مسؤولية الدولة السعودية عن الفصائل الوهابية المسلحة

Last Updated: 2024/04/26By

مسؤولية الدولة السعودية عن الفصائل الوهابية المسلحة

د. علي المؤمن

أفرزت العقيدة الوهابية السعودية التكفيرية منذ ثمانينات القرن العشرين، مجموعة جديدة من الجماعات المسلحة، وخاصة تلك التي تأسست في أفغانستان، بالتزامن مع الغزو السوفيتي، وكانت هذه الجماعات (الجهادية) تستلهم عقيدتها من أفكار أحمد بن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، ومن فتاوى المفتين وعلماء الدين الوهابيين السعوديين، ويتم تمويلها وتعبئتها دينياً وتنظيمياً من المخابرات السعودية، في حين يتم التخطيط لها وتسليحها وتوجيهها من المخابرات الأمريكية، أما التدريب والدعم اللوجستي فتقوم بهما الاستخبارات الباكستانية، أي أن هذه الجماعات هي بالأساس صناعة سعودية أمريكية باكستانية. وضمت هذه الجماعات مقاتلين من أفغانستان والبلدان العربية وبعض البلدان الإسلامية، وكانت الشريحة الأكثر نفوذاً سياسياً ومالياً وتنظيمياً ودينياً داخل هذه الجماعات هم المقاتلون العرب، والذين عرفوا فيما بعد بــ “الأفغان العرب”.

وتبلور حضور الأفغان العرب في أفغانستان فيما بعد بــ “منظمة قاعدة الجهاد”، والتي تعرف اختصاراً بــ “القاعدة”. وما لبثت هذه المنظمة أن انتشرت في أكثر البلدان العربية وكثير من البلدان الإسلامية، وتلخصت فيها أهداف وسلوكيات جيش الإخوان الوهابي الذي كان يقوده الملك عبد العزيز آل سعود، والذي استطاع به إخضاع أغلب أراضي الجزيرة العربية بالقوة والإرهاب. وفضلاً عن تنظيم القاعدة؛ فقد أفرزت الحركة السلفية التكفيرية في مصر أيضاً مجموعة من المنظمات، أبرزها “منظمة الهجرة والتكفير”، والتي ذابت في منظمة القاعدة. كما ظهرت جماعات وهابية مماثلة في أفغانستان، أبرزها “طالبان”، وكذلك في الجمهوريات والمقاطعات المسلمة جنوب روسيا، وفي بلدان شرق آسيا والمغرب العربي وأفريقيا، وجميعها تحمل الفكر الوهابي التكفيري، ومعبأة بفتاوى علماء الدين الوهابيين السعوديين، ومدعومة من المؤسسة الدينية السعودية أو المخابرات السعودية. ولم يخف كبار المسؤولين الأمريكان دور المخابرات الأمريكية والمؤسسة الدينية السعودية والمخابرات السعودية في تأسيس أغلب هذه المنظمات ودعمها وتوجيهها، وإقحامها في تنفيذ المشاريع التخريبية للولايات المتحدة الأمريكية والسعودية.

ومن أبرز تلك المنظمات والجماعات الوهابية التكفيرية المسلحة: تنظيم “القاعدة” في أفغانستان وكثير من البدان، تنظيم “داعش” في العراق وبلاد الشام وشمال أفريقيا، جماعة أنصار الإسلام في العراق، جبهة النصرة ومجلس شورى المجاهدين وحركة الغرباء وحركة أحرار الشام وقوات صلاح الدين الأيوبي وقوات نور الدين زنكي في سوريا، تنظيم “بوكو حرام” في نيجيريا، تنظيم أنصار الشريعة، تنظيم “طالبان” في أفعانستان وباكستان، جماعة أنصار السنة، جماعة النور في مصر، حركة الشباب في الصومال، الجبهة السلفية في الجزائر، تنظيم التوحيد والجهاد في الصومال، جيش الإسلام في سوريا، جبهة بلوشستان، تنظيم فتح الإسلام، جيش عدن، ، منظمة التكفير والهجرة في مصر، كتيبة المرابطون وحركة أنصار الدين في مالي، جماعات حقاني وجيش طيبة وجيش الصحابة جيش محمد في باكستان، جماعة أجناد مصر، إمارة القوقاز الإسلامية في الشيشان وأنغوشيا وداغستان، الحركة الإسلامية في أوزبكستان، جيش الفرقان وجيش العدل وحزب الحرية وأنصار السنة في ايران.

وتتحمل الدولة السعودية، بكل تاريخها وفكرها الديني السياسي وقوانينها ومؤسستها الدينية وممارساتها ومساحات نفوذها وتأثيرها؛ مسؤولة هذه الجماعات وممارساتها الإرهابية التي تتم باسم الإسلام، ففضلاً عن أن عقيدة التكفير والقتل الوهابية لهذه الجماعات هي ذاتها العقيدة التي أقام عليها محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى، ثم عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الثانية؛ فإن مسؤولية الدولة السعودية الحالية، تجد أدلتها الحسية حاضرة في كل مؤسسة دينية رسمية، وفي كل مسجد ومدرسة وجامعة، وفي كل وسيلة إعلامية ومؤسسة حكومية في المملكة السعودية، وهو ما لا تتنكر له المؤسسة الدينية السعودية الحاكمة ومشايخها الرسميين وأئمة مساجدها وخطبائها ومناهجها التعليمية الدينية والمدنية، بل تجاهر هذه المؤسسة بتكفير المسلمين من غير أتباع المذهب الوهابي، وتستحل دماءهم وأعراضهم وأموالهم؛ ولاسيما المسلمين الشيعة. وبالتكامل مع جهود المؤسسة الدينية السعودية، تقوم أجهزة الدولة الأمنية والسياسية، وخاصة المخابرات السعودية، بتمويل هذه الجماعات والتخطيط لها وتوجيهها.

وحين تنقلب بعض هذه الجماعات على الدولة السعودية؛ فإنها تتعرض لإعادة التدوير والتنظيم والتصفية؛ لتظهر باسم جديد وقيادة جديدة، وهو ما اعترف به القادة السعوديون، كما في تصريحات وزير الداخلية السعودي الأسبق نايف آل سعود، والأمريكان، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” ووزيرة الخارجية السابقة “هيلاري كلينتون”، إضافة الى تصريحات المسؤولين القطريين، وخاصة رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق. والمفارقة؛ أن بعض مشايخ الوهابية الرسميين عندما يستنكر جرائم التنظيمات الوهابية المسلحة التي انقلبت على الدولة السعودية؛ فإنهم يستدركون بقولهم: ((بصرف النظر عن بشاعة هذه الجرائم وأبعادها الإرهابية والسياسية؛ فإن الشيعة في الحقيقة هم كفار محاربين تنطبق عليهم الحدود)).

وبالتالي؛ لا يوجد ما يدعو للجدل حول مسؤولية الدولة السعودية المباشرة وغير المباشرة عن جرائم الإرهاب التكفيري الطائفي. أي أن السعودية في إنتاجها للفكر التكفيري وفي رعايتها للإرهاب؛ إنما تعبر عن كينونتها وبنيتها وعلّة وجودها منذ تأسيس الدولة الوهابية السعودية الأولى في نهايات القرن الثامن عشر الميلادي، ولو تخلت عن فكرها التكفيري الإرهابي؛ لأصبحت دولة أخرى.

هذه الحقيقة المدخلية تقود الى نتيجة مهمة، تتمثل في عدم جدوى محاربة الجماعات التكفيرية، عسكرياً وإعلامياً وثقافياً ومخابراتياً، وعدم جدوى دراسة أفكار وممارسات قادتها؛ فهؤلاء مظاهر وتجليات لفكر وممارسات العقيدة الوهابية السعودية التي دوّنها محمد بن عبد الوهاب بناءً على عقيدة ابن تيمية وابن مفلح وابن قيم. وإذا تم القضاء على القاعدة والنصرة وداعش، وتم قتل الزرقاوي وأسامة بن لادن وايمن الظواهري وأبي بكر البغدادي والشامي والشيشاني والجولاني والمئات غيرهم؛ فستظهر عشرات الحركات الإرهابية التكفيرية ومئات القيادات الدموية غيرهم؛ لطالما بقيت المصانع الفكرية والعقيدية والفقهية ومؤسسات الرعاية السياسية والمالية والمخابراتية القائمة في الرياض وجدة والمدينة ومكة والطائف والقصيم؛ تعمل في المملكة الوهابية السعودية بكل طاقتها.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment