من أجل إنصاف المكون الفيلي العراقي

Last Updated: 2024/04/26By

من أجل إنصاف المكون الفيلي العراقي

د. علي المؤمن

يعود وجود المكون الفيلي في العراق الى أكثر من خمسة آلاف سنة، وخاصة في منطقة شرق دجلة، التي تشمل محافظات ميسان وواسط وديالى الحالية، حيث الأكثرية اللرية العيلامية والكاسية والآرية قبل الفتح الإسلامي، إضافة الى وجودهم الكثيف في الضفة المقابلة، وخاصة في محافظات خوزستان ولرستان وفارس وإيلام وكرمنشاه الإيرانية. وتثبت الأدلة العلمية التي تثبت أن الفيليين مكون مؤسس للعراق التاريخي والحديث، كما هم مكون مؤسس لإيران التاريخية والحديثة، لأنهم ينتمون الى قومية كبيرة عابرة للحدود الوطنية الحالية، شأنهم شأن العرب والكرد والتركمان.

وحين لم يكن هناك وجود للحدود الحالية؛ فإن حدود انتشار القومية اللرية العيلامية التي ينتمي اليها الفيليون، كانت تشمل أغلب محافظات شرق العراق وأغلب محافظات غرب إيران، كما أشرنا، أي أنهم ليسوا مهاجرين من إيران الى العراق أو من العراق الى ايران، بل هم أصحاب الأرض منذ آلاف السنين، إذ أن العرقية العيلامية التي ينتمي اليها الفيليون ظهرت في ما يعرف حالياً “خوزستان” منذ حوالي عشرة آلاف سنة، وتحولت الى مدنية ودولة وحضارة قبل سبعة آلاف سنة، وكانت عاصمتها شوش (سوس) إحدى الحواضر المتفردة، شأنها شان حضارة وادي الرافدين، وذلك قبل الهجرات الآرية من آسيا الوسطى الى ما يعرف اليوم “ايران” بأكثر من ثلاثة آلاف سنة، أي أن وجود العيلاميين في خوزستان وشرق دجلة يسبق وجود الفرس والعرب بآلاف السنين.

ولا شك أن هناك عدد من الإشكاليات حول علاقة القومية اللرية ومكوناتها الفيلية والبختيارية والكلهورية والبويرية واللكية، بالعرقية العيلامية والقومية الكاسية والقومية الكردية الميدية والقومية العربية السامية والقومية الفارسية الآرية، والاستحالات الثقافية واللغوية التي تعرضوا لها على مدى آلاف السنين، بسبب التجاور والتصاهر والاحتكاكات والاحتلالات، وما جرى على الفيليين من مآسي وظلم منذ مئات السنين بسبب محاولات الاستحالة القسرية، وخاصة في عهد الدولة البعثية الطائفية العنصرية، بذريعة أصولهم الإيرانية، حيث اضطر مئات آلاف الفيليين الى الانتساب الى القبائل العربية والكردية، للتخلص من القمع والتسفير، وهو ما سبق أن فعله أجدادهم الذين استعربوا أو تكردوا أو تفرسوا، وخاصة في القرون التي أعقبت الفتح الإسلامي لبلاد ما بين النهرين وبلاد فارس، في حين أن استقرار الوجود الفيلي اللري العيلامي في العراق (شرق دجلة تحديداً) هو أقدم تاريخاً من وجود الصابئة والنبط الآراميين والعرب الساميين والكرد الميديين والكاسيين، ويُزامن وجود السومريين والبابليين والآشوريين، ولعل أهم سبب لهذا القمع المركب (القومي/ الطائفي) من الدولة البعثية هو انتمائهم المذهبي الشيعي، وتمسكهم بهذا الانتماء.

وبالتالي؛ فإن اختلاط الأنساب بين اللور وبين القوميات المهاجرة الأخرى، كالفرس والكاسيين (كاشيين) والكرد والآذريين، لا يجعل الفيليين جزءاً من أي من هذه القوميات، إنما الصحيح هو أن اللر قومية مستقلة في عرقيتها، ولا تنتمي الى الآريين ولا الساميين، بل أقدم حضوراً تاريخياً واركولوجياً من كليهما. فقد أسس أجداد الفيليين (العيلاميين) أهم وأكبر حضارة في زمانها، وكانت عاصمتهم سوس (شوش) من أعظم عواصم العالم، وتتشبه بأكد وأوروك وبابل. وقد تزامن توسع امبراطوريتهم العيلامية مع الحضارة السومرية والإمبراطوريات الكاسية والسومرية والآشورية والبابلية، وكان بين هذه الإمبراطوريات صراعات وحروب طويلة. إلّا أن تأسيس الإمبراطورية العيلامية أسبق منها زمنياً جميعاً.

والمكون الفيلي وغيره من مكونات القومية اللرية، تتوزع بين إيران والعراق الحاليين، حالهم حال كل القوميات العابرة للحدود الوطنية الجديدة، وأن المكونات اللرية الأخرى في العراق ليست كلها فيلية أو قبائل تابعة للمكون الفيلي، لكنهم أصبحوا منضوون تحت تسمية الفيليين مجازاً، وإلّا فهناك أعداد كبيرة جداً من البختيارية واللك والكلهور موجودون في العراق، وهم ليسوا فيليين، بل أشقاء الفيليين وأبناء عمومتهم، وتجمعهم القومية اللرية. وأرى أن النسبة المتداولة للمنتسبين للمكون الفيلي لا تتجاوز 2% من عدد سكان العراق، وهي أقل بكثير من نسبتهم الحقيقية الكامنة، والتي لا تقل عن 8- 10% من نفوس العراق، أي 3- 4 ملايين نسمة.

هذا الواقع يحتم على الدولة العراقية وعلى مكونات العراق جميعاً، وعلى الفيليين أنفسهم؛ إنصاف هذا المكون المظلوم، وهي مظلومية مركبة لا يزال يعانيها الفيليون في العراق منذ عشرات السنين؛ فضلاً عن المعاناة القانونية لعشرات الآلاف من الفيليين، رغم التغيير النسبي الذي حصل بعد سقوط النظام البعثي.

ولعل المعالجة تبدأ من تصحيح المسار التاريخي والديمغرافي، وفي المقدمة رفع اسم القومية الكردية العزيزة عن اسم المكون الفيلي العزيز، وإعلان المكون الفيلي قومية قائمة بذاتها، وليست تابعة لقومية أخرى. مع علمي أن كلامي هذا سيغضب الكرد والفرس، وبعض الأخوة الفيليين المنسجمين سياسياً وايديولوجياً مع الأحزاب الكردية.

إما المعالجة الثانية؛ فتتمثل في التئام الفيليين في إطار قومي عراقي اجتماعي واحد، بمن فيهم ملايين الفيليين وأبناء عمومتهم من اللك والبختيارية والكلهورية والبويرية الذين انتسبوا الى العشائر العربية والكردية، هرباً من ظلم الحكومات الطائفية في العصور العثمانية والملكية والجمهورية. وهو ما سيكشف عن الحجم العددي شبه الحقيقي للقومية الفيلي، وما يترتب على ذلك من حقوق على كل المستويات.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment