مسلم شيعي أسود رئيسا

Last Updated: 2024/04/26By

مسلم شيعي أسود رئيساً للبيت الأمريكي الأبيض

د. علي المؤمن

من هذا العنوان ندخل الى عدد من القراءات المتشابكة، التي لها علاقة بتأثير الشائعة في انهيار الدفاعات النفسية لدى الشعوب المقهورة، وأحلام هذه الشعوب في أن يكون المتسلط قد غيّر نفسه؛ أملاً في خروجها من أزمتها معه، وتكريس البسطاء لمناقب البطل؛ لأنها تريده دائماً فوق البشر، ومحاولة المقهورين (طائفياً أو قومياً) أن يكون الحاكم منتمياً إليهم؛ حتى وإن كان يتبرأ منهم في سلوكه، وغيرها من النزعات السيكولوجية التي يختزنها العقل الجمعي. وهي في جزء منها تحفيز من اللاشعور باتجاه تمني تغيير واقع الحال.

حين حقق “أوباما” فوزه الساحق على منافسه في انتخابات الرئاسة الأمريكية، بدا وكأن الأمر انقلاباً على الواقع السياسي الأمريكي؛ لأن “باراك حسين أوباما” هو سياسي معتدل، زنجي، من أصول إسلامية إفريقية، وزوجته تنتمي أيضاً إلى الميول السياسية نفسها. أما منافسه الجمهوري فهو من المحافظين الجدد، أشقر، مسيحي أصولي، أمريكي الأصل والصورة، وهو لصيق بالإيديولوجيا التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية. في حين أن بين أوباما وبين هذه الايديولوجيا مسافات من التاريخ والجغرافيا. إذن؛ هو انقلاب!، والنظام السياسي الأمريكي غيّر جلده وعقله! وراحت الشعوب المقهورة في منطقتنا تستحضر صورة البطل الأسطوري ورجاءها اللاشعوري في أن يكون “أوباما” مسلماً شيعياً.

شائعة الأصول الشيعية لأوباما انتشرت كالنار في الهشيم، بين شيعة العراق وإيران والبحرين والمنطقة الشرقية في السعودية. وليس مهماً أن يكون الرجل من أصول شيعية أو سنية؛ لأن هذا الموضوع لا أهمية له في نوعية الانقلاب. ولكن الثابت أن أسرته في كينيا سنية، ولكن جاءت شبهة شيعيته من كون اسم أبيه الأصلي «حسين»؛ وبناءً عليه تفتقت مخيلة صاحب موقع الكتروني شيعي عن هذا الحلم، وأعلن عن الأصول الشيعية للرجل؛ على اعتبار أن الشيعة يحبون كثيراً اسم «حسين»؛ وهذا يذكر بما كان يردده بعضهم قبل أربعة عقود تقريباً، بأن الممثل المصري عباس فارس هو شيعي المذهب؛ لأن اسمه عباس! والأمر نفسه مع جمال عبد الناصر؛ الذي كان متعاطفاً مع الشيعة؛ لأن زوجته تحية كازروني، هي شيعية من أصول عراقية إيرانية!، وكذا الحال مع عبد الكريم قاسم الذي كانت أمه شيعية!. أما الرئيس الأذربيجاني حيدر علييف، فكان مصدر فخر الكثيرون؛ ولا سيما حين كان قيادياً في الحزب الشيوعي السوفياتي. وقبله كان هناك من يدافع بشراسة عن محمد رضا بهلوي؛ لأنه الملك الشيعي الوحيد، والذي يريد الخميني إسقاطه، وهو ما سيمهد لسيطرة الشيوعيون على مقاليد الدولة الشيعية الوحيدة في العالم!

لا نريد هنا أن نسقط في فخ نظرية المؤامرة؛ بالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية قام تاريخها ونشأت جغرافيتها وتأسس نظامها السياسي والاقتصادي والمالي والإعلامي، وسياستها الخارجية على التآمر. ولكن حين نستحضر الواقع؛ سنجد أن “باراك أوباما” يصر على مسيحيته ويفخر بها، ولكن بطريقة متوازنة تقدَر له، وليس على طريقة بعض السياسيين الشيعة؛ الذين إذا أرادوا دفع تهمة الطائفية عنهم؛ فإنهم يتعاملون بانفعال وعدم توازن وضعف في الثقة بالنفس؛ فيصبحون سنة أكثر من أي حاكم سني؛ ويتنكرون لأي خصوصية شيعية. كما يفخر “أوباما” بأنه ينتمي إلى النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، بكل أعرافها وبروتوكولاتها ومسارات تكوينها التاريخي والقانوني والجغرافي، وتعهد بالتمسك بكل ذلك.

ولا نريد أن نستطرد في هذا المجال؛ لأن لا أحد يتوقع من “أوباما” معجزة وتغييراً جذرياً في سياسات واشنطن؛ فالرجل لم يقل ذلك. ربما سيتحرك بدأت في إطار المتغيرات؛ لمصلحة تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية. أما في الثوابت فإنه يعلم أنه لا يستطيع تجاوز أي من الخطوط الحمراء؛ لأن من يحكم أمريكا مؤسسات عريقة تستند إلى إيديولوجيا تراكمية؛ تحميها بقوة احتكارات وجماعات ضغط ضاربة الجذور والسطوة؛ ولا سيما اللوبي اليهودي والمجموعات المالية والاقتصادية الكبرى والمنظمات والاجتماعية والسياسية.

وإذا أردنا أن نقارن بين أوباما والنماذج الأكثر شبهاً، فإن “ميخائيل غورباتشوف”، ومحمد خاتمي هم أفضل نموذجين للمقارنة؛ لأنهما حملا شعارات الإصلاح والتغيير في ظل نظامين سياسيين واجتماعيين قوية، وكانوا على رأس السلطة التنفيذية في دولتيهما وحسنوا صورة بلدانهم في الخارج. لا شك أن “أوباما” لا يمكن أن يكون نسخة من “غورباتشوف”؛ لأن “غورباتشوف” انتهى مطاف التغيير إلى تدمير الاتحاد السوفيتي. في حين أن “أوباما” لا يمتلك ظروف “غورباتشوف” ولا نظريته ولا أهدافه. كما يختلف “أوباما” عن محمد خاتمي؛ لأن الأخير استطاع امتلاك حيز كبير من حرية التحرك؛ بسبب الظروف السياسية الداخلية التي خدمته وخدمها. وبالتالي؛ أحدث خاتمي تحولاً ملحوظاً في المشهد السياسي والثقافي الإيراني؛ بل كادت الأمور تفلت من يديه، بعد أن تجاوزت بعض الجماعات الإصلاحية أهداف خاتمي، باتجاه قلب النظام السياسي، إلا أن وجود سلطة القائد الأعلى حال دون ذلك، في حين لا يمتلك أوباما الظروف التي خدمت خاتمي، فضلاً عن واقعيته التي تحد من طموحه في أحداث مثل التغيير الذي أحدثه خاتمي، ولو كان مؤقتاً.

ويبقى “أوباما” نموذجاً متفرداً ربما؛ لأنه يعبر عن تغيير جذري في الشكل، وسيبقى هكذا حتى نهاية ولايته، أما المضمون والجوهر، فإن التغيير عصيّ عليه. ولكن التغيير الشكلي هو أيضاً يحظى بأهمية بالغة للولايات المتحدة نفسها؛ لأن “أوباما” بات المنقذ لسمعة أمريكا وصورتها في الخارج؛ لأن أمريكا قبل أوباما وصلت إلى أدنى مستوى من المقبولية بين شعوب العالم؛ بسبب سياساتها الخارجية وتفردها في قرار العالم. وبمجرد دخول أوباما في المعركة على الترشح عن الحزب الديمقراطي ثم تفوقه على هيلاري كلنتون حتى أخذت شعبية أمريكا ترتفع ببطء، وازدادت وتيرة الارتفاع بعد انتخابه رئيساً. أما الداعية التي صاحبت تنصيبه رئيساً، ومشاهد التنصيب، والقرارات التي اتخذها خلال الأيام الثلاثة الأولى، عملت بقوة على تحسين صورة أمريكا من خلال صورة “أوباما” نفسه؛ الذي حولته المشاهد الدراماتيكية المتوالية إلى بطل أسطوري؛ ولا سيما في أذهان جزء مهم من شعوب الدول النامية والفقيرة، التي باتت تتخيل أن هذا الرجل خرج من بين صفوفها ليسيطر على الدولة الأكثر جبروتاً واستكباراً وغطرسة في العالم. وربما يكفي رؤية صور الفرح العفوية للناس في أفريقيا وأمريكا اللاتينية والعالم الإسلامي وآسيا وهم يتابعون مشاهد فوز أوباما وتنصيبه. طبعاً هذا بالمقارنة مع مشاهد الكراهية العفوية أيضاً لسلوكيات “جورج بوش” الابن وتحركاته.

وهنا تكون الولايات المتحدة الأمريكية ومن يرسم استراتيجيتها قد حققت عبر وصول أوباما إلى سدة الرئاسة أعظم إنجاز لها في إنقاذ سمعتها، منذ انتخاب جون كيندي رئيساً لأمريكا وحتى الآن. وهذا المطلوب بكل المعايير الأمريكية. وهو (ضربة معلم) حسب التعبير الدارج.

تأثيرات صورة (أوباما الرئيس) في لاشعور الشعوب المقهورة هو تأثير في غاية التركيز. فهذه الشعوب التي أرهقتها بشدة سياسات واشنطن؛ رأت في أوباما المخرج من مأزق الصراع مع أمريكا، حتى لو كان ذلك أمنية وحلماً. فهي تريد أن تصدق ما تحلم به أو تتمناه وتشيعه بنفسها أو تختلقه بشأن قدرة هذا الرجل الأسود ذو الأصول المسلمة الإفريقية المستضعفة على اختراق الدفاعات الأمريكية الصليبية البيضاء المستكبرة. وهي محاولة من العقل الباطن للإنسان المقهور لخلق منقبة للمتسلط ليسوغ لنفسه التصالح معه وتبرير سلوكيته؛ بدافع التخلص من ضغط الصراع مع المتسلط.

لا شك أن “أوباما” سيتحرك بقوة في دائرة المتغيرات؛ وربما يكون كثيراً من هذا التحرك إيجابياً لمنطقتنا وشعوبنا. ومن هنا فإن التفاعل المتوازن لشعوبنا المقهورة مع هذا الأثر الإيجابي المحتمل سيكون مهماً في تحقيق إنجازات نسبية على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment