نقطة التلاقي بين النظامين الثيوقراطي والإسلامي

Last Updated: 2024/04/26By

نقطة الاشتراك بين النظامين الثيوقراطي والإسلامي

د. علي المؤمن

النظرية الأولى من النظريات الثيوقراطية، والتي تجعل للحاكم طبيعة إلهية، هي نظرية مرفوضة إسلامياً، ولا يربط بينها وبين النظرية السياسية الإسلامية أي رابط. أما الخيط الرفيع الوحيد الذي تشترك فيه النظريتان الثانية والثالثة، أي الحق الإلهي المباشر والحق الإلهي غير المباشر، مع النظرية السياسية الإسلامية، فهو موضوع مصدر السيادة في النظام الإسلامي. ففكرة الحق الإلهي الثيوقراطي تقول بأن السيادة للَّه تعالى وهو مصدرها، وهي مقولة عامة تشترك فيها نظرياً مع النظام الإسلامي، كما يشتركان في الانتساب لذلك المصدر. ولكنهما يختلفان في فهم ماهية السيادة وتفسيرها، ويختلفان في حقيقة الانتساب إليها، وفي طبيعة المصاديق الأرضية التي تنطبق عليها مواصفات الانتساب إليها، أي أصحاب الحق في ذلك، وما ينتج من ذلك من ممارسات وسلوكيات.

وقد دفع ذلك الخيط بعض علماء المسلمين إلى القول بأن النظام الإسلامي في جانب السيادة ومصدرها هو نظام ثيوقراطي. ولعل أول من قال بذلك هو الشيخ أبو الأعلى المودودي، الذي أكد على أن مصطلح الحكومة الثيوقراطية هو التعبير الصحيح عن النظام الإسلامي، فهو يعتقد بأن الحكومتين تنتسبان إلى الله. إلا أن المودودي قال ذلك في معرض رفضه لأن تكون الحكومة الإسلامية حكومة ديمقراطية، فاضطر للبحث عن بديل يصف به النظام الإسلامي، وهو يقصد بذلك تحديد رأي الإسلام في موضوع السيادة والحاكمية في النظام الإسلامي، أي إنه يحصر التشابه بين النظامين في هذا الموضوع فقط بما يترتب عليه من حصر التشريع بالله تعالى، وعلى هذا الأساس لا يبقى أي مسوغ لوصف النظام الإسلامي بأنه نظام ثيوقراطي، ما دام الذي يربطهما خيط رفيع فقط، مقابل الكمّ الهائل من الخيوط التي تفصل بينهما. وهو الأمر الذي تداركه الشيخ المودودي نفسه، حين فرّق بين الثيوقراطية التي كانت حاكمة في أوروبا وبين الثيوقراطية الإسلامية، فقال إن الثيوقراطية هي «في أوروبا طبقة من السدنة مخصوصة، ويشرّعون قانوناً من عند أنفسهم، حسبما شاءت أهواؤهم وأغراضهم، ويسلطون ألوهيتهم على أهل البلاد متسترين وراء القانون الإلهي».

في حين أن بينما الدولة في الإسلام «لا تستبد بأمرها طبقة من السدنة أو المشايخ؛ بل هي التي تكون في أيدي المسلمين عامة، وهم الذين يتولون أمرها والقيام بشؤونها، وفق ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله». ويعد المودودي هذا الدور الذي يعطيه الإسلام للأمة قريباً من الديمقراطية، على ألّا تقوم الأمة بممارسة معينة وتسن قانوناً يخالفان شريعة الله، وهذا يجعل من الحكم الإسلامي ثيوقراطياً. هذه الثنائية اضطرت المودودي لأن يطلق على الحكومة الإسلامية مصطلح «الثيوقراطية الديمقراطية» أو «الحكومة الإلهية الديمقراطية».

وذهب الشيخ حسين علي المنتظري – أيضاً – إلى القول بأن الحكومة الإسلامية في موضوع الحاكمية هي حكومة ثيوقراطية، فأكد على أن الحكومة الإسلامية في مجالات التشريع والتنفيذ والقضاء يجب أن تلتزم بقوانين الإسلام وموازينه، «وليس لها أن تختلف عما حكم به الإسلام قيد شعرة، فالحكومة مشروطة مقيدة، والحاكم في الحقيقة هو الله (تعالى) والدين الإسلامي بمقرراته الجامعة. ولذا يعبّر عنها بالحكومة الثيوقراطية في قبال الحكومة الديمقراطية، ولكنه يفرّق أيضاً بين الثيوقراطية حكومة القانون الإلهي، وبين حكومة رجال الدين التي هي حكومة استبدادية على نحو ما كان لرجال الكنيسة والبابا في القرون الوسطى.

والحقيقة أن هذا الخيط الرفيع لا يعد مشتركاً إلا في المفهوم العام، فهو يشكّل شبهة لقاء بين النظامين وليس لقاءً حقيقياً، لأن الانتساب إلى الحق الإلهي اصطنعته الثيوقراطية الأوروبية، لتعبّر عن حاجة سلطوية أرضية، تسوغ فيها تشريعاتها وممارساتها، بينما يستمد النظام الإسلامي شرعيته من التزامه بالشريعة الإسلامية عقيدة وفقهاً، أي إن تمسك النظام الإسلامي بأصول الشريعة، وفي مقدمها سيادة الله المطلقة على الكون والتشريع، هي مسؤولية كبرى تفرض عليه الالتزام بكل أوامر الشارع المقدس ونواهيه، وليس لتسويغ ممارساته، فضلاً عن أنها تسلب عنه حق التشريع. وبالتالي فإن الانتساب إلى الحق الإلهي في الثيوقراطية الأوروبية هو انفلات ومصلحة، وفي النظام الإسلامي التزام ومسؤولية، منطلقاً من فلسفة عقائدية، تعطي الحق للمالك الحقيقي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment