واقعية المنهج والأساليب في مشروع وحدة المسلمين

Last Updated: 2024/04/26By

واقعية المنهج والأساليب في مشروع وحدة المسلمين

د. علي المؤمن

لابد من القول ابتداءً؛ بأن استخدام مصطلح الوحدة الإسلامية هو استخدام مجازي، لأنه مصطلح ضبابي في دلالاته، وربما لا يكون واقعياً في تطبيقاته العقدية والفقهية، والأصح طرح مفهوم وحدة المسلمين أو حدة الأمة الإسلامية، لأنه مفهوم أقرب الى الواقع، وينطوي على مداخل نفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية، يمكن أن تشكل مساحات مشتركة يدخل فيها المصير الديني المشترك، والعيش الوطني المشترك، والتعاون الأمني والاقتصادي والسياسي، والاندماج المجتمعي، والتكافل الاجتماعي، والمصلحة الوطنية والإقليمية، والقرابة القومية.

لا يختلف عاقلان في أن الوحدة الإسلامية الواقعية، حاجةٌ ملحة وضرورة مصيرية، تضمن التعايش الحقيقي بين المكونات المذهبية الإسلامية والقومية والمجتمعية في البلد الواحد، وبين أتباع المذاهب الإسلامية في كل العالم، وخاصة في العالم الإسلامي، كما تضمن الاستقرار المجتمعي، والنمو المستدام على كل الصعد. إلّا أن مفهوم الوحدة الإسلامية الذي يكرس قاعدة الوحدة الوطنية في الوقت نفسه، يبدو وكأنه مفهوم طوباوي فضفاض لا قيمة عملية له، وذلك بسبب تعارض الأهداف والسلوكيات المجتمعية الطائفية للمكونات المذهبية والقومية في البلد الواحد من جهة، وعقيدة الدولة الطائفية أو الشمولية، وسياساتها في تهميش بعض المكونات، والتمييز بين المواطنين على أساس المذهب والقومية من جهة أُخرى؛ فيكون هناك مواطن من الدرجة الأولى، ومواطنون من الدرجات الثانية والثالثة.

ولا تقتصر هذه التعارضات على الأهداف والسلوكيات السياسية الطبيعية الموجودة في كل دول العالم المتحضرة، التي تعتمد معايير المساواة في الحقوق والحريات بين مواطنيها، أو الخلافات المقبولة بين المكونات، بل تتعداها الى مظاهر كسر الإرادات والاحتراب، ومخططات تخريب الدولة والوطن والانفصال عنه، ومحاصرة بعض المكونات عقدياً ومذهبياً ومعيشياً، والتضحية بأبنائه في الحروب الداخلية والخارجية، والضغوط عليهم من أجل التنازل عن الهوية الخاصة، تحت شعار الوحدة الوطنية والتضحية من أجل الوطن، وهي في حقيقتها تضحية من أجل أن يبقى الدكتاتور الحاكم أو الحزب الحاكم أو الأسرة الحاكمة تعض على السلطة بقوة.

ومن خلال كل الأرقام والشواهد التاريخية والواقعية التي سقناها في فصول هذا الكتاب؛ نريد القول – كما أسلفنا في المدخل – بأنّ مفهوم الوحدة الإسلامية الواقعي ليس مفهوماً عاطفياً تعبوياً سطحياً، أو شعاراً انفعالياً يصلح للتظاهرات والمهرجانات الحماسية والمؤتمرات النخبوية. صحيح أن الخطاب التحريضي على الوحدة والضخ الإعلامي والعاطفي والنفسي، لا يخلو من فائدة، بل ويثمر إذا كان في موقع الدعم للاتجاه الواقعي والعقلاني للوحدة، لكنه يبقى ذا مفعول مؤقت وتأثير سطحي عابر، ولا يستطيع بمفرده التعامل بواقعية مع عمق موضوع الوحدة، بمعزل عن الأدوات والوسائل الأُخر، وسيكون مآل المشاريع غير المدروسة التي تعتمد في بناها على الجانب العاطفي والإعلامي والانفعالي؛ الإخفاق لا ريب، وهذا الإخفاق يؤدي ــ عادة ــ إلى نتائج سلبية، قد تنعكس على المشروعات الواقعية، فتعرقل نموها أو نجاحها في تحقيق ما تصبو إليه.

إنّ مفهوم الوحدة الإسلامية مفهوم عميق عمق خلاف القرون الأربعة عشر المتجذّر بين مذاهب المسلمين، وعمق حراك المنظومة الطائفية في واقعهم، وعمق التغلغل الاستكباري داخلهم؛ فليس من الممكن والمعقول المطالبة بمحو آثار ومخلفات قضية متشعبة متشابكة عميقة، خلال سنوات معدودات، أو عبر مؤتمرات ومهرجات وبيانات وقرارات، لأن الاختلاف المذهبي والطائفي بين المسلمين تبلور واتخذت شكلها النهائي خلال ما يقرب من 1400 عام، ما يعني أن الوحدة الإسلامية الواقعية هي في مجموعة معقدة من النظريات والمخططات والأدوات والوسائل، وهي بمجملها إفراز لإرادة أتباع المذاهب ونخبهم وأنظمتهم، على أساس مشتركات واقعية ومصالح مشتركة دقيقة وواضحة، كما ينبغي أن التفكير والتخطيط والتنفيذ في هذا المجال تفكيراً علمياً وموضوعياً وواقعياً، ويعتمد الدراسات المعمقة، التي تتضمن أسباب نشأة الفتنة الطائفية وعواملها وظروفها، وأطراف المنظومة الطائفية ومموليها، وخاصة في المنظومة المعاصرة والقائمة، بكل وضوح وتجرّد، ودون انغلاق أو تعصب أو أحكام سابقة.

ومن الضروري أيضاً وضع حدين أعلى وأدنى لتفكيك الفتنة الطائفية وجزء مهم من أزماتها ومن أدوات المنظومة الطائفية، كي لا يصاب العاملون في هذا المجال بالخيبة والإحباط واليأس في مواجهة الواقع، كما حدث خلال ثمانينات القرن الماضي والعقدين الأول والثاني من القرن الحالي؛ فإذا ما تم الإخفاق في الوصول إلى الحد الأعلى – أو المثالي – لأي سبب كان؛ فإن الحدود الدنيا لا بد أن توضع في نظر الاعتبار، وفق قاعدة «ما لا يدرك كله لا يترك جلّه».

وهناك اتجاهان انفعاليان غير واقعيين في نظرتهما الى مفهوم الوحدة الإسلامية والحاجة إليها، أحدهما يرى أن الخلافات العقدية والمذهبية والتاريخية والطائفية السياسية بين الشيعة والسنة هي خلافات شكلية، وليست اختلافات أساسية ومهمة، ويبني على هذه المقدمة دعوته الانفعالية العاطفية إلى الوحدة الوطنية بين المكونات المختلفة مذهبياً، والوحدة الإسلامية بين عموم المسلمين، وهناك اتجاه يرى أن الاختلافات العقدية والفقهية والتاريخية والطائفية السياسية بين الشيعة والسنة هي اختلافات جوهرية عميقة لا يمكن التقريب بينها أو التقريب بين معتنقيها وتوحيدهم، وأن الافتراق بينهم نهائي، وأن الصراع مستمر حتى ينهار أحد طرفي الصراع الشيعي – السني. وتتبنى هذه الرؤية تيارات تنتمي الى المدرستين السنية والشيعية وهي تيارات متطرفة تعارض أي تقارب بين المدرستين، ولا تراه واقعياً أو ممكناً، ويبذل بعضها كل ما بوسعه لتغذية الفتن الطائفية واختلاق فتن جديدة، وكلاهما يشكل منظومة طائفية مستقلة.

أما الرؤية الوسطية المعتدلة؛ فهي التي تدعو إلى الوحدة الإسلامية التي تنسجم وحركة الواقع، وتعمل من أجل تحقيقها، وهو الخيار الذي يفرضه الإسلام، دين التوحيد والوحدة، الذي جاء للبشرية كافة، ليوحدها تحت لواء التوحيد، كما تفرضه جميع الضرورات الواقعية.

وحول شكل العلاقة التي ينبغي أن تكون بين المذاهب الإسلامية وطوائفها، تتعدد رؤى النخب المسلمة، تبعاً للمنطلق الفكري والعقدي والايديولوجي لأصحاب كل رؤية، وربما يمكن تلخيصها في الرؤى الخمس التالية:

  • إلغاء جميع الفرق والمذاهب الإسلامية والعودة الى أصول الإسلام، أي إسلام ما قبل نشوء الفرق والمذاهب، ما يعني إلغاء أربعة عشر قرناً من المسارات التاريخية السياسية والطائفية، والمدونات التفسيرية والحديثية، والآراء العقدية والاجتهادات الفقهية، والعودة الى القرآن مباشرة والسنة الشريفة.
  • دمج جميع الفرق والمذاهب الإسلامية في فرقة واحدة ومذهب واحد، أو أصول وفروع واحدة وشريعة واحدة، ويكون ذلك عبر تشكيل هيئة من كبار علماء الدين، من كل الفرق والمذاهب، تقوم بالأخذ من كل فرقة ومذهب ما يتم الاتفاق عليه من أحاديث وروايات وآراء تفسيرية وكلامية وفقهية ومناهج اجتهادية.
  • إلغاء بعض الفرق والمذاهب والبقاء على مدرسة كلامية ومذهبية واحدة، ودخول أتباع الفرق والمذاهب الملغاة الى المدرسة الكلامية والمذهبية المتبقية الواحدة، سواء بالإقناع أو بالقوة، على غرار ما تعتقد به الفرقة التيمية الوهابية.
  • الإبقاء على جميع الفرق والمذاهب الإسلامية كما هي، ولكن يتم حصر تداول الخلافات فيها على علماء الدين والمتخصصين، وداخل المؤسسات العلمية الدينية، وعدم تدخل الدول والمجتمعات فيها، بمعنى ابتعاد الدساتير والقوانين والأنظمة السياسية والتعليم والمجتمعات عن الجانب الديني المذهبي.
  • الإبقاء على جميع الفرق والمذاهب الإسلامية كما هي، واستناد التشريعات والمجتمعات المتدينة الى آرائها واجتهاداتها، ولكن يتم خلق مفاهيم واقعية جديدة لتحصين الدول والمجتمعات من أية صراعات وخلافات طائفية، تحت عنوان التعايش المجتمعي والوطني والإسلامي، على غرار تعايش المجتمعات التعددية الناجحة في البلد الواحد، فضلاً عن التحالفات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية بين البلدان الإسلامية، على غرار الإتحاد الأوروبي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment