وحدة التعايش والشراكة بين المسلمين

Last Updated: 2024/04/26By

وحدة التعايش والشراكة بين المسلمين

د. علي المؤمن

أعتقد أن مظهري التعايش والشراكة، اللذين يفضيان الى التعاون والتكافل بين المسلمين، هما أحد أكثر مصاديق وحدة الأمة الإسلامية واقعيةً في الوقت الحاضر. ولذلك؛ لا أرى تعارضاً مفهومياً أو شرعياً بين مفهوم الأُمة ووحدتها، ومفهومي التعايش والشراكة بين المسلمين على أساس تعاليم الإسلام. وهناك أربع مقدمات واجبة لعملية التأليف بين أبناء الأُمة وتعايشهم وشراكتهم:

  • الإذعان بوجود الخلاف بين المسلمين، على كل مستوياته، في حدود حقيقته، دون مبالغة أو تقليل، ودون أي تجاوز للواقع المتجذر لوجود المذاهب العقدية والفقهية، واستحالة إلغائها أو إلغاء بعضها.
  • الإيمان بأن الاتحاد بين المسلمين على أساس التعايش والشراكة والتعاون، هو ضرورة شرعية وواقعية، والإحساس الحقيقي بالحاجة الماسة إليه، على المدى البعيد والقريب، بما يحقق المصالح المشتركة والمصير المشترك بين المسلمين.
  • الإيمان بأن هدف الوحدة ليس هدفاً سياسياً أو تكتيكياً، من أجل تحقيق مصالح السياسية للحكام أو الأنظمة أو التحالفات الإقليمية، أو في حدود صراع دولي، أو لمقابلة وضع سياسي معين، بل هو هدف استراتيجي ثابت.
  • إن الوحدة لا تحقق أهدافها في أجواء مصلحة إسلامية مرحلية، وإن كان هذا هدفاً إسلامياً مشروعاً، ولكن الوحدة الحقيقية – كما قلنا – ذات أهداف واسعة وعميقة، تفرضها الشريعة الإسلامية.

ولعل الذهن، خلال الحديث عن وحدة المسلمين، ينصرف ــ غالباً ــ إلى بُعدها المذهبي فقط، وإن كان هذا البعد أساسياً وفي غاية الأهمية، ولكن الوحدة هي عملية شاملة، تشتمل على جميع أبعاد النظرية والواقع، بدءاً بالعقيدة والفقه والموروث الديني والتاريخ، وانتهاءً بالقانون والسياسة والاجتماع والاقتصاد والعلوم والتعليم والثقافة والإعلام. أما وسائلها؛ فهي سلسلة من الخطوط والتفاعلات العميقة والآليات، تبدأ بالمقدمات الأربع المذكورة، وتمر عبر حسن ظن المسلم بأخيه المسلم من المذهب الآخر، والتعارف والحوار والتفاهم، والشعور بالمصير المشترك، وممارسة التضامن في مواجهة الأعداء الداخليين والخارجيين، بمختلف أشكالهم ومواقعهم، وتنتهي بالتقارب والشراكة على كل الصعد.

ووفقاً لذلك؛ فإن هناك خمسة جوانب أساسية لعملية وحدة التعايش والشراكة بين المسلمين، وهي جوانب تكمل بعضها الآخر، وتتداخل فيما بينها وتتخادم بفاعلية، برغم استقلال كل منها في مهمته وموضوعه، وهي:

  • الجانب النفسي: ومهمته الغوص في عمق الفاصلة النفسية بين المسلمين، من أجل ردمها نسبياً، عبر مراجعة المسلمين نفوسهم والتبصر فيما يعلق بها من ضغائن وأحقاد وحساسيات، لا يعرف أغلبهم أسبابها، تجاه المسلمين من الفرق العقدية والمذاهب الفقهية الأخرى، والعمل على تنزيهها، وخلق حالة حسن الظن بهم، والحب لهم، والتعاطف مع قضاياهم، والشعور بضرورة التضامن، ووعي حقيقة المصير المشترك، بشكل يهيمن على النفس ويتملكها.
  • الجانب الإعلامي، وتتمثل مهمته في خلق حالة نفور ومواجهة لدى المسلمين ضد أي خطاب فتنة وفرقة، سواء كان مصدرها داخلياً أو خارجياً، وبناء حالة وعي إسلامي ووطني رصين وعميق وأصيل وحقيقي بضرورة وحدة المسلمين وتعايشهم وتشاركهم، عنوانها «الرأي العام الإسلامي الوحدوي» و«ثقافة الوحدة الإسلامية»، التي يجب إشاعتها وترسيخها في عقول المسلمين وضمائرهم، لكي لا تبقى مهمة التقريب ودعوات الوحدة والشراكة محصورة في علماء المسلمين أو الحكام، ولكي تكون الأمة قاعدة الوحدة ودرعها، ومنطلق ممارسة الضغط على المؤسسات الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، لدفعها باتجاه تحقيق الأهداف العملية لوحدة المسلمين.
  • الجانب الاجتماعي، ويتمثل في تعوّد المجتمع على مختلف الممارسات الوحدوية، وفي مقدمتها الرفض العملي لأي خطاب اجتماعي يفرق المسلمين ويخلق الفتن فيهم، وخلق حالة التكافؤ في الحقوق والواجبات، والشراكة والتعاون والتكافل، وهي جميعاً عصب وحدة المجتمع واندماج شرائحه ببعضها بشكل متكافئ وليس قسري. وبغية استمرار هذه الممارسات العملية؛ ينبغي أن الوازع والدافع وصمام الأمان؛ غاية تحقيق «المجتمع الصالح».
  • الجانب السياسي، ويستند الى قاعدة فرز القيادات السياسية القوية الأمينة المعتدلة غير الطائفية، والتي تمثل نموذجاً واقعياً ملموساً لرمزية وحدة الأمة، وتتعهد بخلق واقع الشراكة والتعايش والتكافؤ السياسي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي بين المسلمين، سنة وشيعة، سواء على مستوى البلد الواحد، أو حيال المسلمين في البلدان الأخرى، كما تدعم ــ بكل السبل ــ مشاريع الوحدة والتقريب في أبعادها الدينية والثقافية والتعليمية والإعلامية، وتمارس الدفاع عن جميع الشعوب المسلمة، دون تمييز طائفي وقومي، وتتعاون مع البلدان والمؤسسات الإسلامية الأُخر للوقوف بوجه خصوم الأُمة الداخليين والخارجيين.
  • الجانب العلمي، وهدفه تحويل الخلافات الفقهية والفكرية بين المذاهب الإسلامية إلى نقاط قوة، بدل أن تكون نقاط صراع وضعف، وهو ما يتأتى معظمه عبر الحوار المكثف بين علماء الأمة ومفكريها ومثقفيها وأكاديمييها. وبالنظر لأهمية هذا الجانب سنفرد له عنواناً مستقلاً.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment