نتاج إحساس المجتمع الشيعي بالقهر والاستضعاف

Last Updated: 2024/04/26By

نتاج إحساس المجتمع الشيعي بالقهر والاستضعاف

د. علي المؤمن

لا تقتصر فتاوى تكفير الشيعة ودعوات قتلهم، بوصفهم أشد خطراً من اليهود، وفق العقيدة الوهابية أو السلفية الجهادية، بل تتسع لفقهاء ومشايخ وخطباء من مدارس مذهبية أُخر. وهذه الفتاوى والدعوات والتوصيفات قديمة قِدم مدارس التكفير والقتل في تاريح المسلمين، بدءاً بالخوارج والأمويين، ووصولاً الى مدرسة ابن تيمية، وهي مقترنة بصمت أغلب الفقهاء والمفكرين والمثقفين الإسلاميين السنة، وخاصة حيال الفتاوى المعاصرة والمتجددة، وعدم رفع أصواتهم بالاستنكار الشرعي حيالها، وسماحهم بوقوع الفتنة واستضعاف المسلمين الشيعة واستباحة دمائهم.

ووفق معادلات علم النفس الاجتماعي؛ فإن خطورة إحساس المسلمين الشيعة بالاستضعاف، تكمن في أن الذي يحس بالاستضعاف والقهر الخارجي، بعد أن يصل الى مرحلة الاختناق، ولا يجد من يدفع عنه خطر القتل والتهديد، أو يرد عنه ما يتحمله من شتائم وتهديد وتحريض ومحاصرة وانتهاك للحرمات؛ سينفجر دون شك؛ فعندما تمر دعوات التكفير والتهديد والتحريض ضد الشيعة وانتهاك حرماتهم، دون موقف إدانة شرعي ودون إجراءات حكومية رادعة؛ فإن أصحاب تلك الفتاوى والدعوات والتوصيفات سيصعدون من مواقفهم من جهة، وستزداد حالة الإحساس بالاستضعاف والقهر خطورة، عبر مزيد من الفتاوى والتهديدات، ونفاد صبر الشيعي عندما لا يجد من يحميه من جهة أخرى. ونموذج ذلك ما حصل ضد شيعة العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وإيران وأفغانستان، بعد العام 1979. ما نسمعه ونشاهده كل يوم بعد العام 2003، للدفع بتركيا والسعودية والإمارات ومصر والأردن وإسرائيل وأمريكا لتوحيد الجهود ضد ما يسمونه الهلال الشيعي أو هلال الممانعة.

ومن أجل حماية حماية الأوطان والاستقرار المجتمعي، وتحديداً أوطان الحضور الشيعي؛ من المهم إعادة النظر في قراءة الواقع الجديد الذي خلقه عصر صعود الشيعة، والتحولات في موازين القوة؛ فالإحساس التقليدي لدى التكفيري والطائفي بالقوة والتفوق؛ لم يعد إحساساً واقعياً، إنما هو ــ غالباً ــ وهمٌ كبيرٌ بكل المعايير الواقعية. وكذا الحال ببعض الشيعة الذين يستصحبون الإحساس بالاستضعاف. وبالتالي؛ فإن صبر الشيعي الذي يعي واقعه الجديد، إنما هو صبر الحليم، وليس ضعفاً حقيقياً، وهو ما ينبغي وعيه أيضاً من قبل المؤسسات السياسية والدينية والمجتمعية في بلدان الحضور الشيعي.

ومما لاشك فيه؛ فإن الشيعي حين يعيش في ظل دولة العدالة والمواطنة والإنسان والحريات والتعددية الدينية والمذهبية والفكرية، والبعيدة عن القمع المذهبي والتمييز والتهميش والعزل الطائفي والقومي، ولو بشكل نسبي؛ فإنّ رد الفعل المذكور سيضعف، وسيكون انتماء الشيعي الحقيقي لوطنه، في حين سيبقى انتماؤه لنظامه الاجتماعي الديني العالمي في حدوده المتعارفة والمقبولة من الناحيتين السياسية والقانونية، وهو ما نراه في تجارب الشيعة الناجحة ـ نسبياً ـ في بعض البلدان، وهم يعيشون توازناً بين الانتماء للمذهب ونظامه الاجتماعي والانتماء للوطن وقوانينه، وهو الحال مع العراق (بعد العام 2003) والكويت وعمان والهند وآذربيجان ولبنان، والتي لا يُعدّ فيها التشيع خروجاً على مذهب الدولة. بينما تأخذ حالة التوازن هذه شكلاً مأساوياً ومعقداً في البلدان التي يتعرض فيها الشيعة إلى التهديد المجتمعي والسياسي الطائفي والإرهابي؛ كالعراق (قبل العام 2003) والبحرين والسعودية وسورية واليمن ومصر والمغرب وأفغانستان وباكستان.

وفي ظل تأسيس الدولة القومية والدولة القطرية خلال القرون الأخيرة؛ بدءاً من أوربا، وتحوّل هذا الشكل من الدولة إلى أمرٍ واقع في بلاد المسلمين، فقد بات لزاماً على الشيعة في البلدان التي يتواجدون فيها، مراعاة ضوابط القوانين المحلية والقانون الدولي؛ إذ إنّهم يعيشون في ظل منظومة قانونية وسياسية محلية واقعية، وفي ظل سلطات محلية ضاغطة، لا يمكن تجاوزها أو العبور عليها.

وليس من الواقعية أن يعمل الشيعي على تجاوز انتمائه الوطني، وإلزامات هذا الانتماء سياسياً وقانونياً، وليس من الواقعية أن يتجرد عن الانتماء لنظامه الديني الشيعي العالمي أيضاً، فلا إفراط ولا تفريط حيال الانتماءين. ولا يبدو صعباً التوفيق بين عالمية انتماء الشيعي لمنظومته الدينية الاجتماعية، وبين محلية انتمائه لمنظومته الوطنية القانونية والسياسية، في ظل توافر الظروف الموضوعية المحلية لذلك. كما يمكن حل كل الإشكالات في هذا المجال؛ بما يحفظ للشيعي كل ألوان انتماءاته: للدين والمذهب والمرجعية والولاية والوطن والحزب والقومية والعشيرة والأُسرة؛ فهي انتماءات في طول بعضها عادة؛ بل تكمل بعضها إذا أراد المواطن الشيعي والدولة ذلك؛ فلا تعارض بين كل هذه الانتماءات؛ لأنّها بمجموعها تكرس صفات التدين والالتزام والوطنية في المجتمع الشيعي.

ولا يعني انتماء الشيعي لنظامه الاجتماعي الديني العالمي أنّه شخصية طائفية أو منعزلة عن النظام السياسي لدولته، أو أنّه غير وطني أو غير إنساني؛ بل يعني أنّ الشيعي لصيق بواقعه الذي يفرض عليه انتماءات متنوعة، وأن يكون لكل انتماء دوره في حياة المسلم الشيعي، سواء كان عراقياً أو بحرانياً أو لبنانياً أو إيرانياً أو مصرياً أو هندياً.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment