مراحل التحرك الطلابي الإسلامي في العراق
مراحل التحرك الطلابي الإسلامي في العراق
علي المؤمن
(كلمة في المؤتمر الأول للاتحاد الإسلامي لطلبة العراق، قم، 11/11 /1988)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم سادتي.. إخواني وزملائي الحضور.. ورحمة الله وبركاته
قبل الدخول في موضوع البحث الذي اتشرف بإلقائه على مسامعكم ، أود ان اشير الى جانب الاهمية القصوى للشعار الذي رفعه مؤتمركم المبارك ، حيث جاء على المستوى النظري منسجماً مع متطلبات المرحلة التي تمر بها قضيتنا الاسلامية في العراق؛ فنأمل ان تلتقي جهود طلبة العراق المسلمين عند نقطة محاولة انزال هذا الشعار الى واقع التطبيق، ليأخذ دوره في حركة الامة باتجاه تحقيق هدف اقامة حكم الله في عراق المقدسات.
والاحساس بتلك الاهمية سيجعلها منطلقاً لحديثنا، والذي سيدور حول مراحل التحرك الطلابي الإسلامي العراقي خلال الحقبة الزمنية التي اعقبت انطلاق الثورة الإسلامية في العراق وحتى الان .
تنقسم هذه الحقبة الى ثلاث مراحل:
الأُولى: تبدء من نقطة انطلاق الثورة الإسلامية في العراق على يد السيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر والمتمثلة بانتفاضة رجب المباركة ، وحتى تأسيس الاتحاد الإسلامي لطلبة العراق في المهجر.
الثانية: تبدء من تأسيس الاتحاد وحتى التحول الكبير في مسار القضية الإسلامية، والذي اعقب توقف الحرب عملياً.
الثالثة: وهي المرحلة التي فرضها ذلك التحول، والتي نعيشها الآن.
هذه المراحل تشكّل فصولاً لحالة عامة او لمرحلة اساسية، تعرف بمرحلة الصراع المعلن مع النظام الحاكم في العراق، والتي دخلتها الحركة الاسلامية، انسجاماً مع الموقف الشرعي وظروف الواقع. هذه المراحل تشدّ احداثها – بعضها ببعض – اواصر الوحدة الزمنية والموضوعية، كما تفرق بينها احداثاً ومنعطفات ، نقلت العمل الطلابي الاسلامي الى مرحلة اخرى ، تتميز بوضع جديد وخصائص مختلفة الى حد ما.
خلال المرحلة الاولى التي استمرت حوالي سنة كاملة (17 رجب 1399هـ – 27 رجب 1400هـ) كان التحرك الطلابي الاسلامي جزءاً من التحرك الاسلامي العام في العراق ، ولم يكن هناك اي فاصل بين الطرفين.
أو بالأحرى لم يكن هناك طرفان، فالطلبة المسلمون كانوا يمثلون واجهة العمل الميداني وطليعة الصدام والمواجهة المباشرة للحركة الإسلامية. ومن هنا؛ فالبنية التنظيمية للعمل الطلابي في هذه المرحلة كانت استمراراً للماضي الذي يمتد الى حوالي ربع قرن من تاريخ الحركة الاسلامية في العراق.
اما المرحلة الثانية؛ فأنها بدأت في اليوم الذي انبثق فيه الاتحاد الاسلامي لطلبة العراق، في 27 رجب 1400هـ. وقد تبلور بذلك التحرك الاسلامي الطلابي العراقي وخلصت جهود طلبة العراق المسلمين خلال السنين الماضية.
ولم يكن من السهل مطلقاً تجاوز ضرورة تأسيس الاتحاد في المهجر، حيث تمثلت هذه الضرورة في ثلاث مجموعات من الاسباب أدّت لعملية التأسيس:
الأُولى: تتعلق بكونه اتحاداً مهنياً، يقع على عاتقه الاهتمام بشؤون الطلبة العراقيين في المهجر، وتقديم الخدمات المهنية اللازمة لهم.
الثانية: تتعلق بكونه مؤسسة اجتماعية تقع في واجهة التحرك الإسلامي العام، ودورها هنا يتلخص باستيعاب الشريحة الطلابية وتوجيهها نحو اهداف القضية الاسلامية في اسقاط النظام البعثي واقامة حكم الله في العراق.
الثالثة: تتعلق بطبيعة عمل الاتحادات المهنية داخل العراق، وتحديداً الاتحاد الوطني لطلبة العراق؛ فهي واجهات صريحة للنظام، ومقتصرة على افراد حزب السلطة، وليس لباقي ابناء الشعب ايّة ممارسة حقيقية فيها. حيث يأتي تأسيس اتحادنا الإسلامي لطلبة العراق، ليكون البديل الاسلامي المعبر عن توجهات طلبة العراق المسلمين.
ومن أجل فهم الواقع الذي مربه الاتحاد خلال المرحلتين السابقتين، لابد من الوقوف على افرازات ومظاهر مرحلة الصراع بإطارها الاسلامي العام، حيث يعتبر الاتحاد جزءاً اساسياً من هذا الاطار .
ومن اهم القضايا التي شهدتها مرحلة الصراع:
- قضيتي وحدة القيادة ووحدة الساحة الإسلامية العراقية، اللتين تربطهما العديد من الوشائج، وما زالتا مدار بحث وحوار، وقد برزتا في اعقاب استشهاد قائد الثورة ومفجرها السيد محمد باقر الصدر، والتي تزامنت مع ظهور عشرات التجمعات والحركات والتنظيمات المعارضة في الخارج
- قضية العمل العسكري، الذي برز بقوة لا نظير لها في تاريخ العراق المعاصر، والذي يبقى الحل الاقرب واقعية لمشكلة الشعب العراقي مع النظام وخياره الاخير لحسم الوضع
- قضية العلاقة بين حركات المعارضة الإسلامية العراقية والجمهورية الإسلامية في ايران، والتي تركت اكبر الاثر في بلورة شكل الساحة العراقية ورموزها وحجمها ونشاطها
- قضية المهجرين والمهاجرين في إيران ودول العالم الأخر، وحقوقهم وواجباتهم
- الحرب الإعلامية الشاملة ضد الحركة الإسلامية
- التصفيات الساخنة التي تعرضت لها الإسلاميون العراقيون في الداخل والخارج
- وأخيراً؛ قضية الحرب التي بقي لهيبها يستعر طوال ثماني سنوات.
مجمل هذه القضايا والأحداث أفرزت عدّة حالات أصيلة، تمثل الخصوصيات التي اتسمت بها مسيرة الحركة الاسلامية منها:
1- ان التيار الاسلامي الشيعي في العراق ليس وليد الظروف المستجدة، أي انه ليس وليد الثورة الإسلامية في ايران، ولا الحرب البعثية ضد الجمهورية الإسلامية
2- كما أنه لا ينحصر بكيان خاص، وإن كان النظام يحاول إعلامياً حصر صراعه مع الشعب العراقي بالكيان الذي له قصب السيف في التصدي والجهاد وما زال، وهو حزب الدعوة الإسلامية
3 – وقوف علماء الدين في طليعة التحرك الاسلامي، وتصديهم لقيادته بحكم موقعهم
4 – العودة الى اصالة مبدأ الاندفاع نحو الموت في سبيل الله (الشهادة)، والذي يحاول الغرب إثارة الرأي العام العالمي ضده، حين يصفه بـ((الانتحار)) ويصف ((الجهاد)) بـ ((الارهاب )) . وهاتان الحالتان ليستا من افرازات الحرب أصلاً، ومن هنا؛ فاستمرارهما لا يرتبط بمصير الحرب.
5- إن أحداث سنوات الجمر (1979 – 1987)، أكّدت حقيقة اسلامية المعارضة في العراق، مما يجعل الحركة الاسلامية تؤكد على البديل الاسلامي في العراق، حتى في حالة التزام الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستقبلاً بمواثيق ومعاهدات تقنن حالة الصلح مع النظام العراقي. وهذه مسألة توضح تصميم الحركة الاسلامية تفرض على عدم تكرار التجارب المأساوية السابقة التي يحصد فيها الاخرون ما يزرعه الاسلاميون. بل يجب على الإسلاميين عمل جولات تفاهم مع اطراف المعارضة الأُخرى، التأكيد على ريادتهم وحجمهم وتضحياتهم وقاعدتهم.
لقد ولد الإتحاد الاسلامي لطلبة العراق ومارس دوره في خضم احداث سنوات الصراع تلك وافرازاتها الخطيرة؛ فكان جزءاً اساسياً منها، ومعنياً مباشراً بكل ما يدور في الساحة، حتى أن بعض فروع الإتحاد في أوروبا وأمريكا ظلت تمثل طليعة التحرك الإسلامي العراقي العام وواجهته النشيطة. وهي الحقيقة التي يجب أن تبقى راسخة في الأذهان عند الحديث عن المرحلتين اللاحقتين.
وقد كان كثير من المراقبين يتصور أن مصير القضية الاسلامية في العراق يرتبط بمصير الحرب التي فرضها النظام العراقي على الجمهورية الاسلامية، وأن نهاية الحرب ستؤدي الى انهيار كل ما بناه الإسلاميون العراقيون خلال السنوات الماضية. ويبتعد هذه التصور كثيراً عن الحقيقة، لأن جذور الحركة الاسلامية في العراق تعود الى بداية القرن الحالي، وتعود ممارستها للكفاح المسلح الى ما قبل اندلاع الحرب بأكثر من عام؛ فأول عملية عسكرية في العراق حدثت في مدينة الثورة والثانية في الكاظمية ، وذلك خلال ايلول 1979، ثم عملية عاشوراء في كربلاء في نهاية تشرين الاول 1979. ويمكننا الجزم بأن عدد العمليات العسكرية التي قام بها الاسلاميون في العراق قبل بدء الحرب لا تقل عن ثمانين عملية.
ومسألة وقف الحرب والاستمرار في الجهاد، وضعها الاسلاميون في حسابتهم وعالجتهم منذ السنوات الاولى للحرب، ولم تكن في يوم ما مسألة تخضع للمزايدات والشعارات، كما يتصور بعض المراقبين هذه الأيام؛ فقد أصدر حزب الدعوة الإسلامية في مطلع عام 1982، بياناً في غاية الأهمية يتعلق بهذا الموضوع، جاء فيه: ((وعلى احتمال ايقاف الحرب .. وسواء تم ذلك لأسباب دولية وداخلية قاهرة اضطرت الجمهورية الاسلامية في ايران الى ذلك ، وأيا كانت الشروط والاتفاقات التي سيتم التوصل اليها.. فإن ]حركتنا الاسلامية[ .. تعلن للعالم اجمع ، ان فصائلها .. ستظل تحمل السلاح … حتى يزول كابوس البعث الكافر عن ربوع وطننا الحبيب ويتحرّر شعبنا)). هذا هو موقف الإسلاميين قبل ما يقرب من ست سنوات تقريباً من وقف الحرب.
ولكن؛ في الوقت نفسه، يجب الإذعان بأن مرحلة ما بعد ايقاف الحرب، هي مرحلة قلقة وحساسة بالنسبة للتحرك الاسلامي العراقي، وتتمثلت بالهدوء والترقب، بغية تقويم مسيرة العمل ومراجعة الكثير من الحسابات والتحضير لوضع جديد، وهو الهدوء الذي يسبق العاصفة.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua