مداليل المستقبل الإسلامي

Last Updated: 2024/04/26By

مداليل المستقبل الإسلامي

د. علي المؤمن

 

إنّ المستقبل الإسلامي هو الموضوع الذي تنشده (المستقبلية الإسلامية)، وبناء هذا المستقبل هو الغاية التي يطمح المشروع إلى المساهمة في بلوغها ـ نظرياً ـ وفقاً لمنهج يعتمد وسائل علمية، ويستبعد حالات التمني والتنظير المحض أو التعويمات التي تقف خارج دائرة الزمان والمكان.

ذلك أنّ المستقبل الذي نقصده يحمل عدة مداليل مفهومية وتطبيقية، أهمها:

1 ـ من الناحية المفهومية:

هو مستقبل مقيد بالتصور الإسلامي على مستوى المصادر والمعتقد والفكر.

2 ـ من الناحية المصداقية:

هو محدود بالدائرة الإسلامية، في إطارها الموضوعي الذي يشتمل على الدين ومعارفه وفكره، وفي إطارها العام الذي يشتمل على العالم الإسلامي وعلى المسلمين خارجه، وفي إطارها الخاص الذي ينفرد بجماعة أو بلد إسلامي معين.

3 ـ من الناحية المنهجية:

إنّه يعبر عن الحقل العلمي الذي يمارس المشروع بحوثه في إطاره، وهو حقل الدراسات المستقبلية، أو المستقبلية (Futurism) كنزعة علمية تخصصية، ومن خلال منهج جديد في هذا الحقل عنوانه: المستقبلية الإسلامية (Islamic Futurism).

وهذا لا يعني أنّ المستقبل الإسلامي منعزل عن دائرة التأثر والتأثير مع الدوائر الدينية والفكرية والجغرافية الأُخر، فهو يتأثر ويؤثر؛ لأنّه يقع في حدود شبكة عالمية مترابطة تقريباً؛ ولأنّ خطابه عالمي، مما يجعله مستقبلاً للناس كافة، سواء كانوا ((إخوة في الدين أو نظراء في الخلق))، كما يقول الإمام علي.

وفي حين تهدف المستقبليات الأرضية إلى بناء المستقبل، كما يريده الإنسان، أي المستقبل المادي الذي يتجاوز البعد الإلهي في غاياته ومنطلقاته ووسائله، وتطلق يد الإنسان ـ الظلوم بطبعه {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}ـ في متاهات لا حدود لها على كل المستويات، فإنّ الإسلام ـ في المقابل ـ يرسم صورة واضحة لمساحة حرية الإنسان وإرادته في صنع المستقبل، ترتبط بحقائق الغيب ووعوده وسننه، وهي المساحة التي توصل بين حركة الإنسان ومستقبله المادي، وبين مصير الإنسان ومستقبله الغيبي، فتكون النتيجة أنّ الإنسان المسلم يوظف كل قابلياته وطاقاته المادية والروحية لهدف مرحلي دنيوي يؤهله للوصول إلى هدف نهائي غيبي، سواء كان في ما يرتبط بمرحلة ظهور العدل في الدنيا أو مرحلة العدل النهائية في الآخرة، والتي فيها تكمن نهاية التاريخ: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}.

وبالتالي يكون هدف تقديم النموذج الحضاري الإسلامي الذي يستوعب حقائق العقيدة والعدالة والعلم والمدنية، هو تحقيق رسالة وجود الإنسان على الأرض.

إنّ الإنسان المسلم الذي يدرك شروط السنن الكونية ويعمل على تحقيقها، تمهيداً للنهوض والتحضير للمستقبل المنجز، يقوم في الوقت نفسه بدراسة احتمالات المستقبل المادي وبدائله، ويحث الخطى بصورة علمية وعملية باتجاه البديل المناسب، وبالتالي فإنّ حريته وإرادته تبدأ بتوفير شروط السنن (المشروطة)، وتمر عبر إعداد نفسه؛ لاستقبال السنن المنجزة، وتنتهي في بناء المستقبل الحضاري؛ ليكون في خدمة المستقبل الغيبي.

وفي سياق الحديث عن حرية الإنسان وإرادته في قيادة التاريخ، ودور الفعل الإنساني في صنع المستقبل، لا نريد الخوض في الأبعاد العقيدية والفلسفية لثنائية الجبر والاختيار، ولكننا ننظر إلى الموضوع من زاوية النتائج التي يفرزها العمل على وفق أحد طرفي الثنائية، أو العمل في إطار البينية بينهما.

ففي كل الأحوال سيكون منطلق العمل هو حمل المسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان، وأداء التكليف والأمانة على أفضل وجه: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ..}، وفي هذا المنطلق تتجسد الإرادة الإنسانية والعزم، وهو ما لنا، أمّا ما علينا، فهو المستقبل المحتوم في خطوطه العامة وقضاء الله ووعده، وفيه يتجسد الاستسلام لإرادة الله تعالى. وهذه المساحة بين عزم الإنسان وإرادة الله والتي يتوسطها التوكل، هي التي نتحرك فيها لصنع مستقبلنا.

ومن العوامل الرئيسة التي ضاعفت تساؤلات الإنسان المسلم المعاصر، وساهمت في زيادة حاجاته، عاملا تطوّر حركة العصر، وتعاظم حجم المشروع الإسلامي. فكلّما تطوّرت حركة الحياة؛ تراكمت حاجات الإنسان، وكلّما كبُر حجم المشروع الإسلامي وأثمرت حركته في الواقع، كبُرت معه تساؤلات الإنسان، وهي تساؤلات ملحة، وبحاجة إلى من يجيب عنها إجابة منسجمة، وبمستوى العقل المسلم المعاصر.

العامل الأول، جلب معه جملة من الثورات العلمية والاجتماعية الكبرى على مستوى العالم، كثورة الاتصالات، وثورة المواصلات، وثورة المعلومات، والثورة الاقتصادية (الصناعية والتكنولوجية)، والتحولات السياسية والاجتماعية (تحولات الجغرافية السياسية والخارطة السياسية).

وحيال ذلك، وجد الإنسان المسلم نفسه في دوامة من الحاجات المختلفة، وعلى مختلف الصعد، وفي مقدمتها حاجة البحث عن الموقع وسط كل تلك التطورات.

أمّا العامل الثاني، فكان نتيجته الإنجازات التاريخية الكبرى التي حققها المشروع الإسلامي خلال العقود الخمسة الأخيرة، ويقف في مقدمتها تأسيس الدولة الإسلامية الحديثة، واقتراب الإسلاميين من مواقع القرار الشعبي أو القرار السياسي في الكثير من البلدان الإسلامية، وانتشار حركة الصحوة الإسلامية، وامتداد الإسلام في أنحاء مختلفة من العالم، فكان الإنسان المسلم ـ ولا يزال ـ يبحث عن إجابات لتساؤلاته، وفي مقدمتها معرفة موقفه ونظريته حيال مختلف المسائل، وعلى رأسها المسائل الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي إطار كل مسألة تبرز مجموعة من العناوين الرئيسة، كالحرية، والحرية الفكرية، وتجديد الفكر الإسلامي، وأسلمة المعرفة، والعقل المسلم، وولاية الأمر، وحركة الدولة الإسلامية في دائرة المنظومة العالمية، وتجديد الأنساق الاجتماعية التقليدية، والتنمية والتخلف، والوحدة الإسلامية.

ولمواجهة ذلك القلق الفكري والاجتماعي، بادر كثير من الفقهاء والمفكرين والمثقفين الإسلاميين، بشكل فردي أو جماعي، لوضع المعالجات وتحديد المواقف، بصورة بحوث ونظريات وأُطروحات، أو مشاريع عملية.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment