نزعات علم اللغة الحديث ومحاولات الأسلمة

Last Updated: 2024/04/26By

نزعات علم اللغة الحديث ومحاولات الأسلمة

د. علي المؤمن

في أعقاب الثورة المنهجية التي أحدثتها نظريات العالم اللغوي السويسري “فرديناند دي سوسير” في علم اللغة، ظهر إلى الوجود ما اصطلح عليه بـ «علم اللغة الحديث».

وبذلك بدأ عهد جديد في دراسة الظواهر اللغوية (اللسانيات ـ (Linguilstics، انتهى فيما بعد إلى تبلور رؤى ونظريات في هذا المجال، لعلّ أهمها «النظرية البنيوية» التي ترجع ـ كما يقول مؤسسوها ـ إلى أفكار دي سوسير نفسه، على الرغم من أنّ الأخير لم يستخدم كلمة «بنية»، بل أطلق كلمة «نسق» أو «نظام» على اللغة، بعد أن فرّق بينها وبين الكلام، ودرس العوامل المتشابكة الداخلة في نشوء هذا النظام، وهي عوامل تشتمل على جميع أنشطة الفرد والمجتمع، كما تدرسها مجمل العلوم الإنسانية. مما جعل أبعاد العلوم اللسانية وآفاقها تتسع اتساعاً كبيراً، لتشتمل في دراستها على كل شيء يرتبط باللغة والإنسان، ولا سيما بعد طرح علماء لغة آخرين لنظرياتها، أمثال: الأمريكي “سابير” صاحب نزعة «المظهر الاجتماعي»، ومواطنه “ليونارد بلومفيلد” صاحب «النزعة التوزيعية»، ثم “تشومسكي”. وجميعهم تأثر بـ “دي سوسير”، الأمر الذي وسّع دائرة التقارب في الآراء والأفكار حول نظريات علم اللغة الحديث.

وقد أصبح بإمكان نظريات علم اللغة تحليل طبيعة حركة الإنسان والمجتمع، ومسارها، والإنسان والعلاقات التي تستبطنها، وذلك من خلال مجموعة من العلوم والمناهج، كعلم دلالات الألفاظ (Semiology) وعلم المصطلحات (Terminology) وعلم الظواهر (Phenomenology).

هذا التضارب في النزعات اللغوية التي تضخّمت في حجمها وتأثيرها، وتحوّلها إلى تيارات علمية وفكرية لها علاقة بالإنسان ونزعاته الاجتماعية، ومن ثمّ امتدادها إلى عالمنا الإسلامي، وظهور تأثيراتها في الأوساط العلمية والفكرية والثقافية، ولا سيما التأثيرات المؤدلجة، كل ذلك يستدعي إيجاد نظرية إسلامية لغوية، تطرح فهماً إسلامياً للنظام اللغوي بصورته الشمولية.

ومما يلفت النظر أن الأوساط الإسلامية العلمية لا تزال تعاني من فراغ في هذا المجال، شأنه شأن أكثر مجالات الانثروبولوجيا الأخرى، التي يكاد يعجز الإسلاميون حيالها ـ عموماً ـ عن «التأسيس»، بل يفضّل معظم «الأسلمة»، رغم غنى الأصول الإسلامية والتراث الإسلامي في هذا المجال، ورغم ما تشكِّله علوم الانثروبولوجيا الوافدة من خطورة على العقل المسلم، لما تحتويه من تنظيرات ونزعات تنطلق من وعي الغرب بنفسه وبالآخر.  وهي بالتالي ذات طابع ايديولوجي، يشكِّل جزءاً من الغزو الفكري والثقافي، بل والعلمي؛ إن صح التعبير.

إنّ التأسيس لمنظور إسلامي في علم اللغة إلى جانب النزعات والنظريات والمناهج اللغوية السائدة عالمياً، لا يزال بحاجة الى جهد علمي جماعي تخصصي معمق، يتجاوز الجهود الفردية، ويمكن أن تمر عبر المقارنة بين لغتي القرآن وعلم اللغة الحديث، وبين لغة الشعر والنظريات اللغوية الحديثة.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment