مظاهر إحياء أمر أل البيت أحد عناصر قوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي

Last Updated: 2024/04/26By

مظاهر إحياء أمر أل البيت أحد عناصر قوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي

علي المؤمن

 

تمثل مظاهر إحياء أمر أل البيت، وخاصة الإمام الحسين، وشعائرها والطقوس المنسوبة إليها؛ أحد أهم عناصر الشد العـقدي والوجداني والنفسي والمجتمعي المحورية للمذهب الشيعي ونظامه الاجتماعي الديني، وهي تلعب أدواراً نوعية ومتعددة في تقوية هذا النظام وتمييز هويته. ولعل المراقد والشعائر هما العنصران الأكثر التصاقاً بالوجدان الشعبي الشيعي، والأكثر إلهاباً لمشاعر الشيعة من بين عناصر قوة نظامهم الاجتماعي الديني الأُخر، ولا فرق في ذلك بين متدين مقلِّد للمراجع وبين غير متدين لا يقلد، أو بين إسلامي متزمت وبين علماني منفلت فكرياً، أو بين مؤمن وبين مقارب للإلحاد.

ومن أهم مخرجات الشعائر الحسينية وطقوسها أنّها تخلق طاقة محركة هائلة من الحماس المجتمعي الشامل لمواجهة أيّ تحدٍّ وتهديد للنظام الاجتماعي الديني الشيعي ومكوناته؛ الأمر الذي حوّلها إلى هاجسٍ وجودي للنظم السياسية الطائفية المتعاقبة، منذ واقعة استشهاد الإمام الحسين وحتى الآن، وظلت تعدّها تهديداً تلقائياً لها. ولذلك؛ عملت هذه الأنظمة بكل ما تمتلك من وسائل قوة قانونية وسياسية وأمنية وعسكرية، من أجل القضاء على هذه الشعائر وطقوسها. ويمكن ملاحظة مسار تعامل نظام البعث العراقي معها طوال 35 عاماً من حكمه([1])، كنموذج؛ للدلالة على طبيعة تعامل خصوم الشيعة مع عنصر القوة هذا.

وعلى العكس من ذلك؛ يمكن ملاحظة تعامل المرجعية الدينية والحوزة العلمية وأنظمة الحكم الشيعي والأحزاب الشيعية، مع الشعائر الحسينية وطقوس العزاء، وهو تعامل ينطوي على أبلغ مضامين التشجيع والدعم. وأهمية الشعائر الحسينية وقوة تأثيرها في الواقع الاجتماعي وكسب الأنصار وخلق الزعامات المحلية والوجاهات الاجتماعية؛ جعلتها عرضة للاختراق والاختلاق، فدخلت عليها بعض الممارسات غير المقبولة عرفاً وشرعاً، سواء على مستوى المظاهر العامة أو الأشعار والمقولات التي يرددها بعض المنشدين (الرواديد) وخطباء المنبر. إلّا أنّ هذه الشوائب والسلبيات ـ بالرغم من خطورة استفحالها واستثمارها من الخصوم ـ لا تقلل إطلاقاً من أهمية عنصـر الشعائر الحسينية وطقوس العزاء.

وبناء على الفرق الجوهري بين المذهب وبين مجتمع المذهب، وفق ما يقرره علم الاجتماع الديني الشيعي؛ فإن هناك فرقاً جوهرياً أيضاً بين الشعائر الدينية للمذهب، وبين طقوس مجتمع المذهب، أي بين الظواهر التي تحظى بأصول تشريعية دينية، وبين الظواهر التي أوجدها المجتمع الديني لإحياء ذكرى دينية أو واقعة تاريخية مصيرية ترتبط بأصول المذهب. بمعنى أن عقيدة المذهب وشعائره – مثلاً – تجسدان جوهر المذهب وبنيته الدينية، كأصول التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، وكذا فروض الصلاة والصوم والحج وغيرها، ولا يجوز نكرانها وتركها؛ لأن ذلك يشكل معصية وإثماُ دينياً؛ بل كفراً أحياناً إذا كان إنكاراً بيّنا، وفيه عقوبة أخروية، وعقوبة دنيوية في حال كانت هناك سلطة لتنفيذ أحكام الشريعة. والشعيرة المنصوص عليها بنص تشريعي صريح، من القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ هي فرض توقيفي تعبدي، كمناسك الحج، وفق الآيات التي نصّت على كونها شعائر الله، وترك هذه الشعائر ذات الأصل التشريعي المنصوص، حرام شرعاً؛ فهي واجبة على جميع المسلمين المكلفين وفق طبيعة تشريع كل شعيرة.

أما الطقوس المجتمعية المتمذهبة فهي تحمل هوية منسوبة الى الدين أو المذهب أيضاً، بصرف النظر عن مستوى قبولها أو عدم قبولها من الشريعة. وتمثل هذه الطقوس هوية المجتمع بالدرجة الأساس، وليست هوية المذهب؛ بينما تمثل الشعائر هوية المذهب وليس المجتمع. والفرق الأساس بينهما هنا يتمثل بوجود النص أو بدرجة الإلزام والقدسية في الإيمان بها وممارستها. أي أن كل ما فيه نص من القرآن والحديث فهو (شعيرة)، وكل سلوك شرعي ينطبق عليه مفهوم الشعيرة فهو (مصداق) للشعيرة، وكل مظهر يبتكره الناس ويرون انه سلوك ينسجم مع الشعيرة أو مصاديقها؛ فهو (طقس).

ويعد إحياء أمر آل البيت، من الشعائر التي تحظى بأصل ديني تشريعي ((أحيوا أمرنا))(1)، بينما تعد مصاديق ومظاهر هذه المصاديق، ومنها إحياء مراسيم أفراحهم ومآتمهم؛ طقوساً اجتماعية غالباً، وقد أسست لها المجتمعات الشيعية في مختلف بلدان العالم، عبر السنين، وفق بيئة كل مجتمع وعاداته وتقاليده، كمظاهر وتجليات ومصاديق لشعيرة الإحياء والتأسي، وإظهار الفرح أو الحزن والجزع على مصائب آل البيت، أي أنها نتاجات إنسانية، وليست شعائر بالمعنى العقدي والفقهي، ويطلق عليها المجتمع (شعائر) مجازاً وتسامحاً، كونها منسوبة الى الشعيرة. وبالتالي؛ فهي بحاجة الى موقف الشرع، إقراراً أو نقضاً بالعنوان الأولي أو العنوان الثانوي أو حكم الحاكم الشرعي، ويكون القيام بها عملاً مستحباً، فيما لو كان هناك دليل شرعي على الاستحباب، أو مباحاً، فيما لو لم تتعارض مع أحكام الشريعة ومقاصدها.

وبما أن الطقوس المنسوبة الى الشعيرة مستحبة، في حال وجود دليل أو رأي فقهي على ذلك؛ فهي ليست واجبة، ولا يترتب على تركها جزاء أخروي أو دنيوي، ولكن قد يكون تركها مكروهاً ــ أحياناً ــ إذا ارتبطت بأصل شرعي واضح، أو حكم بذلك المرجع وفق العنوان الفقهي الثانوي، فيما لو كانت تؤدي الى تقوية المذهب وتحمي دعائمه وتواجه الظالم الطائفي. ولا تسير هذه الأمور بناء على رغبة الفرد الشيعي أو المزاج العام للمجتمع، بل تستند الى فتوى المرجع الديني الذي يمتلك الصلاحية الشرعية في تحديد مصداق الشعيرة من عدمه، وصحة مظهر الشعيرة شرعاً من عدمها، والاهم من ذلك صحة تمظهر المجتمع، وفق المصالح العليا للمذهب، لكيلا يتسبب المظهر في توهين المذهب وتشويه نقائه وصورته، وهي صلاحية حصرية للمرجع الأعلى، بوصفه قائد النظام الاجتماعي الديني الشيعي.

ولا يمكن أن تتحول الطقوس الى شعائر، ولا الطقوس الى شعائر، ولا يمكن إضافة شعائر جديدة الى الدين، وإن أطلق الناس مصطلح شعيرة على بعض المظاهر وتعارفوا عليها، لأن الشعائر مقيدة بضوابط وتعاليم محددة منصوص عليها لا تتوسع ولاتضيق، أي انها توقيفية شكلاً ومضموناً، ويمكن لمصاديقها ومظاهرها أن تتسع وتكبر ويعاد تنظيمها وصياغتها، وتتغير من بلد لآخر. ولذلك؛ لا يمكن اعتبار المشي ومجالس العزاء شعيرة؛ فهما مظهران للحزن على آل البيت، والحزن مصداق لشعيرة إحياء أمر آل البيت.

ويمكن توضيح الفرق بين شعيرة إحياء أمر آل البيت وبين مصاديقا ومظاهرها وفق التراتبية التالية:

  • إحياء أمر آل البيت، كونهم العترة الموصى باتباعها، هي شعيرة لها أصل ديني.
  • مجالس ذكر أهل البيت، حزناً وفرحاً، هي مصاديق لشعيرة إحياء امرهم، لأن الأئمة أنفسهم كانوا يحيون هذه المجالس.
  • إظهار الجزع والمشي والمسيرات والاهازيج والتطبير والزنجيل واللطم والردات والمشاعل والمشق والطبول والابواق والتشبيه والإطعام وغيرها، هي مظاهر للحزن، وليست مصاديق للشعيرة، أي أنها طقوس، والطقوس ليست مصاديق للشعيرة، بل مظاهر اجتماعية للمصاديق. وتعود لطبيعة كل مجتمع وتقاليده

 

([1]) أُنظر: علي المؤمن، «سنوات الجمر: مسيرة الحركة الإسلامية في العراق»، الفصلان الثالث والرابع.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment