانية لخدمة قضايا الحرب. مثل: “البرزخيّون” لايرج قادري، و”عينان بلا اتجاه” لمحسن مخملباف، و”ديار العاشقين” لحسن كاربخش، و”الخلاص” لرسول صدر العاملي، و”الحدود” لجمشيد الحيدري، و”المقاومة” لأحمد نيك آذر، و”الكلاب والموت” لأبي هانية، و”ملحمة وادي شيلر” لأحمد حسني مقدم، و”الرعب” لشهريار البحراني.

الاتجاه الثالث: الأفلام التي تختص بالجانب العسكري، وتبلغ خمسة عشر فيلماً، منها: “نداء الغيب” إخراج سعيد حاج ميري، و”المعتقل” لكوبال مشكوه، و”الفدائيون” لناصر محمدي، و”اجتياز حقل الألغام” لجواد طاهري، و”النسور” لصاموئيل خاجيكيان، و”القاعدة الجهنمية” لأكبر صادقي، و”بلاك” لإبراهيم قاضي زادة، و”طلائع الفتح” لناصر مهدي بور، و”زورق باتجاه الساحل” و”الطيران في الليل” لرسول ملا قلي بور، و”المعبر” لشهريار البحراني، و”الكمين”.

ما يزال أمام سينما الحرب الإيرانية شوطاً طويلاً لتصل مرحلة النضوج المطلوبة في معالجتها للقضايا الإنسانية والعقائدية على الرغم من مرور أكثر من سبعة أعوام على اندلاع الحرب، وإنتاج حوالي 45 فيلماً روائياً طويلاً، اشترك في إخراجها ما يقرب من 34 مخرجاً محترفاً وساهمت في إنتاجها أربع مؤسسات قطاع عام و20 منتجاً وشركة من القطاع الخاص.

القطاع العام والقطاع الخاص

ذكرنا – في بداية الحديث – أن التباين في مستويات أفلام الحرب الإيرانية واتجاهاتها، يعود إلى طبيعة المؤسسات الإنتاجية وإمكاناتها، ومقدار فهم القصاصين والمخرجين للمفاهيم التي تحيط بقضية الحرب وتفاعلهم معها. ولا شك أن الكثير من المخرجين الذين ساهموا في هذا المجال هم من جيل ما قبل الثورة حيث يحاولون اليوم مسايرتها كواقع لا بد من الإذعان بديمومته. ومن هنا فإن إنتاجاتهم تختلف- إلى حد ما- عن انتاجات المخرجين الجدد، الذين برزت موهبتهم عملياً في عصر الثورة. وإذا ما عرفنا بأن ما يقرب من (29) فيلماً من مجموع أفلام الحرب قد أنتجها منتجون خاصون، وست عشرة فيلماً فقط أنتجها القطاع العام، فسنفهم أن أغلب هذه الأفلام قد خضعت لعقلية الإنتاج الخاص.

إن مؤسسات القطاع العام التي كانت لها مساهمة في هذا المجال هي: وزارة الارشاد الاسلامي (7 أفلام)، منظمة الإعلام الإسلامي (6 أفلام) مؤسسات الإذاعة والتلفزيون (فيلمان) ولجان الثورة (فيلم واحد فقط). ومن بين مؤسسات القطاعين (العام والخاص)، تبرز منظمة الإعلام الإسلامي، بشكل يجعلها تنفرد وتتميز في طبيعة معالجتها لقضايا الحرب عموماً، والتي غالباً ما تكون معالجة عقائدية وفكرية عميقة، وأحياناً فلسفية. وإن أفلامها تكاد تكون من أفضل أفلام الحرب في إيران، على المستويات كافة، سواء الفنية والتقنية، أو مستوى عكسها لحقيقة الحرب بحيث نجحت في تحقيق أهدافها التعبوية والدعائية، إضافة إلى المنفعة التجارية، بشكل فاق سينما القطاع الخاص، ونخص بالذكر فيلمي “زورق باتجاه الساحل” و”المعبر” اللذين حققا نجاحاً تجارياً هائلاً. وهذا لا يعني أن سينما القطاع الخاص بعيدة عن حقيقة الحرب وعن الالتزام العقائدي تماماً، فقسم من أفلامها برع- هو الآخر- في عرض صور تربوية وعقائدية رفيعة، ولعل “الهروب” هو أحد أفضل الأفلام في هذا المجال، من خلال واقعية قصته وتماسكها وسرعة حواره وبراعة إخراجه وتمثيله. وكذلك فيلم “الطيران في الليل”، الذي يعتبر أفضل فيلم حربي إيراني أنتج حتى الآن.

وأما المخرجون الناشطون الذين برزوا في مجال أفلام الحرب فهم- تحديداً- من جيل المخرجين الشباب الموهوبين الذين حققوا نجاحاً فنياً سريعاً وملحوظاً على الرغم من ان معظمهم لم يمارس عملاً فنياً قبل انتصار الثورة، ومن هؤلاء: شهريار البحراني (3 أفلام)، رحيم رحيمي بور (3 أفلام)، جمشيد الحيدري (فيلمان) ورسول ملا قلي بور (3 أفلام) ومحسن مخملباف.

إن السلوك التجاري الذي سلكه بعض المخرجين جعلهم يبتعدون عن المنطق والواقع في صياغة الأحداث، ويركزون على عنصر الإثارة فقط، من خلال مشاهد المواجهات المسلحة الرهيبة والبطولات الخارقة. ونتيجة الأمر تكون معالجتهم للكثير من قضايا الحرب معالجة سطحية. والمثال البارز في هذا المجال هو فيلم “بلاك”، الذي يتندر الايرانيون بتسميته “رامبو الايراني”، لأنه حفل بعدد من الأعمال الخارقة التي يمارسها أبطاله، وأن السيناريو لا يهتم بعرض قصة متسلسلة وأحداث درامية متجانسة، بل تفنن في عرض مشاهد مثيرة فحسب. وهناك أيضاً فيلم “النسور” الذي يصور بطولات القوة الجوية الإيرانية، بشكل فني متقن وغاية في الإثارة. وقد حقق الفيلمان- وهما من إنتاج القطاع الخاص- نجاحاً تجارياً ملموساً. وفي مجال البطولات الفردية أيضاً. نجد أفلاماً أخرى، أبرزها “القاعدة الجهنمية” و”المعبر”. والفيلم الأخير هو من الأفلام التي تحاول تثبيت الطبيعة العقائدية للحرب، إلا أنه تعمّد الإثارة غير المنطقية في أكثر من مشهد، وخاصة ما يتعلق باقتحام أفراد “حرس الثورة” الأربعة للمواقع العراقية، وقتالهم سرية كاملة، وبقائهم في الطرف الثاني، حتى يتم لهم تفجير الجسر.

ومن خلال استعراض أفلام الحرب الإيرانية، يبدو أن عقدة “مجموعة الكوماندوز” التي تنفذ أرض العدو وقطعاته وتدمر وتأتي بالمعلومات وتنفذ مهامها المطلوبة، ثم تعود بعد أن يستشهد ويجرح بعض افرادها، وربما تترك أسرى لدى العدو، يبدو أن هذه العقدة يحملها الكثير من السينمائيين الإيرانيين، وقد يصل عدد أفلام هذا النوع إلى عشرة تقريباً، منها: نداء الغيب، الفدائيون، القاعدة الجهنمية، بلاك، زورق باتجاه الساحل والمعبر. حتى أن بعضها يتشابه كثيراً- على مستوى القصة والمشاهد والإخراج- كما هو الحال مع فيلمي “بلاك” و”الفدائيون”. وفضلاً عن ظواهر البطولات الفردية والابتعاد عن حقيقة الحرب وعقدة مجموعة الكوماندوز، فإن هناك عناصر مشتركة أخرى في معظم أفلام الحرب الإيرانية، منها:

  • عنصر المبالغة. الملفت للنظر أن بعض المخرجين يعتمدون في بناء أفلامهم على قصص حقيقية، إلا أنهم حينما يلجأون إلى المبالغة فإن المشاهد يشعر بأن هذه القصص الواقعية، أصبحت أقرب إلى الخيال. ومن العوامل التي تدفع المنتجين أو المخرجين إلى هذا السلوك، هو طموحهم للوصول بسينما الحرب الايرانية إلى المستوى العالمي. ومع أن هذا الطموح مشروع مبدئياً، إلا أنه يفقد شرعيته، إذا كان على حساب الحقائق والوقائع. وهو أمر تؤكد عليه الأجهزة الحكومية المختصة في الجمهورية الإسلامية، حتى أنها تضطر- في بعض الحالات- إلى إجراءات متشددة، قد تصل إلى منه عرض الفيلم.
  • عنصر الصدفة. من أمثلة ذلك فيلم “المقاومة”، حيث تجعل الصدفة سبباً، لينفصل الزورق الاحتياطي عن السفينة التي تقل قوات الحرس الثوري نحو عبادان. وكذلك فيلم “النسور”، حيث يسقط الطيار الإيراني- بعد تدمير طائرته- في نفس القرية العراقية الكردية التي سبق لضابط القوات الخاصة الإيراني أيضاً أن أرسل إليها، لغرض الاتصال بالزعامات الكردية وجمع المعلومات عن المنطقة.
  • التحول الفكري والروحي. لا يسعنا هنا ذكر جميع المصاديق لكثرتها، ولكن نشير إلى عدد من الأمثلة، كحالة التحول التي يتعرض لها الطبيب الإيراني المقيم في ألمانيا الغربية، التي وصل إليها- هارباً- بشق الأنفس، لكنه يعود إلى إيران ويلتحق بجبهات الحرب. وتحول المصور “فريد” في فيلم “المقاومة” بعد اشتداد الأزمة التي أعقبت انفصال الزورق الاحتياطي، وتحول “علي” الموظف المترف في فيلم “ديار العاشقين” على أثر استشهاد صديقه الحميم.

وضمن هذا التقويم السريع؛ نرى من الضروري أن نتناول قضية في غاية الأهمية، وهي: “صورة العراقي” في الفيلم الحربي الإيراني. لا شك أن هذه الصورة متباينة من فيلم لآخر؛ فقسم منها يعرض صورة سلبية عن العراقيين، من خلال الجيش العراقي، تكاد تقترب من صورة “الألمان” الإجرامية خلال الحرب العالمية الثانية في الأفلام الفرنسية والبريطانية وأفلام دول الكتلة الشرقية. والقسم الآخر يعرض صورة موضوعية. فعلى سبيل المثال نشاهد صورة قاتمة للجيش العراقي- كأفراد- في فيلمي “زورق باتجاه الساحل” و”القاعدة الجهنمية”، في حين يعرض فيلم “النسور” صورتين، سلبية عن الجيش العراقي، وإيجابية عن الأكراد العراقيين. وكان فيلم “الطيران في الليل” أكثر موضوعية، حين عرض صورتين واضحتي المعالم للجنود العراقيين، تتمثلان بأسيرين عراقيين، ينتهز أحدهما الفرصة لمحاولة قتل آمر الفوج الإيراني أثناء اشتداد الحصار على الفوج، في حين يكون الآخر السبب في إنقاذه. ويصدق الأمر ذاته مع فيلم “المعبر” الذي يعرض صورتين مختلفتين ايضاً.

والوجه الآخر للصورة العراقية في الفيلم الحربي الإيراني، يتعلق بحدود قناعة أفراد الجيش العراقي بالحرب، ومواقفهم القتالية خلالها وتبدو الصورة هنا واقعية، فمعظم الأفلام تبرز عدم إيمان هؤلاء بالحرب وعدم جدوى التضحية من أجلها. ولكن من هذه الأفلام ما يبرز الجنود العراقيين بشكل كاريكاتيري، وعلى درجة كبيرة من السذاجة والجبن، بحيث تكفي مجموعة صغيرة من الكوماندوز الإيراني لمواجهة مجاميع كبيرة من أفراد الجيش العراقي.

وفيما يتعلق بلغة الحوار- كجانب فني- فإن أكثر الأفلام التي يساهم العراقيون في صنع أحداثها لم تعتن بها؛ فنفاجأ بأنهم يتكلمون العربية الفصحى في فيلم “المعبر”، وهذا خلاف الواقع، لأن العرقيين يتحدثون فيما بينهم بلهجتهم المحلية، أو أنهم يتحدثون بلهجة عراقية ذات لكنة فارسية واضحة، كما في أفلام أخرى، في حين يتكلم الضابط العراقي في “النسور” اللغة الفارسية، ولكن بلهجة متصنعة، بحيث يبدو واضحاً أنه فارسي يتصنع تغيير لهجته. أما مخرج فيلم “الخلاص” فقد فضل أن يبقى الأسير العراقي- في كل المشاهد التي يظهر فيها- دون كلام. وهكذا فعل مخرجون آخرون. وعلى نفس الصعيد نرى أن الأكراد الإيرانيين والعراقيين غالباً ما يتحاورون فيما بينهم بالفارسية، كما في “ملحمة وادي شيلر” و”دولتو” و”النسور”. أما في “زورق باتجاه الساحل” و”المعبر”، فإن أفراد الحرس الثوري الذين ينفذون إلى داخل القطاعات العراقية… بملامس وهيئة عراقيتين، لغرض التمويه، يتبادلون الحديث مع الجنود العراقيين بشكل دقيق. بيد أن مخرجين آخرين برعوا في معالجة هذا الخلل، حيث اعتمدوا عملية “الدبلجة” بشكل متقن، كما في فيلم “القاعدة الجهنمية”، الذي كان العراقيون خلاله يتكلمون لهجة عراقية سليمة وجميلة. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى فيلم “الكلاب والموت”، الفيلم العربي الأول من نوعه في تاريخ السينما الإيرانية، الذي يمثل تجربة حملت معها مؤشرات النجاح والفشل جنباً إلى جنب. وأهم ما يقال حول الفيلم هو أنه أقرب إلى “التمثيلية” أو الفيلم التلفزيوني من الفيلم السينمائي، لأن مشاهده لم تتعد حدود ثلاثة أماكن فقط.

إن جميع أفلام الحرب تحدثت عن شجاعة المقاتل الإيراني وتضحياته وإيثاره، كل حسب وجهة نظره. وقد كان بعضها- بالنظر لواقعيته وطبيعة معالجاته- عبارة عن لوحة فنية او قطعة موسيقية. فهذا البعض جمع فيه العمق الديني والإيثار الشديد والشجاعة الفائقة، إلى جانب الالتزام العسكري والكفاءة القتالية والإدارية. وأبرز مثال في هذا المجال فيلم “الطيران في الليل”، الذي عكس منطق المقاتل الإيراني وحقيقته، بالشكل الذي يجري يومياً- على أرض الواقع- في الجبهات، فضلاً عن اهتمامه بالجانب التقني والفني، مما أتاح له الفوز بالعديد من الجوائز، أهمها “اللوح الذهبي” في مهرجان الفجر (1987)، وأفضل فيلم في مهرجان أفلام الحرب (1987). لقد برع الفيلم في تحسيس المشاهد بالترابط التاريخي بين الحرب الحالية ومعركة كربلاء. فالقوات العراقية في “الطيران في الليل” تواصل حصارها للفوج الإيراني، وتمنع عنه الماء، بالرغم من تزايد الجرحى والقتلى. وحينها يحاول آمر الفوج (مهدي) اقتحام خطوط العدو بمفرده وجلب الماء للعطاشى، وهو يرتجز “أنا مهدي…”، ويلوح بقبضته ورصاص بندقيته، فتمطره القوات العراقية بوابل من الرصاص، ويهدر الماء من القربة التي يحملها.

ونجح عدد من الأفلام الإيرانية الحربية في معالجة قضايا “ميتافيزيقية” معقدة، معالجة عرفانية شفافة، جديدة من نوعها، حتى على صعيد السينما العالمية، كما في فيلم “حفار القبور” و”النجم المذنب” و”نداء الغيب” وغيرها.

مستقبل سينما الحرب

بعد هذا التقويم الشامل والسريع، يمكننا القول بأن سينما الحرب الإيرانية خطت خطوات جريئة، حاولت خلالها الوصول إلى مستوى سينما الحرب في الدول الأخرى التي تعرضت لظروف مشابهة، كالسينما الصينية التي تصور الحرب الصينية-اليابانية، والسينما اليابانية التي تصور الحرب الأميركية- اليابانية، وسينما دول الكتلة الشرقية التي تصور صراعها مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. ومع أنها نجحت في محاولاتها هذه، فإنها تبقى بحاجة إلى جهود ضخمة يتضافر عليها القطاعات العام والخاص، للارتقاء بها إلى مستوى سينما الحرب في العالم، من حيث التقنية والتطور الفني والواقعية، لا من حيث الفكر والجذور والتقليد. ومن أجل تحقيق هذا المطلب، نجد الكثير من الأفكار والتصورات المطروحة على طاولة البحث بين السينمائيين الإيرانيين منها: دراسة جذور الحرب ونفسيات المقاتلين والفكر الإسلامي ومعايشة أجواء الجبهات. ويبدو أن الجهات المسؤولة قد بادرت إلى تحقيق الخطوة الأولى في هذا المجال، حيث تقوم وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي بعمل سفرات سياحية دورية خاصة بالسينمائيين إلى جبهات القتال، كما تقوم بعمل دورات تعليمية لتخريج سينمائيين عقائديين جدد. ويبدو أن إنشاء مؤسسة سينمائية رسمية أو شبه رسمية خاصة بأفلام الحرب، هي ضرورة تتماشى مع طبيعة الوضع الداخلي والدولي. ومهمة إيجاد مثل هذه المؤسسة يقع- دون شك- على عاتق مركز الإعلام الحربي التابع لمجلس الدفاع الأعلى ومجلس الإعلام الأعلى في البلاد.

إن هناك قضايا حيوية عديدة يمكن طرحها في أفلام الحرب، سواء تلك التي لها علاقة مباشرة بالجبهات، أو التي لها علاقة بما وراءها، أو التي تتطرق لتأثيرات الحرب على الحياة الاجتماعية. هذه التصورات وغيرها يدرسها المسؤولون بعناية خلال مهرجان أفلام الحرب الذي يعقد سنوياً في الفترة 22 ايلول (سبتمبر) إلى 2 تشرين الأول (اكتوبر).

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment