واقع المرجعيات الشيعية

Last Updated: 2024/04/26By

واقع المرجعيات الشيعية

د. علي المؤمن

يعتمد استشراف مستقبل موقع المرجعية الدينية الشيعية والفقهاء الذين سيتبوأونه، على المعايير والسياقات المتعارفة في إفراز المرجعيات داخل الحوزة العلمية، وعلى المعطيات الواقعية لحاضر المرجعية ومصاديقها الحالية، وتحديداً السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي، والتي يجري الحديث عن المرحلة التي تعقب رحيلها. ومن أبرز هذه المعايير هو ما استقر عليه الرأي العام الحوزوي الذي تصنعه جماعات أهل الخبرة والضغط، ثم حجم المرجعية ومساحة نفوذها الدیني وتأثيرها ونسبة مقلديها في كل العالم، وليس في العراق أو إيران وحسب. أمّا الأعلمية والعدالة والشهرة والتصدّي للشأن العام والبعد النهضوي في شخصية المرجع؛ فهي معايير نسبية لا يمكن الإجماع عليها في ظل وجود موازين فرعية مختلَف عليها.

ووفق هذه المعايير تكون بعض المرجعيات عليا، وأُخرى من الصف الأول أو الصف الثاني، وهي مصطلحات عرفية تدبيرية. ويمكن القول إنّ المدرستين الأبرز اللتين تتقاسمان مساحة النفوذ الديني والتقليد منذ حوالي أربعة عقود وحتى الآن، هما: مدرستي المرجعين الكبيرين السيد روح الله الموسوي الخميني والسيد أبو القاسم الموسوي الخوئي. وهما الزعيمان اللذان اقتسما المرجعية العليا للشيعة حتى وفاة الإمام الخميني في العام 1989، ولا يزالان يقتسمانها في تلاميذهما وامتداداتهما. وتعود جذور مدرسة السيد الخوئي إلى مدرسة زعيم الطائفة السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني في النجف، والتي أنجبت جميع مرجعيات النجف العليا بعد رحيله، كالسيد محسن الحكيم والسيد محمود الشاهرودي والسيد الخوئي، بينما ينتمي الإمام الخميني إلى مدرسة الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية المعاصرة في قم، والتي أنجبت مرجعيات قم العليا بعد رحيله، كالسيد محمد رضا الگلپایگاني والسيد محمد كاظم الشريعتمداري والإمام الخميني. وبالتالي؛ فإنّ أغلب المرجعيات العليا ومراجع الصفين الأول والثاني هم تلاميذ الزعيمين الخوئي والخميني، وينتمون إلى مدرستيهما، وفي مقدّمهم: السيد علي الحسيني السيستاني والسيد علي الحسيني الخامنئي، اللذان تقاسما الزعامة الدينية للطائفة الشيعية في العالم منذ أواخر تسعينات القرن الميلادي الماضي. والحديث هنا عن الزعامة الدينية ومساحات التقليد وليس القيادة.

والسيد علي ابن السيد محمد باقر بن السيد علي الحسيني السيستاني، هو المرجع الديني الأعلى على مستوى شيعة العراق وكثير من المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم، وهو إيراني من مدينة مشهد في محافظة خراسان، والتي ولد فيها في العام 1930 م. وتعود أُصوله إلى أُسرة مهاجرة من العراق، ويقيم في النجف الأشرف منذ العام 1951 م، وهو وريث مدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، وقد تفرّد بالمرجعية النجفية العليا في أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي، وتحديداً بعد رحيل مراجع النجف الكبار: السيد الخوئي، والسيد عبد الأعلى السبزواري، والشيخ علي الغـروي، والشيخ مـرتضى البروجردي، والسيد محمد الصدر، والسيد حسن بحر العلوم.

أما السيد علي ابن السيد جواد بن السيد حسين الحسيني الخامنئي، فهو المرجع الديني الأعلى على مستوى إيران وكثير من المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم، وهو إيراني مولود في مشهد في العام 1939م، ويقيم في طهران منذ العام 1978 م، وتعود جذوره إلى مدينة خامنه في محافظة آذربيجان الشرقية الإيرانية، وهو وريث مدرسة الإمام الخميني وحوزة قم. وقد تبلورت مرجعيته في أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي، ولا سيما بعد رحيل مراجع قم الكبار: السيد محمد رضا الكلبايكاني، والشيخ محمد علي الأراكي، والشيخ محمد الفاضل اللنكراني، والشيخ جواد التبريزي، والشيخ محمد تقي بهجت.

ويمكن القول إنّ 80% من شيعة العراق وإيران وبلدان الخليج ولبنان وسورية والهند وباكستان وأفغانستان وآذربيجان وروسيا وبلدان شرق آسيا ونيجيريا ومصر وباقي بلدان إفريقية وأُوروبا والأمريكتين، يقلدون السيد السيستاني والسيد الخامنئي. أما الـ 20% الباقين من الشيعة المقلدين؛ فإنّهم يرجعون بالتقليد إلى المراجع الآخرين، سواء مراجع الصف الأول أو الثاني. ولعل أغلب المسلمين والمتشيعين الجدد، ولا سيما في شرق آسيا وإفريقية وأُوروبا، يرجعون بالتقليد أيضاً إلى السيد علي الخامنئي والسيد علي السيستاني، وهما المرجعان الأنشط تبليغياً خارج المساحات التقليدية للشيعة. مع التأكيد على أنّ الأرقام المذكورة المتعلقة بنسب التقليد ليست عشوائية؛ بل هي نتيجة متابعة واستقراء مستمرين للمجتمعات الشيعية منذ عشرين سنة، فضلاً عن الاستعانة بالمؤسسات البحثية والتبليغية ذات العلاقة.

ذكرنا بأنّ تصنيف المرجعيات الدينية الشيعية على أنّها مرجعية عليا أو مرجعية صف أول أو صف ثاني، يعتمد على عدد من المعايير الواقعية، أبرزها: ما استقر عليه الرأي الحوزوي العام الذي تصنعه جماعات أهل الخبرة والضغط، وحجم المرجعية ومساحة نفوذها الديني، وتأثيرها ونسبة مقلديها في العالم، وليس في العراق وإيران وحسب. وبالتالي؛ فإنّ تصنيف مرجعيات الصف الأول أو الثاني، لا علاقة له بالاشتراطات الإصلاحية الطموحة ذات المداليل الواسعة جداً، والنسبية في تطبيقاتها، والتي يستحيل إحرازها، كالأعلمية، فلا هي مقولة فقهية أو علمية، ولا رتبة وظيفية؛ بل هي مقولة إجرائية واقعية عرفية، تدل على المراجع الذين لهم مقلّدون ونفوذ ديني يلي نفوذ المرجعين الأعليين وعدد مقلديهم.

ويبلغ عدد مراجع الصف الأول في قم والنجف حالياً (نهاية العام 2023) خمسة مراجع، هم:

1ـ الشيخ محمد إسحاق الفياض، أفغانستاني يقيم في النجف، وهو امتداد مدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.

2ـ الشيخ بشير حسين النجفي، باكستاني يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.

3ـ الشيخ حسين الوحيد الخراساني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.

4ـ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم.

5ـ السيد موسى الشبيري الزنجاني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم.

أمّا مراجع الصف الثاني في النجف وقم في الحال الحاضر؛ فإنّ نفوذهم الديني وعدد مقلديهم يلي مراجع الصف الأول، وأبرزهم:

1ـ الشيخ حسين النوري الهمداني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم.

2ـ السيد صادق الحسيني الشيرازي، عراقي من أصل إيراني، يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة شقيقه السيد محمد الشيرازي وحوزة كربلاء.

3ـ الشيخ جعفر السبحاني التبريزي، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم.

4ـ الشيخ عبد الله الجوادي الآملي، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم.

5ـ السيد علاء الدين الموسوي الغريفي، عراقي يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.

6ـ الشيخ محمد اليعقوبي، عراقي يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة السيد محمد الصدر وحوزة النجف.

وفضلاً عن رجوع الشيعة إلى مراجع الدين الأحياء السبعة عشـر، (المرجعين الأعليين السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي ومراجع الصف الأول الستة ومراجع الصف الثاني الستة)؛ فإنّ هناك من الشيعة من لا يزال ـ بناءً على فتوی أحد المراجع الأحياء المذكورين ـ باقياً على تقليد المراجع المتوفين، وخاصة الإمام الخميني والإمام الخوئي والسيد عبد الأعلى السبزواري والسيد محمد الصدر والسيد محمد رضا الگلپایگاني والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد تقي بهجت والسيد محمد باقر الصدر. والأخير هو أقدم مرجع ديني متوفى لا يزال لديه مقلدون.

وأؤكد هنا مرة أُخرى على منهجي البحثي؛ فأنا أصف المشهد الشيعي والحوزوي كما هو دون تدخل، ووفق فهمي الموضوعي لسياقات الحوزة العلمية، وتوجهات الرأي العام الحوزوي في النجف وقم، ولست صاحب قرار أو من أهل الخبرة الفقهية، لكي أحدد مستويات الاجتهاد والفقاهة والعدالة والكفاءة. أي أنّ عدم تصنيفي لأسماء علماء دين معروفين، إيرانيين وعراقيين وأفغانستانيين وباكستانيين وبحرانيين، ضمن مرجعيات الصفين الأول والثاني، ليس تجاهلاً مني لهذا الفقيه وذاك المرجع؛ بل إنّ سياقات الحوزتين النجفية والقمية وتوجهات الرأي العام الحوزوي؛ تجعلهم خارج معايير التصنيف. ويضاف إليه أنّ الشارع الشيعي المتدين هو ـ غالباً ـ تقليدي في نظرته إلى الحوزة والمرجعية، ويميل إلى الالتزام بالرأي العام الحوزوي التقليدي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment