مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

Last Updated: 2024/04/26By

مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

د. علي المؤمن

تتنوع مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية تبعاً لخصوصيات الدولة في بعديها الديني والمدني، أو الإسلامي العام والوطني الخاص، وهو ما تقتضيه طبيعتها المركبة، وهو فارق جوهري مع دول العالم الأُخر؛ سواء الدول المدنية المحضة التي تستبعد المصادر الدينية؛ ككل الدول العلمانية، أو الدول الدينية المحضة التي تستبعد المصادر المدنية؛ كالفاتيكان، أو الدول المسلمة المدنية التي تضع معظمها الشريعة الإسلامية باعتبارها أحد مصادر قانونها الدستوري، والإسلام ديناً رسمياً للدولة، وهو وضع شكلي؛ أسميته في دراساتي السابقة بالدول العلمانية المتدينة أو الدول الإسلامية المعلمنة.

أمّا الجمهورية الإسلامية فقد وضع قانونها الدستوري الشريعة الإسلامية مصدراً حاكماً على جميع مصادره المدنية، وهو منهج متداول في تدرج القواعد القانونية؛ ولكن القانون الدستوري الإيراني حين استخدم التدرج؛ وضع وثيقة الدستور في مرتبة ثانية بعد المصادر المقدسة للتشريع، وبذلك يكون القرآن الكريم والسنة الشريفة مصدران حاكمان على وثيقة الدستور.

وتنقسم مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى: مصادر حاكمة، مصادر كاشفة، مصادر تابعة، مصادر رسمية مباشرة، ومصادر تفسيرية غير مباشرة. وإذا كان استخدام هذه المصادر وتدرجها متداولاً ـ غالباً ـ في نظم القانون الدستوري في بلدان العالم؛ فإنّ تجميعها وتنظيمها وتسمياتها هذه هو اجتهاد مهني؛ فلكل فقيه قانوني أُسلوبه في هذا المجال؛ فضلاً عن الاختلاف بين فقهاء الشريعة وفقهاء القانون الدستوري بهذا الشأن. وقد اعتمدنا هنا صيغة توليفية بين مدوّنات عدد من هؤلاء:

1 ـ المصادر الحاكمة:

ويقصد بها المصادر فوق الدستورية، والتي تقع في قمة هرم النظام القانوني الدستوري للدولة، وتشكل المعيار النهائي لحقيقة إسلامية الدولة ونظامها السياسي ومنظومتها القانونية، وتهيمن على جميع ما يليها من مصادر متدرجة.

وقد تناول علماء أُصول الفقه هذين المصدرين وحجيتهما؛ باعتبارهما مصدرين حاكمين على التشريع الإسلامي؛ بمزيد من البحث والتعمق:

أ ـ القرآن الكريم: وهو كتاب الله المنزل على رسوله محمد كما وصل إلينا بين الدفتين.

ب ـ السنة الشريفة: وهي سنة الرسول الخاتم محمد بن عبد الله، وتعني قوله وفعله وتقريره، ومعها سنة أئمة أهل البيت (وفق المذهب الشيعي الاثني عشري)، وهي سنة أصلية كاشفة عن سنة رسول الله. وقد وصلت إلينا السنة الشريفة عبر المدوّنات السننية والحديثية المعروفة، وأشهرها عند الشيعة الاثني عشرية الكتب الأربعة: «الكافي في الأُصول والفروع» للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي (255 ـ 329 ه)، «من لا يحضره الفقيه» للشيخ أبي جعفر محمد بن علي ابن بابويه الصدوق (ت 305 ـ 381 ه)، «الاستبصار فيما اختلف من الأخبار» و«تهذيب الأحكام»، وكلاهما لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 ـ 460ه). وهي تماثل في القيمة العلمية كتب الصحاح في الحديث عند المدرسة السنية؛ إلّا أنّ فقهاء الشيعة الإمامية لا يعدّون كتبهم صحاحاً؛ لما فيها من الحسن والضعيف والموضوع. ويخضع تمحيص السنة لمزيد من العناية لاستخراج الصحيح منها وفق مناهج علوم الحديث والدراية والرجال وغيرها.

2 ـ المصادر الكاشفة:

وهما الإجماع والعقل؛ وفق مدرسة أهل البيت الأُصولية. ويتم اللجوء إليهما في الموضوعات التي لا نصّ فيها من القرآن الكريم والسنة الشريفة، أو التي فيها نصوص ذات دلالات ظنية وليست قطعية؛ بما يتيح استمرار عملية الاجتهاد، واستنباط الأحكام الشرعية الجديدة؛ للاستجابة إلى جميع متطلبات الدولة والحكم والحياة السياسية.

وقد شرح علماء أُصول الفقه آليات استخدام هذين المصدرين وحجيتهما؛ باعتبارهما مصدرين كاشفين عن التشريع الإسلامي:

أ ـ الإجماع: الإجماع المعتدّ به علمياً في مذهب أهل البيت هو الإجماع الكاشف بنحو القطع عن قول المعصوم، وأهم طرق تحقّقه: طريقة قاعدة اللّطف، والتي يُستكشف من خلالها رأي المعصوم؛ عبر اتّفاق فقهاء عصره، أو العصور المتأخّرة. وكذلك طريقة الحدس، وهي أن يقطع بكون ما اتّفق عليه فقهاء الإمامية وصل إليهم من إمامهم يداً بيد؛ فإنّ اتّفاقهم مع كثرة اختلافهم في أكثر المسائل يُعلم منه أنّ الاتّفاق كان مستنداً إلى رأي الإمام المعصوم. ولازمة ذلك أنّ الاتّفاق ينبغي أن يقع في جميع العصور؛ من عصر الأئمّة إلى العصر الحالي. وعليه، فإنّ حجية الإجماع تستند إلى دخول الإمام المعصوم مع المجمعين.

ب ـ العقل: تعدّ مدرسةُ أهل البيت العقلَ العملي حجّة شرعاً في استنباط الحكم الشرعي، وليس العقل النظري القاصر عن إدراك العلل الواقعية للأشياء. ويتم بحث موضوع العقل العملي في إطار موضوع (الحسن والقبح العقليين). ويدخل دور العقل العملي في الاستنباط التشريعي ضمن عنوان (الملازمات العقلية)، والتي تنقسم إلى: المستقلات العقلية، وغير المستقلات العقلية. وقد اختصت المستقلات بمسألة التحسين والتقبيح العقليين، أما غير المستقلات فتعتمد في عملية الاستنباط على مقدمتين: عقلية وشرعية؛ ليشكل ناتجهما مدخلاً في الاستنباط. وفي هذه الجزئية يستخدم علماء الأُصول (القياس الفلسفي)، وليس القياس بالمطلق؛ الذي يمثل (قياس التمثيل) المقبول في المدرسة الأُصولية السنية.

3 ـ المصادر المكملة (التابعة):

وقد اختلف علماء أُصول الفقه والقانون في تسمياتها وأنواعها. إلّا أنّ الثابت منها هو العرف والعادة. وهما مفردتان لمعنى واحد تقريباً. ويكون العرف والعادة مصدراً إذا توافرت فيهما مجموعة شروط؛ أهمها: الاطّراد والتتابع، وتعارف الناس عليها، وعدم تعارضها مع قواعد الشريعة الإسلامية. ويشكل العرف الدستوري أحد أهم مصاديق العرف المطّرد.

4 ـ المصادر المباشرة (الرسمية):

وهي المصادر المتفق عليها تقريباً في نظم القانون الدستوري العالمية. وتنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة:

أ ـ المصادر المباشرة العامة: وتتضمّن وثيقة الدستور، وقرارات الولي الفقيه (رئيس الدولة ـ القائد):

أولاً: وثيقة الدستور: وهي أهم مصدر رسمي مباشر للقانون الدستوري في أي بلد، أو هو التمظهر النصّي المدوّن المبوب عن القانون الدستوري.

وفيما يتعلق بإيران؛ فإنّ المقصود به هو النص المدوّن الذي ناقشه وأقرّه مجلس خبراء الدستور في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام 1979، وصوّت عليه الشعب الإيراني، وصادق عليه الولي الفقيه (الإمام الخميني)، وحمل عنوان «قانون أساسي جمهوري إسلامي إيران» (دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية). ثم تم تعديله من مجلس تعديل الدستور في العام 1989، وصوّت عليه الشعب الإيراني، ولايزال نافداً.

ثانياً: قرارات وأحكام رئيس الدولة: رئيس الدولة هو الذي يمثل سيادة الدولة ورمزيتها، وهو أعلى سلطة في الدولة؛ سواء كان منصبه رمزياً؛ كالملوك ورؤساء الجمهورية في النظم البرلمانية، أو كان منصبه تنفيذياً؛ كرؤساء الجمهورية في النظم الرئاسية والنظم المختلطة (الرئاسية ـ البرلمانية). وتعتمد غالبية دول العالم قرارات وأحكام رئيس الدولة مصادر لقوانينها الدستورية.

ورئيس الدولة وفق دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو (الولي الفقيه) الحاكم حسب التسمية الفقهية، أو (القائد) حسب التسمية الدستورية. وأحكام رئيس الدولة (القائد) في إيران وقراراته ذات خصوصية مصدرية في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية؛ تبعاً لطبيعة منصب رئيس الدولة فيها، والذي يجمع بين البعد الديني وما يترتب على مبدأ ولاية الفقيه (النظرية الفقهية السياسية الحاكمة في الدولة) من صلاحيات وحقوق وواجبات، ومن بينها ((الأحكام الولائية)) ، والبعد المدني بصفته رئيساً للدولة.

ب ـ المصادر المباشرة الخاصة: وأهمها القوانين العادية، وقرارات مجمع تشخيص مصلحة النظام، والنظم الداخلية للمؤسسات الدستورية:

أولاً: القوانين العادية: وهي تشريعات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، وإلى جانب تشريعات مجلس الشورى هناك أحكام مجلس صيانة الدستور التي تقرر دستورية القوانين؛ فهي تماثل السوابق القضائية في البلدان التي تحتكم إلى السلطة القضائية في الدعاوى الدستورية.

ثالثاً: قرارات مجمع تشخيص مصلحة النظام: وهي على نوعين: القرارات التي تصدر للفصل في الخلاف التشريعي بين مجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور، والقرارات التي تصدر ابتداءً من المجمع؛ فيما يتعلق بالسياسات العليا للدولة.

ثالثاً: النظم الداخلية للسلطات الدستورية: وهي النظم التي تحدد الأهداف والمهام التفصيلية لكل سلطة أو مؤسسة، وكيفية اختيار كبار موظفيها وصلاحياتهم؛ ولا سيما مجلس الشورى الإسلامي، ومجلس مصلحة النظام، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس الوزراء، ورئاسة السلطة القضائية، ومجلس خبراء القيادة، والمجلس الأعلى للأمن الوطني.

5 ـ المصادر التفسيرية (غير المباشرة):

وتتمثل في أحكام مجلس صيانة الدستور وقراراته؛ بصفته الجهة الدستورية التي ينحصر بها قرار دستورية القوانين وتفسير الدستور. وهي في الوقت نفسه تمثل السوابق القضائية في البلدان التي تحتكم إلى السلطة القضائية في الدعاوى الدستورية.

وهناك مِن فقهاء القانون الدستوري الإيراني مَن يضع بعض قواعد القانون الدستوري في البلدان الأُخر ضمن المصادر غير المباشرة أيضاً؛ فيقسم المصادر غير المباشرة إلى تفسيرية (مجلس تشخيص مصلحة النظام)، واستشارية (بعض قواعد القانون الدستوري) في دول العالم المتقدم؛ للاستئناس بها بما لا يتعارض والمصادر الحاكمة والكاشفة والمكملة والمباشرة للقانون الدستوري الإسلامي الإيراني. وتدخل هذه المصادر في إطار ما يعرف بالسوابق القانونية الدستورية.

 

 

 

 

 

مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

في إطار قاعدة تدرج القوانين

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment