ولاية الحسبة وولاية الحكم
د. علي المؤمن
أخذ مبدأ ولاية الفقيه حقه من التنظير الاستدلالي المعمق، في معظم تفاصيله، خلال العقود الخمسة الأخيرة. ولعل أكثر الموضوعات المهمة ذات الصلة بمساحات ولاية الفقيه، والتي شغلت الباحثين المتخصصين؛ موضوع ولاية الحسبة وولاية الحكم والفرق بينهما.
إنّ ولاية الحسبة وولاية الحكم وظيفتان أو فرعان من فروع ولاية الفقيه؛ أي أنّهما جزء من ولاية الفقيه التي تشمل ـ كما ذكرنا ـ في حدها الأدنى: الفتوى والقضاء والأموال الشرعية والحسبة، وفي حدها الأعلى الولاية على الحكم والقيادة السياسية.
أمّا الأُمور الحسبية فهي الأُمور العامة لنظام المجتمع، والتي يتسبب تركها في تعـرض مصالح المجتمع إلى الخطر؛ كالأوقـاف العامة، والقصّـر والأيتام، والتحكيم بين الناس وفض النزاعات، وحفظ أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم، وأية مهمة تقصـّر الدولة في أدائها؛ كالدفاع عن المجتمع إذا تعرض للأخطار، وإدارة شؤونه، والتكافل الاجتماعي وغيرها. وبالتالي؛ هي وظيفة دفع المفاسد عن المجتمع وجلب المصالح له، وهي من صلاحيات الفقيه المعبّر عنها بولاية الحسبة. وهناك من الفقهاء من يوسع الحسبة، وهناك من يضيقها؛ فمن الفقهاء المعاصرين الذين يوسعون مساحة ولاية الحسبة: السيد محسن الحكيم، والسيد علي السيستاني، وممن يضيقها السيد أبو القاسم الخوئي.
بينما تتلخص ولاية الحكم أو الولاية العامة في أنّها القيادة السياسية التي يتولاها الفقيه المتصدّي، وجزء منها الولاية على الحكم فيما لو تم تأسيس دولة إسلامية. وهناك من الفقهاء أيضاً من يوسع في صلاحيات الولاية العامة، وثمة من يضيّقها.
والحسبة جزء من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشتمل على الحسبة التطوعية والحسبة الوظيفية، ومن يقوم بهذا العمل يسمى «المحتسب»، أي الذي يقوم بإحدى مهام رعاية المجتمع وخدمته وحفظ مصالحه ودرء المفاسد عنه، وهو بذلك يحتسب أمره عند الله ويرجو ثوابه. أي أنّ الحسبة بمثابة الإدارة المحلية أو إدارة المجتمع في شؤونه المعيشية والخدمية ورعاية الأيتام والقصّر والفقراء، ودرء المفاسد عن المجتمع وجلب المصالح له، وكذلك إقامة جميع واجبات حفظ نظام المجتمع؛ بل كل واجبات الدولة في حال غيابها أو تقصيرها. وبذلك؛ فإنّ الحسبة مفهوم اجتماعي وليس سياسياً، أي إدارة اجتماعية، وليست إدارة سياسية. وهنا يمكن فهم الفرق بين ولاية الفقيه على الحسبة وولاية الفقيه على الحكم، فالأُولى إدارة اجتماعية والثانية إدارة سياسية.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua