موقف المرجعية النجفية وحزب الدعوة من رئاسة الحكومة العراقية في العام 2014

Last Updated: 2024/04/26By

موقف المرجعية النجفية وحزب الدعوة من رئاسة الحكومة العراقية في العام 2014

د. علي المؤمن

من أجل فهم جدلية علاقة حزب الدعوة الإسلامية بالمرجعية الدينية، خاصة في مرحلة ما بعد العام 2003، نطرح نموذجاً تطبيقياً لهذه الجدلية؛ يلخص طبيعة التزام حزب الدعوة بتوجيهات المرجعية، وهو يرتبط برؤية المرجعية النجفية العليا لموضوعة رئاسة الحكومة العراقية في العام 2014، التي تمخض عنها ترشيح القيادي في حزب الدعوة – حيدر العبادي – لرئاسة الحكومة، وسحب أمين عام حزب الدعوة نوري المالكي ترشيحه لمصلحة محازبه.

لقد طرحت المرجعية النجفية العليا المتمثلة بالإمام السيستاني مشروعاً عميقاً في نوعه وكبيراً في حجمه خلال العام 2014؛ تلخًص عنوانه بـمفردة ((التغيير))؛ من أجل إخراج العراق من أزماته المتجذرة في أعماق التاريخ العراقي وموروثاته، وجغرافياه، وديمغرافيته، ونظامه القانوني، ونظامه السياسي، واقتصاده، وسياسات الدولة والحكومة والفرقاء في العملية السياسية، والبيئة النفسية الاجتماعية والفردية، وثقافة الدولة والمجتمع.

ولم تكن رؤية الإمام السيستاني تقصر التغيير على تغيير الوجوه الحكومية وحسب؛ فبيانات مكتبه وخطب أئمة الجمعة من وكلائه قبل الانتخابات البرلمانية في العام 2014 وأثناءها وبعدها؛ وصولاً إلى الرسالتين التاريخيتين المتبادلتين بين قيادة حزب الدعوة الإسلامية وشخص الإمام السيستاني؛ تدل على أن مشروع التغيير عند الإمام السيستاني يستوعب كل أزمات العراق وموروثاته.

وتلقف الفرقاء السياسيون مفردة التغيير، وأخذ كل منهم يفسره وفقاً لمصالحه وأهدافه. وكان ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه نوري المالكي؛ يرى أن التغيير الحقيقي الذي يدعو له الإمام السيستاني ليس تغييراً شكلياً؛ بل تغييراً في السياسات والأساليب والمضامين. وعليه؛ رفع شعار ((حكومة الأغلبية)) التي من شأنها توحيد قرار الدولة والحكومة؛ وصولاً إلى القدرة على التغيير الحقيقي.

وأفرزت الانتخابات عن حصول ائتلاف دولة القانون وحلفائه على 103 مقاعد؛ أي ما يعادل ثلثي أصوات الكتلة الناخبة الشيعية في العراق، بينما حصل جميع منافسي المالكي من الجماعات الشيعية على ثلث أصوات الكتلة الناخبة الشيعية. كما حصل نوري المالكي شخصياً على أعلى الأصوات على مستوى العراق. هذه النتائج بينت بما لا يقبل الشك أن الناخب العراقي صوّت لنوري المالكي، وأنه يرغب في تحقيق الاستقرار السياسي عبر وحدة قرار الدولة والحكومة. ولم يحصل المالكي على هذه النتائج بسهولة؛ بل انتزعها من خلال عمق نفوذه الشعبي؛ وهو النفوذ الذي لم يتأثر بالفتاوى التي صدرت ضده، أو الحراك السني والكردي والسعودي والتركي والأمريكي الذي استهدفه بقوة؛ لأسباب يطول شرحها.

وبعد إعلان نتائج الانتخابات؛ جرت الأمور منذ اليوم الأول في مسار الاختلاف على تسمية الكتلة الأكبر؛ فكان ائتلاف دولة القانون يعد نفسه الكتلة الأكبر داخل البرلمان وداخل التحالف الوطني الشيعي الذي يضم ائتلاف دولة القانون وائتلاف المواطن وكتلة الأحرار وكتل صغيرة أخرى؛ بينما كانت أطراف أخرى في التحالف الوطني ترى أن التحالف هو الكتلة الأكبر؛ في حين يشكل ائتلاف دولة القانون وشركاؤه حوالي 64 بالمائة من مقاعد التحالف الوطني؛ أي أن التحالف هو الأكبر بوجود ائتلاف دولة القانون فيه. ولم ينته السجال بين أطراف التحالف؛ في الوقت الذي كانت مواقف أكثر أطراف الكتلتين السنية والكردية تدعمان استبعاد ائتلاف دولة القانون من تسميته الكتلة الأكبر، واستبعاد السيد نوري المالكي من الترشح لرئاسة الوزراء.

والتزمت المرجعية العليا موقف الحياد الإيجابي حيال السجال؛ مع استمرارها في التأكيد على مفهوم التغيير؛ على أمل حسم الموقف من أطراف التحالف الوطني؛ ولاسيما دولة القانون. وظل خطباء الجمعة من وكلاء المرجعية العليا؛ ولاسيما الشيخ عبد المهدي الكربلائي يحثون الفرقاء السياسيين على حسم الموقف والاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة. ولم تتدخل المرجعية في تحديد الآليات والأسماء، وتركت ذلك لأطراف التحالف الشيعي. وعلى الرغم من المداولات المستمرة بين السيد السيستاني وموفدي السيد علي الخامنئي؛ ولاسيما الادميرال علي شمخاني أمين مجلس الأمن الوطني الإيراني والجنرال قاسم سليماني قائد قوات القدس، أو بين السيد الخامنئي وممثل السيد السيستاني في الخارج؛ السيد جواد الشهرستاني؛ لتحديد المسار الذي يؤدي إلى مافيه مصلحة العراق والواقع الشيعي؛ إلّا أن المرجعيتين بقيتا على الحياد في موضوع تحديد اسم رئيس الوزراء. وكان من شأن تدخل أي من المرجعيتين لصالح أي اسم؛ ترشيحه فوراً إلى رئاسة الوزراء؛ بل كان موقف مرجعية السيد علي الخامنئي متعاطفاً مع السيد نوري المالكي؛ ويلقى دعماً من مقربيها؛ ولا سيما الفقيهين العراقيي الأصل السيد محمود الهاشمي والشيخ محمد علي التسخيري؛ فضلاً عن الجنرال قاسم سليماني. ولكن مرجعية السيد الخامنئي لم تحسم الأمر لمصلحة السيد المالكي لثلاثة أسباب؛ الأهم هو: احترام موقف السيد السيستاني وعدم تجاوزه؛ ولا سيما أن هناك تأكيدات مستمرة من السيد الخامنئي على القوى السياسية الشيعية العراقية التي تتبع مرجعيته وقيادته؛ بأن يلتزموا توجيهات السيد السيستاني. وبذلك بقي الإيرانيون ينتظرون موقفاً صريحاً من الإمام السيستاني. والسبب الثاني هو أن مرجعية السيد الخامنئي لم تكن بوارد فرض السيد نوري المالكي على باقي حلفائها الذين يرفضون ترشيحه؛ ولا سيما التيار الصدري والمجلس الأعلى. ولذلك كانت تنتظر ما ستسفر عنه مباحثات أطراف التحالف الشيعي؛ علّها تصل إلى حل فيما بينها. والسبب الثالث هو أن موقف الحكومة الإيرانية برئاسة روحاني كانت مع مجيء رئيس وزراء جديد؛ فكانت القيادة الإيرانية تراعي أيضاً موقف حكومتها.

وبقيت الأمور تراوح مكانها بين الفاعلين الأربعة: مرجعية السيد السيستاني، وقيادة السيد الخامنئي، ودولة القانون وحزب الدعوة، وخصوم المالكي في التحالف الشيعي؛ وتحديداً السيد عمار الحكيم والسيد مقتدى الصدر. وفي الوقت الذي كان السيد السيستاني ينادي الفرقاء بالإسراع في الحسم وتغليب المصلحة العامة وعدم التشبث بالمنصب؛ إلّا أن الفرقاء الخصوم الشيعة كان كل منهم يفسر توجيهات السيد السيستاني وكلمات وكلائه وفقاً لما يراه؛ فكان ائتلاف دولة القانون ولاسيما فريق السيد المالكي يرى بأن السيد السيستاني يقصد بذلك جماعة المجلس الأعلى والتيار الصدري؛ ليتيحوا للمالكي فرصة تشكيل الحكومة الجديدة؛ على اعتبار أنه رئيس الكتلة الغالبة عدداً. أما المجلس والتيار فكانا مقتنعين بأن السيد السيستاني يقصد المالكي تحديداً.

وفي النتيجة؛ جاء الحسم من أغلبية قيادة حزب الدعوة؛ التي أكدت موقفها الشرعي بالالتزام بما يوجه به الإمام السيستاني؛ فبادرت إلى إرسال رسالة خطية إليه في 25 حزيران/ يونيو من العام 2014؛ لمعرفة قراره في موضوع تسمية رئيس الوزراء. ونصت الرسالة على ما يلي:

((بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني – دامت بركاته ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيدنا المفدى:

ونحن نعيش تجسيد أبوتكم الكريمة في هذا الظرف الحساس الذي تمر به أمتنا العزيزة وعراقنا الحبيب والمنطقة بشكل عام؛ نعرب عن تقديرنا لموقفكم الشجاع واحترامنا لدعوتكم المسؤولة وطاعتنا لتوجيهاتكم الحكيمة في مواجهة الإرهاب، ونضع كل إمكاناتنا لإرادتكم بما يخدم الإسلام والعراق.

سيدنا المكرم:

نود أن نطرح أمامكم الأمور التالية:

1 – التزاماً بالتوقيتات الدستورية في ضرورة عقد جلسة مجلس النواب في موعدها وكما هي رؤيتكم دوماً في احترام المؤسسات والدستور والقوانين.

2 – الانفتاح على الكتل السياسية وبدء الحوار معها لتشكيل حكومة وطنية تشترك فيها كل المكونات الرئيسة من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد وتحشيد كل الجهود لبناء العراق ومواجهة المشاكل الأمنية والخدمية والسياسية. وطبقاً لتوجيهاتكم التي تؤكدون عليها دائماً.

3 – إن تسمية رئيس الوزراء من حق الكتلة النيابية الأكبر، ويفترض أن يكون ذلك عبر إعلان التحالف الوطني عن نفسه؛ لأنه يعبر عن المكون الأكبر، ويتم تسمية الشخص عبر آلية يحددها التحالف وعبر الحوارات المستمرة والمكثفة الجارية حالياً من قادة كتله.

4 – اتفقت كتل التحالف الوطني على إعطاء المواقع الأخرى كرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ونوابهما إلى الكتل والمكونات بما ينسجم مع الاستحقاق الانتخابي.

نحن نتطلع إلى توجيهاتكم وإرشاداتكم ونعاهدكم أننا رهن أمركم بكل صدق في كل المسائل المطروحة وفي كل المواقع والمناصب؛ لإدراكنا بعمق نظرتكم ومنطلقين من فهمنا للمسؤولية الشرعية.

حرسكم الله وأدام ظلكم وسدد خطاكم لخدمة الإسلام ومذهب أهل البيت.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قيادة حزب الدعوة الإسلامية

في 26 من شعبان 1435

الموافق 25 من حزيران 2014))

ويتضح من روح الرسالة ومضمونها؛ أن حزب الدعوة لا ينظر إلى توجيهات السيد السيستاني نظرة سياسية إرشادية؛ بل نظرة شرعية؛ فيها درجة الإلزام التي تتجاوز كون الإمام السيستاني مجرد رمزية إرشادية؛ بل كونه المرجع الأعلى المتصدي للشأن العام والمبسوط اليد. ويعي المتخصصون في الفقه السياسي الإسلامي معنى عبارة ((نعاهدكم أننا رهن أمركم بكل صدق في كل المسائل المطروحة ومنطلقين من فهمنا للمسؤولية الشرعية)) التي خاطب فيها حزب الدعوة الإمام السيستاني؛ فهي تمثل بيعة شرعية عامة لا تختص بقضية رئاسة الوزراء وحسب؛ بل بمطلق الشأن العام الذي تتصدى له المرجعية العليا.

وأجاب الإمام السيستاني على رسالة قيادة حزب الدعوة في 10 تموز/ يوليو 2014، وحملت توجيهه باختيار رئيس جديد للوزراء. وأراد السيد السيستاني بتوجيهه هذا؛ إخراج العملية السياسية من الطريق المسدود الذي وصلته، وإنقاذ الدولة العراقية من مأزقها القانوني والسياسي، والتداعيات الخطيرة التي يخلقها انهيار الأمن الوطني والاجتماعي؛ فقد كان مستقبل العراق عامة ومستقبل الشيعة خاصة؛ أمام ناظري الإمام السيستاني حين كتب رسالته التاريخية إلى حزب الدعوة. ونصها:

((بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوة في قيادة حزب الدعوة الإسلامية المحترمون

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد؛ فإنه تعقيباً على ماورد في رسالتكم المؤرخة في 26 شعبان 1935هـ من طلب التوجيه فيما يخص (المواقع والمناصب) أود أن أبلغكم بأنه بالنظر إلى الظروف الحرجة التي يمر بها العراق العزيز وضرورة التعاطي مع أزماته المستعصية برؤية مختلفة عما جرى العمل بها؛ فإنني أرى ضرورة الإسراع في اختيار رئيس جديد للوزراء يحظى بقبول وطني واسع ويتمكن من العمل سوية مع القيادات السياسية لبقية المكونات لإنقاذ البلد من مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية والتقسيم.

سدد الله خطاكم ووفقكم لما يحب ويرضى.

علي الحسيني السيستاني

11 رمضان 1435))

وإذا كانت رسالة قيادة حزب الدعوة إلى الإمام السيستاني لافتة للنظر على المستويين الفقهي والسياسي؛ فإن رسالة الإمام السيستاني الجوابية تعد نصاً تاريخياً على مستوى الفقه السياسي الإسلامي الشيعي. وما يعنينا هنا؛ المضامين السياسية والرمزية والشكلية للرسالة؛ فقد أوضحت الرسالة ما يكنه الإمام السيستاني من تقدير واحترام خاصين لحزب الدعوة؛ حين أجاب باسمه الشخصي وليس باسم مكتبه، وبرسالة خطية بتوقيعه وختمه، وهو تعامل لم يسبق للإمام السيستاني أن خصه بفريق سياسي عراقي أو غير عراقي. ويزيد من خصوصية هذا التعامل هو أن الإمام السيستاني خاطب قيادة حزب الدعوة بـ ((الإخوة)). وهو تعبير ينطوي على مضامين شكلية عميقة. والأهم من ذلك، أن الإمام السيستاني أبقى استحقاق رئاسة الوزراء في داخل حزب الدعوة؛ وهو مؤشر فقهي آخر على احترام المرجعية الدينية لخيار الأمة.

وبمجرد وصولها؛ أحدثت الرسالة حراكاً كبيراً في أوساط قيادة الدعوة ومجلس شورى الحزب؛ وهو حراك فقهي وسياسي ربما يحصل لأول مرة في تاريخ حزب الدعوة؛ فقد أدى إلى وصول قيادته إلى حالة من الطاعة لتوجيه المرجعية العليا؛ ربما أفضت إلى التخلي عن الأمين العام للحزب؛ أي زعيمه السياسي الذي أوصل الحزب إلى القوة التي هو عليها؛ فيما لو تمسك إلى النهاية بحقه في الترشيح لرئاسة الوزراء؛ بالنظر لوجود توجيه في الرسالة ينص على ((اختيار رئيس وزراء جديد)).

وكانت مداولات اجتماع مجلس شورى الحزب في 8 آب/أغسطس 2014؛ أي قبل انتهاء المهلة الدستورية بيومين؛ تعبيراً عن استذكار قيادة «الدعوة» وكوادرها المتقدمة لأهداف الحزب وغاياته الدينية وعلاقته الشرعية بالمرجعية وجمهور المتدينين. وبالفعل؛ قررت قيادة «الدعوة» الالتزام بتوجيه المرجعية العليا المتصدية المبسوطة اليد؛ على الرغم مما قد يتسبب ذلك من تصدعات في الحزب، واختارت القيادي في حزب الدعوة حيدر العبادي مرشحاً بديلاً عن نوري المالكي؛ في الليلة التي سبقت انتهاء المهلة الدستورية؛ وهو ما كان يؤكده السيد السيستاني. وتم إبلاغ نواب البرلمان من أعضاء حزب الدعوة بقرار القيادة في الطاعة لتوجيه السيد السيستاني، والتوقيع على تقديم السيد العبادي مرشحاً بديلاً. أما الأعضاء الذين أصروا على الإبقاء على ترشيح السيد نوري المالكي؛ فقد كان لهم تفسير آخر لمضمون رسالة السيد السيستاني؛ وهو تفسير له بعده الفقهي أيضا؛ على اعتبار أن التوجيه كان رأياً إرشادياً سياسياً وليس فتوى شرعية. وهو ما كان يطرحه المالكي وقياديين وكوادر آخرين في اجتماعات القيادة والشورى وغيرها. وهو ما يفسر إصرار المالكي على حقه في الترشح؛ حتى بعد ترشيح العبادي.

وبعد يومين على ترشيح العبادي؛ توصّل نوري المالكي إلى القناعة بالتنازل؛ بعد أن استمع إلى رسالة التهنئة التي أرسلها السيد الخامنئي ليلاً بمناسبة ترشيح العبادي؛ فعرف بأن الأمر قد قضي؛ فجمع قيادات الحزب وحلفائه في اجتماع تاريخي؛ معلناً تنازله عن الترشيح لصالح «داعية» قيادي آخر. وبذلك أسقط المالكي في يد خصوم «الدعوة» ما ينتظرونه من حصول التباس فكري وسياسي جديد في العلاقة بين حزب الدعوة والمرجعية الدينية العليا، وحال دون تمزق حزب الدعوة وتشقق ائتلاف دولة القانون وانهيار التحالف الوطني الشيعي وانهيار العملية السياسية برمتها؛ بل منع حدوث حرب أهلية شيعية. وربما هو الإنجاز التاريخي الأهم لنوري المالكي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment