هل الكوارث الطبيعية عقاب إلهي

Last Updated: 2024/04/26By

هل الكوارث الطبيعية عقاب إلهي؟

د. علي المؤمن

حدوث الظواهر الكونية الطبيعية، سواء المشروطة بالعقاب، أو غير المشروطة، هو نوع من الحوار والجدل بين الإنسان والطبيعة التي تسيِّرها قوانين الله، أو نوع من لفت النظر للبشر ودفعهم باتجاه معين، ربما فيه خير لهم؛ فرب ضارة نافعة ((وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)). وهذا ليس خطاباً غيبياً وحسب، إنما هو ثابت إنساني أيضاً، جربته البشرية وتأكدت من صدقيته عملياً على طول التاريخ.

والأصل أن الزلازل والخسف والبراكين والخسوف والكسوف والفيضانات والأعاصير وغيرها، هي ظواهر كونية طبيعية تحدث وفق القوانين الكونية الصارمة الجامدة التي وضعها الله (تعالى)، وهي تحدث منذ ملايين السنين، وقبل وجود الإنسان على الأرض، وهذه القوانين تمسك بحزم بكل جزئيات الكون، وتتحكم بها، وتمنعها من أي عصيان وتمرد، ومثالها البسيط: ((لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)).

ولم يثبت عقدياً أن وقوع الظواهر الكونية الطبيعية مشروط بالعقاب، إلّا إذا كان هناك نص صريح على بعضها كونها عقاباً إلهياً، كما حدّثنا القرآن بأنها جاءت عقاباً لأقوام فسدوا واستخفوا بالأنبياء وعصوا أوامر الله، أو وجود عقوبات معينة أخرى غير منصوص عليها، تقع بواسطة هذه الظواهر، دون ان نعيها، ولكن يبقى أن العقاب بواسطة هذه الظواهر ليس قانوناً عاماً، بل قانون خاص بحوادث معينة، في إطار تدخل إلهي إعجازي، أي أن الكوارث التي حدثت أو تحدث عقاباً لبعض الأقوام، إنما هي الاستثناء من القانون العام، وبالتالي؛ فإن العقوبة بواسطة هذه الكوارث هي الإعجاز وليس عدم وقوعها، والإعجاز هو الاستثناء دائماً، ولو كانت الكوارث التي أصابت قوم عاد وثمود وهود وصالح ولوط وغيرهم، تحدث كل يوم ولكل قوم عاصين على الأرض؛ لكانت أمرأ طبيعياً وليست معاجز خصها القرآن بالذكر تفصيلاً.

أما الظواهر غير المنصوص عليها؛ فمسكوت عنها، ومنها التي وقعت بعد عصر النبوات، وانتهاء عصر المعاجز، إذ لا يشترط فيها العقاب. وبكلمة أخرى؛ لا يوجد نص صريح يعمم جزاء العقاب الإلهي بواسطة الظواهر الكونية الطبيعية، عدا الحوادث الخاصة المنصوص عليها، أو ما لا نعيه من غيرها. أما الروايات الواردة في هذا المجال؛ فينبغي مراجعتها، والتعرف على ظروفها قبل أسانيدها ودلالاتها.

والظواهر الكونية الطبيعية لا تشبه ــ غالباً ــ السنن الإلهية التاريخية المشروطة، أي المعادلات الاجتماعية التي إذا توافرت شروطها، أدت الى نتائج معينة ((ولو أن أهل القرى آمنو واتقوا.. لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض))؛ ففتح البركات مشروط هنا بإيمان الجماعة وتقواها، ولكن لا يمكن إسقاط هذا الشرط على الظواهر الطبيعة الكونية؛ فإذا فسد الناس ــ مثلاً ــ زلزل الله بهم أو خسف الأرض؛ فالموضوعان مختلفان، لأن الأول يرتبط بقوانين كونية، جعلها الله جامدة صارمة، ولا يمكن للإنسان الإخلال بها أو أن يتسبب في تغيير معادلاتها، وكل ما يقال في مجال قدرة الإنسان على التسبب بمثل هذه الكوارث، فهي أقوال لا تتجاوز الخيال العلمي غالباً، إلّا في حالات نادرة، كإحداث خلل في التوازن البيئي وزيادة التلوث وزيادة ثقب الأوزون والهزات التي تتسبب بها التفجيرات النووية ــ مثلاً ــ.

أما الموضوع الثاني؛ فإنه يرتبط بقوانين اجتماعية مرنة ترتبط بفعل الإنسان، وتنتج ظاهرة إنسانية أيضاً، ولا تؤدي الى وقوع ظاهرة طبيعية كونية، أي أنها جزاء دنيوي طبيعي لأعمال الإنسان، وهو ما تنبّه إليه علماء الاجتماع وفلاسفة التاريخ في حديثهم عن صعود الحضارات والمدنيات أو انحدارها وموتها، أمثال ابن خلدون و”توينبي” و”شبنغلر”، كما تحدث عنها القرآن بدقة قبلهم بمئات السنين.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment