هل الشعب هو الكتلة الأكبر؟

Last Updated: 2024/04/26By

هل الشعب هو الكتلة الأكبر؟

د. علي المؤمن

لا يوجد بلغة السياسة والقانون التي تفرزها النظريات الديمقراطية؛ مفهوم أو موضوع عنوانه ((الشعب هو الكتلة الأكبر))، لأن الشعب هو كل سكان الدولة، أي أنه ليس كتلة بذاته، أو كتلة في مقابل الكتل؛ بل أن جميع الكتل السياسية تنشأ منه. وليس هناك في الدولة ما يقابل شعب الدولة ليكون الكتلة الأصغر. وبالتالي؛ فهي مقولة غير صحيحة بالمعايير السياسية والقانونية.

أما بلغة الواقع، فإن ادعاء تمثيل الشعب هو ادعاء مستحيل؛ إلّا بالصيغ المتعارفة عقلاً وعرفاً، وإن كان هذا التمثيل نسبياً وناقصاً ومشوهاً، إلّا أنه تمثيل بالحد الأدنى. أما ادّعاء التمثيل واحتكار التمثيل، فلا شرعية له ولا قيمة قانونية وسياسية له.

مثلاً: تبرز جماعة ناشطة في مدينة ما، يجتمع حولها بعض أبناء المدينة، ثم يقفون وسط المدينة أو في مكان عام، ويصرخون: نحن المدينة والمدينة نحن، ونحن نمثل المدينة، ونحن نعبِّر عن إرادة سكان المدينة، وأنّ حاكم المدينة لا يمثل المدينة وأن مجلس المدينة المنتخب لا يمثل المدينة أيضاً.

وحينها تبث وسائل الإعلام والتواصل أخبارهم بالتأييد أو الرفض. وهنا نتساءل: ماهي حجة هؤلاء بأنهم المدينة وأنهم يمثلون المدينة وسكانها، رغم أن عددهم مع من هتف لهم، لا يتجازوا (1000) شخص، بينما عدد سكان المدينة مليون شخص؟. ستجيب الجماعة: إن مطاليبنا هي مطاليب سكان المدينة، وأن سكان المدينة يؤيدوننا.

وهنا تبرز أسئلة أكثر واقعية وتفصيلاً: كيف نعرف أن سكان المدينة يؤيدونهم؟ هل جمعوا تواقيع أغلب سكان المدينة بإشراف محايد؟ أو هل انتخبهم أغلب سكان المدينة بطريقة مقبولة ما؟ ومتى حصل ذلك؟ وكيف؟ وأين؟ وهل هناك جهة محايدة أشرفت على انتخابهم؟ فلعل هناك جماعات كثيرة غيرها ترفع مطاليب متشابهة، وقد أيدهم كثير من السكان أيضاً. وهناك جماعات أخرى ترفع مطاليب أخرى. وجميعها تزعم أنها تمثل سكان المدينة. فلم هذه الجماعة بالذات تمثل المدينة وغيرها من الجماعات لا تمثل المدينة؟.

هذا الجدل المبسط؛ يطرح إشكالية عميقة لا يمكن حلّها في ظل مبادئ الديمقراطية؛ لأن صيغ الغلبة وفرض الأمر الواقع ودكتاتورية الصوت العالي؛ هي صيغ اندثرت ولا تمت الى مفاهيم الديمقراطية والتحضر والمدنية بصلة.

هناك أمر آخر، وهو أن تقدُّم أي الجماعة لرفع مطاليب عامة ينادي بها أيضاً جزء كبير من الشعب، لا يعني أن هذه الجماعة اكتسبت شرعية تمثيل كل الشعب، وأنها باتت تحتكر قرار الشعب، لمجرد أنها نادت بتلك المطاليب، لأنّ هناك جماعات أخرى تنادي بمطاليب متشابهة، بل هناك جماعات أخرى تنادي بمطاليب متعارضة أو غير متشابهة. فمن سيكون له الحق بتمثيل الشعب؟. بل أن هناك ملايين غير المشاركين بحراك هؤلاء وأولائك، ولم يعبروا علناً عن آرائهم سلباً أو إيجاباً؛ فهل هؤلاء ليسوا من الشعب؟ وهل مزاعم تمثيلهم من أي طرف كان، هي مزاعم واقعية وشرعية؟

مثلاً: هناك جماعة من (1000) شخص ترفع شعار إعادة قانون الخدمة الإلزامية، وتقول إنّ الشعب يؤيدها، وأنها تعبر عن رأي الشعب. وفي الوقت نفسه، هناك جماعة أخرى من (1000) شخص أيضاً ترفع شعار رفض القانون، وتقول إنها تعبر عن ضمير الشعب ورأي الشارع. فما هو المعيار هنا في تمثيل الشعب؟ وبأي رأي ستأخذ الحكومة؟.

هنا الديمقراطية حلّت المشكلة، ووضعت معايير لمن يمثل الشعب، لكي تأخذ الحكومة برأيه، وكان نتاج هذه المعايير هو البرلمان المنتخب من أغلبية الشعب، وهذا البرلمان يصوت هو الآخر بالأغلبية، ما يعني أنه لا حل سوى الأخذ برأي الأغلبية، وإن كانت أغلبية نسبية مفروزة عن أغلبية نسبية.

بالتالي؛ فإن شرعية تمثيل الشعب، تتم من خلال إحدى الصيغ التالية:

  • الإجماع النسبي الشعبي غير الرسمي: وهي صيغة نادرة وخاصة، تحصل دون إجراء انتخابات أو استفتاء قانوني، وتنحصر مصاديقها في القيادات الروحية والدينية الكبرى، أو قيادات الثورات الشعبية التي يشترك فيها أغلب الشعب.
  • الاستفتاء الشعبي العام الرسمي: ويتمثل في حصول شخص ما أو جماعة ما على تأييد أغلبية الشعب، أو تأييد أغلبية المشاركين في الاستفتاء، دون وجود منافسين. وهو تمثيل شرعي تام، وإن كان يفتقد الى صيغة التناقس الديمقراطي.
  • الانتخاب الرسمي: وهي ترجيح الشعب لشخص أو جماعة ما، مقابل أشخاص آخرين أو جماعات أخرى. ويتم هذا الترجيح عبر صيغ الانتخاب والتنافس المتعارفة ديمقراطياً. ويكون تمثيل هذا الشخص أو تلك الجماعة للشعب تمثيلاً شرعياً، وإن انتخبهم جزء من الشعب وفق القانون النافد.

عليه؛ فإن كون ((الشعب هو الكتلة الأكبر))، وأن جماعة معينة أو حزباً معيناً أو كتلة معينة تزعم تمثيل الشعب؛ إنما هي مقولات غير واقعية. نعم.. يمكن أن تكون الكتلة الأكبر المنتخبة شعبياً هي التي تمثل الجزء الأكبر من الشعب؛ لكنه تمثيل نسبي وناقص؛ لأنه يرتبط بحجم الذين صوتوا لها قياساً بعدد السكان وعدد المصوتين.

مثلاً: الكتلة التي تحصل على مليون صوت من مجموع عدد الأصوات الذي يصل الى عشرة ملايين صوت؛ فإنها لا تمثل سوى 10 % من المصوتين، وإذا كان من يحق لهم التصويت 30 مليون شخص، فهذا يعني أن الكتلة التي حصلت على مليون صوت لا تمثل سوى 3 % من أصوات الشعب، ولا يحق لها الكتلة الادعاء بأنها تمثل الشعب.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment