موضوع التقنين الدستوري الإسلامي

Last Updated: 2024/04/26By

موضوع التقنين الدستوري الإسلامي

د. علي المؤمن

يرتبط موضوع المقال ارتباطاً عضوياً بمقولتين أساسيتين للتصور الكوني الإسلامي، تدور الأُولى حول قابلية الإسلام على استيعاب متغيرات الزمان والمكان، وقدرة أُصوله ومصادره وتشريعاته على الاستمرار في الإمساك بحركة المجتمع المسلم وقيادته؛ ليظل منسجماً مع العصر ومتطلباته. وتدور الثانية حول قدرة الإسلام على الإحاطة بجميع جوانب الحياة، وتنظيم علاقات الإنسان بكل عناوينها؛ كعلاقته بربه وبنفسه وبالإنسان الآخر (فرداً أو أُسرة أو مجتمعاً) وبالمخلوقات والطبيعة، وهو ما ينتظم في أحكام وتشريعات وقوانين مترابطة، لا تقتصر على المجالات الأخلاقية والعبادية (بالمعنى الخاص للعبادة)، بل تشتمل أيضاً على مجالات السياسة والإدارة والاقتصاد والمال والأحوال الشخصية وغيرها. وهذا البعد الشمولي للإسلام لا يعني أنّه نظام شمولي (توتاليتاري= Totalitarism) بالمفهوم الوضعي، بل بمعنى استيعابه لكل الموضوعات.

ولسنا هنا بصدد دراسة هاتين المقولتين والبرهان عليهما نفياً أو إثباتاً، لكننا نذكرهما كمدخلين فرضيّين مهمين، تنبع أهميتهما من أنّ الفقه السياسي الإسلامي يرتكز إليهما للدلالة على مشروعيته العقدية، وأنه مكوِّن أساس في التصور الكوني الإسلامي.

ولحصر الدلالات الموضوعية لعنوان المقال، نتوقف عند المفردات التي احتوته:

1- التقنين:

مصطلح يرادف التشريع (Legislation)، لغوياً واصطلاحياً، وله ثلاثة معاني: الأول: بمعنى وضع القانون (Lawmaking)، والثاني: بمعنى القانون أو المادة القانونية (Law-Statute) والثالث: بمعنى مجموعة القوانين (code-corpus) التي يجمعها موضوع واحد. والذي نقصده في العنوان هو المعنى الأول، أي وضع القانون (استنباطاً وصياغة وإصداراً). وتأتي وثيقـة الدستـور (Constitution) في مقدمة القوانين باعتبارها القانون الأساسي للدولة، والذي تضعه – غالباً – سلطة خاصة؛ يصطلـح عليهــا السلطة التأسيسيـة (Constituent assembly)؛ بغض النظر عن مسمياتها المختلفة من بلد لآخر. ويلي الدستور من حيث الأهمية والتراتبية القانون العادي الذي تضعه – عادة – السلطة التشريعية، ثم القانون الفرعي الذي يحدد الدستور والقانون العادي صلاحيات من يضعه من سلطات الدولة ومؤسساتها.

    2-الدستور (Constitution):

الدستور كوثيقة مدوّنة، هو أسمى القوانين، باعتباره القانون الأساسي أو القانون الأول، ويتألف من مجموعة المواد القانونية التي تعبِّر عن طبيعة الحياة السياسية في الدولة وشكل نظامها السياسي وأهدافه، وسلطات الدولة ومؤسساتها الدستورية ووظائفها وعلاقاتها ببعضها وبالشعب أفراداً وجماعات ومجتمعاً، وحقوق وواجبات ومساحات حركة كل مكوِّن من مكونات الدولة والحكومة والمجتمع. وبالتالي فالدستور هو مصدر شرعية السلطات والحاكمين، والضمانة العليا لحقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم ووحدتهم وديمومة حركتهم باتجاه أهدافهم وطموحاتهم؛ لأنّه المعبِّر عن الإرادة الجماعية.

وتقف وثيقـة الدستـور على رأس قوانين الدولة، باعتبارها القانون الأساسي للدولة، والذي تضعه ـ غالباً ـ سلطة خاصة، يصطلح عليها السلطة التأسيسية (Constituent assembly)، بغض النظر عن مسمياتها المختلفة من بلد لآخر. ويلي الدستور من حيث الأهمية والتراتبية القانون العادي الذي تضعه ـ عادة ـ السلطة التشريعية، ثم القانون الفرعي الذي يحدد الدستور والقانون العادي صلاحيات من يضعه من سلطات الدولة ومؤسساتها.

    3-القانون الدستوري (Constitutional law):

هو مجموعة القواعد القانونية التي تقع في قمة هرم النظام القانوني للدولة (Legislational system of state)؛ أي أنّها قاعدة تنظيم الدولة، وتوضع مواد الدستور على أساسها. وتوضح هذه القواعد أساليب التقنين الدستوري ومصادره وضوابطه، والرقابة على دستورية القوانين، وضمانات حقوق الأفراد وحرياتهم، وطبيعة عمل السلطات وعلاقاتها ببعضها. ووظيفة القانون الدستوري مرادفة لوظيفة الدستور، على اعتبار أنّ الدستور هو مجموعة المواد التي تترشح عن قواعد القانون الدستوري.

    4- قيد (الإسلامي) المضاف إلى القانون الدستوري:

يوضح هذا القيد الهوية العقدية والفقهية للقانون الدستوري، وأنه قانون دستوري مقيد بأحكام الشريعة الإسلامية، والفقه السياسي الشرعي تحديداً، وليس قانوناً دستورياً وضعياً. ويمكن القول إنّ موضوع القانون الدستوري الوضعي يتماثل مع موضوع الفقه السياسي الإسلامي من ناحية الوظيفة التشريعية والتنظيمية، ولا يتطابق؛ إذ إنّ الفقه الدستوري (الوضعي) هو الأكثر تماثلاً وتقارباً مع الفقه السياسي الإسلامي. وتشغل أحكام الفقه السياسي الإسلامي الموقع نفسه الذي تشغله قواعد القانون الدستوري في عملية تنظيم الدولة وسلطاتها، وتحديد وظائفها وأهدافها، وحقوق وواجبات كل من الحاكمين والمحكومين. ولا يتماثل القانون الدستوري مع مطلق الفقه الإسلامي أو مطلق الشريعة؛ لأنّ الفقه الإسلامي أو الشريعة تعالج مختلف أبواب الحياة والنشاط البشري (التشريعات العبادية والمدنية والمالية وغيرها)، وينتج عن تقنينهما تشريعات تستوعب جميع النظام القانوني للدولة، وهو ما تختص به ـ غالباً ـ السلطة التشريعية في الدولة، في حين أنّ تقنين الفقه السياسي ينتج عنه دستوراً وقانوناً دستورياً. ويقتصر الدستور على القضايا ذات العلاقة بتنظيم الحياة السياسية وحسب، وإن استند إلى القواعد العقدية والشرعية والفكرية. كما أن وجود مفردة (الدستوري) في العنوان كقيد للتقنين يحدد المرتكز العام للموضوع، والمتمثل في أحكام الفقه السياسي الإسلامي التي تُقَنَّن؛ فتتحول إلى مواد دستورية، وهو ما ينتج عنه ما نطلق عليه: القانون الدستوري الإسلامـي (Islamic Constitutional law).

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment