مرجعية التجديد في الفكر الإسلامي
مرجعية التجديد في الفكر الإسلامي
د. علي المؤمن
على الرغم من أن العقل الذي يتطلبه التجديد، هو عقل مبتكِر (متحرر) من التقليد، إلا أنه ليس مطلقاً في حركته وحريته، بل إن له مرجعية متكاملة ومحددة. ومرجعية التجديد تتمثل في مصادره، وهي مصادر الفكر الإسلامي نفسها. وتتكوّن من ثلاثة أنواع:
- الأصول المقدسة: القرآن الكريم والسنّة الشريفة (الصحيحة)، وهي أصول لا يمكن تجديدها أو الاجتهاد في مقابلها، أي أنها «سلطة مرجعية» عليا ثابتة.
- أدوات فهم الأصول المقدسة وآلياته، كالعقل والإجماع وغيرهما.
- التراث الكلامي والفكري والفقهي، وهو ما توصّل إليه الفقهاء والمتكلمون والمفكرون المسلمون من فهم للنصوص وللواقع، تمثّلَ بنظرياتهم وآرائهم في مختلف المجالات، ولا سيّما في المجالين العقيدي والفقهي، ولا يشكّل هذا التراث مرجعية قاهرة، بقدر ما هو مرجعية متحركة للتكامل.
ونوضح هنا باختصار مدخلية كل عنصر مرجعي من المرجعيات السابقة، في عملية الاستنباط والتجديد:
1- القرآن الكريم:
وهو الأصل الأول، الحصري في كونه ملزِماً بالمطلق، لأنه دستور الله الخالد الذي بيّن فيه كل شيء: ((ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة))، هو مصدر التشريع والمعرفة الإسلاميين ومقياس الاستقامة والانحراف، والمرجع عند التعارض والاختلاف في الأفكار التي تنسب إلى الإسلام. ويبقى التعامل مع النص القرآني لفهمه وإدراك معانيه، بحاجة إلى دقة وعمق في المنهج والتحليل والتفسير، وهو ما يتعذّر على غير المتخصصين. والمراد من التخصص هنا المعرفة المعمّقة بعلم اللغة وأصول الفقه وعلوم القرآن. والتي توضح قواعد الاستنباط، كدلالة الألفاظ والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه، وغيرها. ويمكن القول إن التفسير الموضوعي في التعامل مع النص القرآني، هو الأكثر ثمرة لاستنباط النظريات والأفكار الجديدة، وبناء فكر قرآني يستوعب الحاجات المعاصرة للفرد والمجتمع والدولة.
2- السنّة الشريفة:
ونقصد بها الصحيح من سنة رسول الله والأئمة الإثني عشر (عند الشيعة الإمامية)، وسنة رسول الله والصحابة (عند المذاهب السنية)، وهي الأصل الثابت الآخر للمعرفة الإسلامية، والوسيلة الأساسية لوعي القرآن الكريم وتفسيره. وربما احتاج التعامل مع السنة إلى تخصص أكبر، بسبب ما تعرضت له من وضع وتحريف؛ مما يتطلب استحداث علوم وقواعد أخرى الى جانب علوم القرآن، كعلم دراية الحديث وعلم الرجال وعلم الأصول وغيرها.
3- العقل:
وهو أحد أدوات المعرفة والتجديد، وهو مصدر كاشف، ويراد به الفعاليات العقلية التي قنّنها القرآن والسنّة وأقرّاها، وهي تساهم في بناء صرح الفكر الإسلامي واكتشاف عناصره. ويؤكد القرآن الكريم على هذه الفعاليات من خلال التأمل والتفكير والتعقّل: ((قل انظروا ماذا في السموات والأرض))، ((كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تعقلون)). والعقل هنا يعمل على التكامل مع النص، وتحويله إلى نظرية وحكم. فالاجتهاد والاستنباط والاكتشاف في مجال النظريات والمفاهيم العقائدية والكلامية والفلسفية من جهة، والأحكام الشرعية ومختلف قضايا الفقه من جهة أخرى، هي من ثمار تعامل العقل مع النص، أي أن العقل هنا لا يمارس دور المشرّع إلى جانب النص، بل يقتصر دوره على الإدراك والكشف.
4- التراث الفكري والفقهي:
وهو التراث الذي خلّفه الفقهاء والمفكرون المسلمون في إطار المدارس الكلامية والمذهبية المختلفة، طيلة القرون الماضية. هذا الإرث العظيم كمّاً وعطاءً، هو محصّلة جهود متواصلة وتراكم معرفي هائل، مما يجعله قاعدة ومنطلقاً للتجديد. وبالتالي فهو أهم محاور التجديد وساحته الطبيعية.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua