هل يصلح النص الديني أن يكون مصدرا تاريخيا ماديا

Last Updated: 2024/04/26By

هل يصلح النص الديني أن يكون مصدرا تاريخيا ماديا؟

د. علي المؤمن

يستند المؤرخ في تدوين الوقائع وتحليلها والتثبت منها على مشاهداته أو مسموعاته الموثقة أو الحفريات والمدونات الآثارية والتاريخية، بل يتسامح بعض مدارس التاريخ على الانتقاء من الأساطير والمثيولوجيا.

وتستبعد غالبية المدارس الأكاديمية النص الديني كمصدر تاريخي. لماذا؟ ولماذا لا تنطبق على النص الديني معايير المصدرية المادية؟

في النصوص الدينية المتمثلة في الكتب السماوية أو المنسوبة الى السماء، كالتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها، هناك وقائع تاريخية كثيرة مدونة، تتعلق بسير الأنبياء وماضي الأمم ومسارات كثير من الأحداث. فلماذا لا يستند المؤرخون عليها كمصادر مادية؟

هناك كثير من كتب التاريخ المنهجية تجزم بأن وجود كثير من الأمم والأنبياء غير ثابت تاريخيا، بمن فيهم إبراهيم، بسبب عدم وجود أي أثر تاريخي في المدونات والحفريات والآثار يدل على وجودهم ودورهم، وإنهم ذكروا فقط في النص التوراتي الديني فقط، ثم أكد القرآن وجودهم.

ويعد هؤلاء أن النصوص المقدسة هي نصوص هداية وليست تاريخ، ولذلك؛ لا يمكن اعتمادها.

هنا تظهر جملة مفارقات؛ فالنص الديني، سواء كان توراتياً أو افستائياً أو توراتياً أو إنجيلياً أو قرآنيا، هو بكل الأحوال نص ديني قديم بقدم وجود النبي المنسوب إليه النص، أي أنّ هناك من دوّنه منذ مئات أو آلاف السنين؛ فإذا كنّا نعتقد أن هذه الكتب أو بعضها، منزّل من الله وأنها نصوص مقدسة؛ فمن المستحيل أن يذكر الله أحداثاً وهمية وأشخاصاً وهميين أو سيرة مختلَقة لغرض الهداية. حينها يكون من المؤكد أن كل ما ذكره النص الديني من أحداث وشخصيات ومسارات تاريخية، هي صحيحة، وقد وقعت بالفعل، ولم يذكرها الله كرموز للتسلية الهادفة والحكايا والقصص الهادية، لأنه يتناقض كلياً مع غاية نزول النص وعصمته وقدسيته وفلسفة حضوره في حياة الإنسان.

وبالتالي؛ لا مجال من عدم اعتماد النص الديني كمصدر تاريخي مادي محايد. هذا بالنسبة للمؤمن بإلهية بعض النصوص الدينية، أي أن إيمانه بإلهية النص هو حجة عليه في القبول بمصدريتها التاريخية.

أما إذا لم يكن المؤرخ مؤمناً بإلهية النص الديني وقدسيته، فلا يختلف الأمر كثيراً، وسيكون الاختلاف فقط في تمحيص النص الديني الخاص بالتاريخ والوقائع والسير، وتدقيقه ودراسته، حاله حال أي نص بشري؛ فهذا النص بالتالي كتبه شخص أو أشخاص قبل مئات وآلاف السنين، ودوَّنوا ما شهدوه أو سمعوا به أو تناقلوه من أجيال سابقة. وهذه الشهادات والمدونات ربما تكون صادقة أو تكون موضوعة ومختلقة أو مبالغ بها. وهي بذلك؛ لا تختلف عن أي نص تاريخي آثاري؛ فالألواح والكتابات الآثارية التاريخية، كتبها بشر أيضاً، ولا سيما المقرّبون من الحكام، وبالتالي؛ ربما تكون الوقائع والسير الموجودة فيها كاذبة وربما تكون صادقة أو مبالغ بها.

وعليه؛ لا يوجد ما يمنع منهجياً من إخضاع النص الديني والمثيولوجيا الدينية الى معايير محاكمة الأثر التاريخي المدون نفسها، لأن كليهما صادران عن بشر يصيبون ويخطئون أو هم أصحاب أهداف خاصة. وبالتالي؛ من الطبيعي، اعتماد النص التاريخي كمصدر للتأريخ، سواء كان المؤرخ مؤمناً بإلهية النص أو غير مؤمن.

بعض المؤرخين والاركولوجيين يؤكد ــ مثلاً ــ وجود رمسيس الثاني (الفرعون المعاصر للنبي موسى كما يرى بعض المؤرخين)، لأنه مذكور في النص الهيروغليفي الفرعوني، لكنه يرى أن موسى ربما يكون شخصية أُسطورية، لأن النصوص الهيروغليفية الفرعونية لم تذكره ولم تؤرخ لوجوده، بل لم تؤرخ لوجود دور لهكذا شخصية في حياة الدولة الفرعية في عهد رمسيس الثاني وولده. ويقول هذا النوع من المؤرخين بأن موسى ورد ذكره في التوراة فقط، وهو نص ديني لا يعتمد مصدراً تأريخياً. ويتغافل عن ذكر موسى في القرآن، رغم أن صاحب هذا الرأي مسلم.

وهذا المعيار متهافت في الحقيقة، لأن الكتابات الفرعونية من الطبيعي أن تمجد الحاكم وتدون سيرته وتبالغ في إنجازاته، وتنكل بأعدائه وتمحو أثرهم. ومن الطبيعي ألّا تذكر موسى. وبالتالي؛ ينبغي مراجعة مصدر آخر، وإن كان دينياً. فمالفرق ومالمانع؟ فإذا كان النص الديني التاريخي منحاز لمصلحة النبي والمصلِح والجماعة الدينية والأهداف الإيمانية، على حساب الحقائق التاريخية؛ فإن هذا الإشكال ينطبق أيضاً على النصوص الآثارية المسمارية أو التصويرية أو الحرفية، لأنها هي الأخرى منحازة إلى ولي نعمة الكاتب، أي الحاكم وإنجازاته وانتصاراته. وبالتالي؛ أما أن يتم النصوص التاريخية الأرضية والنصوص التاريخية الدينية معاً، أو عدم اعتمادهما معاً، لأنها يخضعان للمعايير نفسها، في حال كان المؤرخ يعتقد بأن النص الديني هو نص بشري أو نص للهداية وليس للأرخنة.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment