نتاج مناهج التجديد غير التأصيلي للإسلام

Last Updated: 2024/04/26By

نتاج مناهج التجديد غير التأصيلي للإسلام

د. علي المؤمن

إن المعايير التي تجعل موضوع التجديد الفكري الإسلامي خطيراً وحساساً، ويحتاج الى اختصاصات دقيقة للنهوض به. أما استسهال مقولة التجديد فإنها تؤدي الى مقولات منفلتة خطيرة، وقد بيّنا أن محاولات التجديد أفرزت تيّارات تحريفية تعمل في هذا الاتجاه أو تدعيه، وتنسجم مزاعمها مع المقدمات التي تطرحها، والمباني التي تؤسس عليها نظريتها ونتاجاتها.

وقد أدى الاختلاف في المباني والمقدمات إلى امتداد الاختلاف والتباين إلى النتائج؛ فتيارات التجديد (التقليدي) يستخدم ذات المناهج والأساليب الموروثة التي درج عليها السابقون، ويقيسها على الحاجات الجديدة. في حين لا تستخدم تيارات التجديد (الحداثوية) المناهج والأساليب الموروثة، ولا المناهج المستنبطة من الأصول المقدسة، وإنما المناهج الغربية الوافدة، أو بكلمة أخرى تستعير عقل الآخر، بمناهجه وصياغاته ومصطلحاته، لمعالجة مشاكل فكرية وشرعية إسلامية. وهناك تيار ثالث، ينطلق من معطيات الحاضر، ويستخدم مناهج وآليات مستنبطة من الأصول، وينتهي إلى أحكام لصيقة بالشريعة والواقع.

وتخوِّل كثير من الشخصيات والجماعات نفسها صياغة أنواع من الفكر، تطلق عليه فكراً إسلامياً أو تجديدياً، في حين أنها لا تمتلك أدنى درجات الاختصاص، وهذه هي الخطوة الأولى باتجاه الانحراف. ويتمثل الاختصاص بامتلاك أدوات المعرفة الإسلامية، والقدرة الكاملة على الوصول إلى عناصرها، بشكل يمكِّن المتخصص من استنباط الرأي الأصيل والفكرة المسندة إلى الأصول. فمثلاً؛ نرى أصحاب اختصاصات أخرى غير الفقه والعقيدة، كأن يكونوا أدباء أو فلاسفة أو علماء اجتماع، ينظّرون للفكر الإسلامي ويستنبطون آراء وأفكار خاصة، يضعونها في خانة الفكر الإسلامي التجديدي والإصلاحي، وينتقدون الموروثات الإسلامية، بل ويخطؤون الفقهاء وعلماء العقيدة.

هناك فرق بین المفکر الإسلامي والمفکر المتخصص في الإسلام أو الباحث في الفکر الإسلامي، وهو الفرق نفسه بين الفقيه الإسلامي والمتخصص في الفقه والأصول؛ فالمتخصص في الفقه والأصول والعلوم الإسلامية هو المجتهد الذي يمتلك القدرة على استنباط الحكم الشرعي الإسلامي من مصادره، ويمكن للملحد والمسيحي والمسلم العلماني الوصول الى هذه الدرجة، ولذلك وضعوا شرط العدالة ليكون المجتهد مجتهداً إسلامياً، ما يعني أن اتباع الفتوى لايكون من أي مجتهد، بل من المجتهد العادل، أي المجتهد الملتزم بالإسلام عقدياً وسلوكياً، وهو ما يُطلق عليه الفقيه الإسلامي.

وهكذا بالنسبة للمفكر الإسلامي؛ فشرطه هو التزامه العقدي والعملي، وأن تكون مصادره إسلامیة في التفكير والنظر والإنتاج، وأن تكون رؤيته الى الحياة ومنطلقات عمله ومنهجه إسلامية.وهذا هو المفكر الذي يمكن اعتماد النظریات والنظم الإسلامیة التي ينتجها، واعتماد جهوده في تفعیل الفكر الإسلامي وتجديده، ودفعه نحو التطبیق. بينما لا نجد هذه الشروط متوافرة في شخصیة المفکر المتخصص في الإسلام أو الباحث في الفکر الاسلامي أو التراث الإسلامي؛ فقد یکون هذا الباحث ملحداً ومارکسیاً أو مستشرقاً أو قومیاً، وقد یکون إسلامیاً في النظرية وليس السلوك، وقد يكون ملتزماً في سلوکه، لكنه ليس إسلامیاً في فکره.

والخطير أن المناهج الغربية أو الناقصة في فهم الإسلام، والتي تدّعي الإصلاح الديني والتجديد؛ تُنتج إسلامات مصلحية ومزاجية ومنفلتة وشخصية لا حدّ لها ولا حصر، لأنها مبنية على رؤى وأفكار وأحكام ومقولات تتعارض مع مقاصد الدين وأهداف الإسلام ومنظومته العقدية والشرعية، بل تتعارض ـ أحياناً ـ مع بديهيات الدين ومظاهر التدين؛ الأمر الذي ينتهي الى ظهور إسلام سلوكي، وإسلام روحي، وإسلام داعشي، وإسلام اشتراكي، وإسلام ليبرالي، وإسلام علماني، وإسلام بدون علماء دين، وإسلام مدني، وإسلام بروتستانتي؛ وصولا الى الإسلام الإلحادي.

نعم؛ هناك من بات يطرح ـ بكل جرأة ـ إسلاماً إلحادياً، وليس علمانياً وحسب. فكما أن بعض المناهج التحريفية ينتج عنها إسلامٌ دموي سلطوي طاغوتي؛ فإن مناهج أخرى منفلتة ينتج عنها إسلام إلحادي. وقد انتهت بعض المحاولات التي أطلقت على نفسها تسميات مختلفة، وتجاوزت مقاييس الأصالة والاستقامة، وهدفت إلى ما أسمته بتجديد الفكر، أو تجديد العقل وإعادة تشكيله وبنائه، أو التغيير الاجتماعي الشامل، أو التحوّل في مسارات المعرفة؛ انتهت إلى مقولات ومصطلحات ونظريات بعيدة بنسب معينة عن مرجعية الفكر الإسلامي، وقريبة بنسب معينة من المرجعيات الحضارية الأخرى، فكانت مضامين هذه النظريات إما متغربة، أو صياغات محلية لنظريات استشراقية، أو مخترعات محلية، أو أفكاراً توفيقية. وهو ما نشاهده اليوم حتى في تيّارات تحمل عناوين إسلامية. ((ودّت طائفة من أهل الكتاب لو يضلّونكم وما يضلّون إلّا أنفسهم وما يشعرون)).

وأصحاب بعض هذه المناهج، حتى الذين يعتبرون أنفسهم إسلاميين، بالمعنى الاصطلاحي، يرتكبون عدة أخطاء منهجية، إذا اعتبروا اتجاهاتهم الفكرية تلك تمثل جزءاً من التجديد في الإسلام. فمن أولى تلك الأخطاء أنهم يحاولون فرض مصطلحات وأفكار تحمل مداليل ومفاهيم خاصة، حدّدها أصحابها الأصليون ومؤسسوها، وهي بصياغاتها التي تعارف عليها المتخصصون لا تعد مفاهيم ونظريات محايدة (مشتركاً عاماً)، أو كما يحاول البعض أن يسميها «آليات المفهوم» أو الاستفادة من آلية النظرية، إذ إن الفصل بين النظرية كمذهب فكري من جهة، وآليات تطبيقها من جهة أخرى، يعني تفتيت مفاهيمها ومسخها. ومن ثم يجدر ألّا تبقى على اسمها نفسه؛ لأن الكثير منها – بالأساس – مذاهب متكاملة وتصورات شاملة للحياة والكون. ومن أمثلة ذلك، استخدام مفاهيم ومصطلحات كالحداثة والعقلانية والليبرالية والديمقراطية والاشتراكية، وتبنّي بعض جوانبها التطبيقية وآلياتها. وكذلك عقد مصالحة أو مزاوجة بين هذه المدارس الفكرية وما يقابلها من مدارس، كالأصالة والمعاصرة، والتراث والحداثة، وحل الإشكاليات العالقة بينها. في حين أنها ثنائيات مستوردة على مستوى المصطلح والمفهوم والإشكالية، ولا يمكن لمقاصدها الأصلية أن تشكّل مشتركاّ عاماّ لاتجاهات الفكر الإنساني أجمع.

ولعل من أخطر التيارات التحريفية التي تشكل خطورة على أصالة الفكر الإسلامي، التيار الذي يدعو إلى دراسة الأصول الإسلامية بمنهج معرفي (غربي)، متجرداً عن أي التزام وضابط آيديولوجي، بدعوى إعادة تشكيل العقل وتجديد الفكر على أسس علمية دون غيرها، أو بكلمة أخرى، نقد النصوص المقدسة نقداً (ابستمولوجيا) معرفياً، تكون نتيجته الاعتداء على أصالة الفكر الإسلامي بهراوة (الابستمولوجيا) الغربية، بذريعة أصالة المعرفة وأصالة العلم وأصالة العقل وتجرده.

وعموم التيّارات التحريفية، وخاصة التي تحمل عناوين إسلامية؛ تهدف إلى تطويع الإسلام لمسايرة الركب الحضاري الغربي، وتقديمه بصورة تلائم شكل الحياة السائدة عالمياً، ليكون مقبولاً في الغرب كدين، كما يزعم أصحاب تلك التيارات، أو تكون بعض نظمه الاجتماعية مقبولة وخاضعة – قسراً – لتطورات العصر، وخاصة النظامين السياسي والاقتصادي والقوانين المدنيّة ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملّتهم)).

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment