محطات تاريخية للتصدعات والانشقاقات في حزب الدعوة الإسلامية

Last Updated: 2024/04/26By

محطات تاريخية للتصدعات والانشقاقات في حزب الدعوة الإسلامية

د. علي المؤمن

نقدم هنا عرضاً توصيفياً لظاهرة الخروج والانقطاع والتصدع والانشقاق في حزب الدعوة، مع التأكيد على أن معظم أسبابها وعللها لا تزال قائمة ومهدِدة:

1 – أول خروج رأسي من الحزب كان في العام 1959؛ هو خروج محمد صادق القاموسي أحد المؤسسين. ولم يكن بسبب خلاف فكري أو سياسي؛ بل بسبب تفضيل القاموسي التفرغ للعمل في إطار جمعية منتدى النشر في النجف الأشرف.

2 – أول خروج شبه جماعي في العام 1961؛ هو خروج ثلاثة من مؤسسي الحزب: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم؛ بعد انكشاف ارتباطهم التنظيمي بالدعوة من بعض مسؤولي حزب البعث في النجف؛ وتحديداً حسين الصافي؛ الذي فاتح السيد محسن الحكيم والسيد أبي القاسم الخوئي بخطورة الحزب الذي يقوده محمد باقر الصدر وأولاد السيد محسن الحكيم على الحوزة والنجف والتشيع. وبرغم ردة الفعل القوية التي واجه بها المرجعان هذه الوشاية؛ وجواب السيد الحكيم لحسين الصافي: ((أنت لست أحرص من محمد باقر الصدر على الحوزة والتشيع))، وجواب السيد الخوئي: ((إذا كان محمد باقر الصدر يقود هذا الحزب فأنا أول من ينتمي إليه))؛ إلّا أن إحساس السيد الحكيم بالخطورة على الصدر والمرجعية والحزب جراء انكشاف حركة الحزب للبعثيين؛ اضطره للطلب من أولاده ومن السيد الصدر الخروج من التنظيم، وأن يقوم الصدر بالإشراف على حركة الحزب من خارج التنظيم، وأن يقوم السيد محمد مهدي الحكيم بدور التنسيق والرابط بين الحزب والمرجعية؛ دون أن يكون ضمن جسد الحزب.

3 – أول تصدع حقيقي في الحزب، تمثل في انقسام التنظيم، كان أحد طرفيه قيادة الحزب في بغداد ممثلة بعبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري، وطرفه الآخر قيادة الحزب في النجف ممثلة بالشيخ عبد الهادي الفضلي والسيد عدنان البكاء والشيخ مفيد الفقيه والشيخ كاظم الحلفي، ويدعمهم السيد طالب الرفاعي، وقد جرت فصول الانقسام في العامين 1963 و1964، بعد خروج السيد مرتضى العسكري من قيادة الحزب وإعادة هيكليتها. وكان السيد العسكري قد قرر أن تكون القيادة مؤلفة من: عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري والشيخ عبد الهادي الفضلي، إلّا أن الأخير كان يصر على أن يكون علماء الدين في القيادة ثلاثة وليس اثنين. وكان الشيخ الفضلي يمثل تنظيم النجف ويعبر عن توجهات الاجتماع الديني النجفي، ويدعمه عدد من علماء الدين من تنظيم النجف؛ أبرزهم السيد طالب الرفاعي والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد عدنان البكاء؛ بينما كان الثنائي القيادي السبيتي ودخيل يدعمهم الشيخ كاظم الحلفي والشيخ عارف البصري؛ يعبِّران عن فعل حزبي صرف؛ لا يفرق بين عالم دين وغيره. وجرت محاولات من الطرفين لإقصاء بعضهما من القيادة بعد أن تحول المنشقون إلى تنظيم مستقل لحوالي عام تقريباً؛ إلا أن تدخل السيد محمد باقر الصدر بمساعدة السيد مرتضى العسكري؛ وضع نهاية للخلاف، والتأم شمل التنظيمين؛ إلّا أن الفضلي لم يلتحق بالقيادة وفضّل البقاء ضمن تنظيمات النجف.

4 – التصدع في تنظيم الحزب في منطقة الكرادة الشرقية ببغداد؛ الذي قاده السيد سامي البدري في العام 1966؛ بسبب خلافه مع مسؤوله الشيخ عارف البصري، ورغبته في صلاحيات داخل تنظيم جامعة بغداد، وفي تعميق الجانب العقدي المذهبي في فكر «الدعوة». وائتلف جماعة البدري بجماعة بغدادية تدعى الحركة الإسلامية تضم أعضاء منشقين من منظمة العقائديين، وانتهى الائتلاف إلى تأسيس مجموعة جديدة تبلورت في العام 1979 بتنظيم «جند الإمام».

5 – خروج عدد من مؤسسي وقيادات وكوادر الدعوة في الفترة من العام 1969 وحتى العام 1971؛ أبرزهم السيد طالب الرفاعي في العام 1969، بعد سفره إلى مصر ممثلاً للمرجعية الدينية النجفية، والشيخ عبد الهادي الفضلي في العام 1971، بعد استقراره في بلده الأصلي السعودية، والسيد عدنان البكاء في العام 1971؛ إثر موجة الاعتقالات التي شنها النظام البعثي ضد حزب الدعوة. وهي ليست انشقاقات؛ بل انسحاب من التنظيم بضغط تغيير الجغرافيا والظرف المكاني.

وبخروج الرفاعي من الحزب؛ ثم اعتقال عبد الصاحب دخيل وإعدامه في العام 1972؛ يكون ستة من المؤسسين قد غادروا الحزب حتى العام 1972؛ ثلاثة منهم أصحاب الفكرة الأولى: السيد محمد مهدي الحكيم، السيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل. وبقي من المؤسسين داخل التنظيم أربعة فقط من مجموع عشرة: السيد مرتضى العسكري، صالح الأديب، السيد حسن شبر والدكتور جابر العطا، وهي ظاهرة غير مسبوقة في الأحزاب؛ أن يخرج من الجماعة أصحاب الفكرة المؤسسة لها. ولكن إذا وعينا ضغوطات الاجتماع الديني النجفي؛ الذي ينتمي إليه خمسة من مجموع الستة المغادرين؛ سنفهم أن خروجهم يشكل حدثاً طبيعياً ينسجم مع طبيعة انتمائهم الأصلي للاجتماع الديني النجفي، وكون انتمائهم للحزب هو انتماء فرعي أو مكمل، وبالتالي لم يكن خروجهم من التنظيم خروجاً على الحزب وفكره وسياسته وسلوكه؛ بل تحت ضغط عامل خارجي يمثل انتماءهم الأصلي.

6 – الانشقاق الفكري والسياسي الذي بقي متفاعلاً طيلة العامين 1980 و1981، وهو الأهم في تاريخ حزب الدعوة، والذي انتهى بالانتخابات الحزبية التي جرت في مؤتمر الشهيد الصدر في طهران في العام 1981، ولم يحضره القيادي التاريخي محمد هادي السبيتي ومن يمثل خطه من قياديين وكوادر؛ أبرزهم الشيخ علي الكوراني. وكان الحزب خلال مرحلة الانشقاق قد توزع بين ثلاثة أجنحة:

الأول: عرف بـ «جماعة الكوراني» أو «خط البصرة»؛ لانتماء الغالبية الساحقة من أعضائه لتنظيم الحزب في البصرة، ومن أبرز قيادييه – إلى جانب الشيخ علي الكوراني – عز الدين سليم (عبد الزهرة عثمان) والدكتور خير الله السعداني وكاظم التميمي. وهم امتداد خط محمد هادي السبيتي في حزب الدعوة.

الثاني: عُرف بـ «جماعة الآصفي»، ويضم إلى جانب الشيخ محمد مهدي الآصفي: مجموعة الفقهاء؛ سيما السيد كاظم الحائري والشيخ محمد علي التسخيري، وشخصيات تاريخية كمحمد صالح الأديب والسيد حسن شبر والسيد هاشم الموسوي، وكوادر شابة سطع نجمها حديثاً كالدكتور إبراهيم الجعفري وعلي الأديب. ويدعم هذا الخط: السيد مرتضى العسكري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين ومعظم علماء الدين من تلاميذ السيد محمد باقر الصدر والسيد الخوئي.

الثالث: كان على الحياد تقريباً؛ وفيه شخصيات مهمة كعبود الراضي ومهدي عبد مهدي والسيد عبد الأمير علي خان، إضافة إلى القيادات غير العراقية؛ ولاسيما اللبنانية.

وتم تشكيل لجنة سداسية تفاوضية لرأب الصدع؛ تمثل فيها كل جناح بعضوين: السيد عبد الأمير علي خان عن الجناح المحايد، محمد صالح الأديب والدكتور إبراهيم الجعفري عن جناح الآصفي، والدكتور إبراهيم السعداني وكاظم التميمي عن جناح الكوراني. إلّا أن اللجنة فشلت في التوصل لحل للمشكلة؛ سيما بعد أن رفض ممثلا جناح الآصفي مقترح حجب عضوية الشيخ الآصفي والشيخ الكوراني عن القيادة، وتمسكهما بدخول الجميع الانتخابات.

ويمثل هذا الانقسام امتداداً للخلاف الفكري والتنظيمي القديم في مرحلة الكويت بين القياديين القويين في الحزب الشيخ محمد مهدي الآصفي الذي يمثل منهجية «الدعوة» وخط الفقهاء، والشيخ علي الكوراني الذي يمثل منهجية «الحزب» وخط محمد هادي السبيتي وغير المعممين. وكان خط السبيتي – الكوراني يرفض إجراء انتخاب للقيادة، ويعتبر ذلك بدعة في مسيرة «الدعوة»؛ لأن القائد – كما كان يقول السبيتي – لا يُنتخب وإنما يفرزه الفكر والعمل والميدان تلقائياً، وهي قيادة ملهمة. إلّا أن الاجتماع الذي عقده ما يقرب من (70) من كوادر الحزب الشابة في طهران؛ خارج إطار الأجنحة الثلاثة، وعرف بـ ((مؤتمر القواعد))؛ غلّب خيار الانتخابات في إطار مؤتمر عام.

وشُكلت لجنة تحضيرية رباعية للمؤتمر مؤلفة من السيد موسى الخوئي والسيد جواد طالب والسيد عمار الموسوي والسيد عبد المحسن الموسوي، وقامت اللجنة بدعوة الأجنحة الثلاثة المذكورة لحضور المؤتمر العام؛ الذي سمي «مؤتمر الشهيد الصدر»؛ إلّا أن جناح السبيتي – الكوراني لم يحضر ولم يشارك في المؤتمر ولم يعترف بنتائجها ولا بقرارات المؤتمر؛ بما في ذلك الانتخابات؛ على الرغم من طلب محمد هادي السبيتي إلى جناحه المشاركة في المؤتمر. بينما كان جناح الآصفي فاعلاً في المؤتمر؛ فضلاً عن اشتراك جميع شخصيات وكوادر الجناح الحيادي. وأسفر المؤتمر عن تسمية (12) شخصاً للقيادة العامة؛ بينهم سبع شخصيات تم انتخابها انتخاباً مباشراً؛ هي: السيد كاظم الحائري (فقيه الدعوة؛ بالتزكية حسب النظام الداخلي)، الشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد حسن شبر ومحمد صالح الأديب والسيد هاشم الموسوي والدكتور إبراهيم الجعفري وعبود آل راضي وعلي الأديب، وخمس شخصيات أخرى من الأقاليم الأخرى التي تعيش حالة السرية ولم تشترك في الانتخابات؛ كالشيخ صبحي الطفيلي والشيخ عيسى قاسم؛ ليكون العدد اثني عشر شخصاً، وهي أول قيادة منتخبة في تاريخ الحزب.

ومثّل تشكيل القيادة الجديدة نهاية واقعية للجدل الكبير المزمن داخل «الدعوة»؛ ولا سيما بعد كتابة القيادة الجديدة لأول نظام داخلي في تاريخ الحزب وإقراره في العام 1982. وبموجبه أصدر فقيه الحزب السيد كاظم الحائري حكماً شرعياً يحرم بموجبه استخدام اسم حزب الدعوة الإسلامية إلّا من التنظيم الذي يتبع القيادة الجديدة المنتخبة حصراً ويعمل على وفق النظام الداخلي الجديد.

وفي أعقاب هذه التطورات؛ ترك الشيخ علي الكوراني حزب الدعوة نهائياً، وتحوّل فكرياً – خلال أشهر معدودات – إلى معارض شديد للعمل الحزبي الإسلامي، والتحق بجماعة الشيخ حسين علي منتظري في قم، والتي كانت تكن عداءً شديداً لحزب الدعوة ولخط السيد محمد باقر الصدر. إلّا أن جناحه بادر وبمعزل عنه تجميع عناصره في إطار تنظيم جديد؛ استقطب معه بعض دعاة الرعيل الأول؛ كالسيد عبد الأمير علي خان؛ كما التحق بهم عدد من عناصر تنظيمات العمارة والناصرية والديوانية، وأسموه فيما بعد بـ «حركة الدعوة الإسلامية» في العام 1983؛ التي ظل عز الدين سليم (أبو ياسين – عبد الزهرة عثمان) يقودها حتى اغتياله في العام 2004، وانكمشت الحركة وتعرضت للانشقاق بعد ذلك.

وقد جرت عدة محاولات لرأب الصدع بين الطرفين منذ بداية الانشقاق؛ كان يقودها غالباً السيد مرتضى العسكري وغيره، وكاد بعضها ينجح؛ بل تم استئنافها حتى بعد العام 2003؛ ثم بعد اغتيال أمينها العام الأول وبعد وفاة أمينها العام الثاني عادل عبد الرحيم (أبو ذكوان) وبالفعل التحق كثير من عناصر الحركة بحزب الدعوة الأم أو حزب الدعوة تنظيم العراق؛ بينما انسحب آخرون؛ ولاسيما من يمثل عائلة عز الدين سليم وخطه الخاص.

7 – انفصال إقليم حزب الدعوة في لبنان في العام 1981، والذي انتهى إلى تأسيس حزب الله؛ إذ قادته وشكّلت كيانه التنظيمي قيادات وكوادر حزب الدعوة السابقين؛ كالشيخ صبحي الطفيلي والسيد عباس الموسوي ومحمد رعد وحمود الخنسة ومحمود قماطي والشيخ حسين كوراني والشيخ محمد يزبك والشيخ نعيم قاسم والسيد حسن نصر الله وآخرين. وهو انفصال إشكالي مهم يختلف عن أسباب حل تنظيمات الدعوة في البلدان الأخرى، وربما ندر نظيره في كل المنظومات الحزبية في العالم.

8 – انسحابات في تنظيم حزب الدعوة في البحرين في العام 1981؛ انتهت إلى تشكيل ما كان يعرف بـ«خط الإمام».

9 – انسحابات في تنظيم حزب الدعوة في المنطقة الشرقية بالسعودية في العام 1981؛ انتهت إلى تأسيس «حزب الله الحجاز.»

10 – انشقاق في لجنة الكويت الخاصة بتنظيم الدعاة العراقيين، وفي تنظيم حزب الدعوة في الكويت الخاص بالدعاة الكويتيين خلال العامين 1981 و1982، وشكّل بعضهم تنظيم «حزب الله» الكويت، وهو انشقاق خطير؛ تسبب في إشكاليات كبيرة أُقحم حزب الدعوة فيها؛ ولا سيما ما يتعلق بسلسلة التفجيرات التي طالت المصالح الكويتية خلال العامين 1983 و1985، وهي تفجيرات لم يكن حزب الدعوة مسؤولاً عنها، ولا تعلم بها قيادته، ولكنها نسبت إلى حزب الدعوة بسبب اتهام بعض أعضاء الدعوة المنشقين فيها. وقد انحل تنظيم «حزب الله الكويت» بعد بضع سنوات.

11 – انسحاب قياديين وكوادر في الجناح العسكري لحزب الدعوة (الخط الجهادي)؛ بعد فشل المحاولة الانقلابية التي دعمها حزب الدعوة في العام 1981 انطلاقاً من منطقة «جيزان الجول» بمحافظة ديالى، وكان أبرز المنسحبين عضو القيادة التنفيذية المنحلة مهدي عبد مهدي (أبو زينب الخالصي)، وانتهى إلى تأسيس تنظيم «مجاهدو الثورة الإسلامية في العراق»، ثم التحاقهم بنواة تأسيس «قوات بدر»، ثم تأسيس «قوات سيد الشهداء» ثم «الحركة الإسلامية في العراق» وجناحها العسكري «كتائب الإمام علي».

12 – انسحاب عدد من كوادر الجناح العسكري للدعوة (قوات الشهيد الصدر) في نهاية العام 1982 ومطلع العام 1983؛ بينهم عدنان إبراهيم (أبو علي البصري) أول قائد لـ «فيلق بدر» والتحق بهم هادي العامري (أبو حسن) ثالث قائد لـ «بدر»، ثم جمال جعفر الإبراهيمي (أبو مهدي المهندس) الذي انفصل خلال العام 1982 مع مجموعة من الدعاة عن تنظيم الحزب حينما كان مقيماً في الكويت. وكذلك التحق بنواة «قوات بدر» مهدي عبد مهدي الذي سبق أن انفصل عن الحزب مع آخرين في العام 1982.

تجدر الإشارة إلى أن الانسحابات المذكورة من 7 إلى 12؛ لها علاقة بقناعات سياسية فكرية مستجدة للدعاة الخارجين على الحزب؛ تتركز حول منهجية العلاقة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية وتبني مبدأ ولاية الفقيه. ورافقت هذه القناعات تأثيرات العامل الخارجي المتمثل ببعض الأجهزة الثورية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتحديداً قوات الحرس الثوري.

13 – التصدع الذي نتج عن قرار مؤتمر الحوراء زينب الذي عقده حزب الدعوة في العام 1988 بحذف مادة «المجلس الفقهي» من النظام الداخلي للحزب، وهو المجلس الذي كان يرأسه آية الله السيد كاظم الحائري ومعه آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي (الناطق الرسمي) وآية الله الشيخ محمد علي التسخيري وآخرين. ونتج عنه اعتزال عدد من كوادر الحزب، وشكّل بعضهم «حزب الدعوة – المجلس الفقهي». ولم يكن في هذا التنظيم شخصيات قيادية؛ وما لبث أن انحل بالتدريج. وسبق لمؤتمر الزهراء الذي عقده حزب الدعوة في العام 1984 أن حذف منصب «فقيه الدعوة» من النظام الداخلي بعد قرار السيد كاظم الحائري الانسحاب من القيادة العامة ومن عضوية الحزب؛ لإن موقع الفقيه – كما يقول – يجب أن يكون فوق القيادة العامة وليس جزءاً منها. وإثر ذلك تم تشكيل «المجلس الفقهي» بشكل جديد (وكان يسمى منذ تشكيله في العام 1979 بمجلس الفقهاء)؛ تطويراً لأطروحة «فقيه الدعوة»؛ بهدف تكريس حالة الإشراف الشرعي على قرارات الحزب وعمله؛ وهو ما نص عليه التعديل الذي أجري في النظام الداخلي على مادة «فقيه الدعوة». وما لبث الخلاف أن دبّ بين رئيس المجلس الفقهي السيد كاظم الحائري والقيادة العامة في الفترة التي أعقبت تشكيل المجلس؛ فالسيد الحائري يرى أن المجلس الفقهي ليست مرجعية دينية يرجع إليه الحزب عند الحاجة للحكم والفتوى والإذن الشرعي؛ بل هو القيادة الحقيقية العليا للحزب، وأنها ولاية فقهية خاصة بحزب الدعوة؛ يستعاض بها عن إعمال الولي الفقيه العام لولايته؛ بسبب انشغاله بشؤون الأمة والدولة، وعدم إمكانية تفرغه لشؤون الحزب. ويقصد بالولي الفقيه العام قائد الجمهورية الإسلامية. بينما كانت القيادة العامة ترى أن المجلس الفقهي ليس ولاية فقهية؛ بل مرجعية فقهية يعود إليها الحزب ويحتكم إليها؛ بالنظر لوجود ولاية الفقيه العامة. وانتهى الخلاف إلى توقف المجلس عن أعماله، بسبب اعتراض السيد الحائري على طبيعة تعامل القيادة العامة مع المجلس الفقهي. ولحل هذا الخلاف؛ اقترح السيد الحائري والشيخ الآصفي ربط الحزب بقيادة الإمام الخميني مباشرة، وهو ما كانت ترغب فيه القيادة العامة أيضاً للتخلص من شبهة عدم إيمانها بولاية الفقيه ومن صعوبة تنظيم علاقتها بالمجلس الفقهي. وقد طرحت القيادة العامة هذا الموضوع على السيد أحمد الخميني (نجل الإمام الخميني) خلال لقائها به في العام 1985، ولكنه أكد لقيادة الحزب بأن الإمام الخميني لا يتدخل على هذا النحو، وأنه لا يعين ممثلين له في الأحزاب. واستمر الخلاف حتى إصدار مؤتمر حزب الدعوة قراره بحذف مادة المجلس الفقهي من النظام الداخلي، واستعاض عنه بهيئة علمائية شرعية.

14 – انسحاب بعض كوادر الحزب وأعضائه في العام 1991 على خلفية رؤاهم السياسية والفكرية الليبرالية المستجدة؛ ولاسيما المرتبطة باستقلال قرار حزب الدعوة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتكريس البعد الوطني فيه، والقبول بفكرة الديمقراطية. وانتهى الانشقاق إلى تأسيس «كوادر حزب الدعوة العراقي»؛ الذي كان محمد الشبوط أبرز الفاعلين فيه.

15 – انحلال تنظيم الحزب في أهوار العراق الجنوبية في العام 1992؛ بسبب شحة الدعم الذي كان يصل إليه، وهو تنظيم مسلح غالباً؛ موزع على لجنتين؛ إحداهما «لجنة الطف» التي كانت فاعلة داخل العراق قبل انحلالها. وكان أحد أبرز الفاعلين في تنظيم الأهوار زهير الوائلي؛ إضافة إلى أربعة آخرين كانوا النواة التي قررت تفجير الانتفاضة الشعبانية في آذار/ مارس من العام 1991، انطلاقاً من الناصرية وسوق الشيوخ والبصرة.

16 – تجميد الشيخ محمد مهدي الآصفي عضويته في قيادة «الدعوة» خلال العام 1998، ثم خروجه من الحزب نهائياً في العام 1999. وقد ظل الآصفي ناطقاَ رسمياً للحزب والقيادي الأبرز فيه طيلة ثمانية عشر عاماً (1980 – 1998). وكان وجوده المهيمن يماثل وجود عبد الصاحب دخيل قبل العام 1971، ومحمد هادي السبيتي قبل العام 1979، ثم الجعفري بعد العام 2001، والمالكي بعد العام 2007.

17 – الانشقاق العددي والنوعي الكبير؛ الذي بدأ بالتفاف عدد من كوادر الحزب؛ كالدكتور خضير الخزاعي وعبد الكريم العنزي والشيخ جميل الربيعي وحسن السعيد وآخرين؛ حول القياديين المخضرمين عبود الراضي والسيد هاشم الموسوي؛ على خلفية خلافات ذات طابع إجرائي. وحين بلغ الأمر حدود الانشقاق؛ انسحب القيادي عبود الراضي وكوادر آخرين من الحراك؛ لأنهم يقولون إنّ هدفهم هو تصحيح المسار وليس الانشقاق. واستمرت المجموعة المتبقية في مسعاها، والذي انتهى إلى عقد مؤتمر في مدينة قم الإيرانية تحت اسم مؤتمر الإمام الحسين في العام 1999؛ بعد أن التحق بهم عدد من الدعاة المنقطعين (أعضاء سابقون) وأسفر المؤتمر عن قيادة جديدة منفصلة على رأس تنظيم جديد حمل اسم (حزب الدعوة الإسلامية) أيضاً؛ مع تمييزه عن التنظيم الأم بعبارة «مؤتمر الإمام الحسين»، وسمي فيما بعد بـ«حزب الدعوة الإسلامية – تنظيم العراق»؛ الذي انتخب السيد هاشم الموسوي أميناً عاماً له بعد العام 2003، وهو قيادي مخضرم وأحد أبرز مفكري الحزب.

وليس لهذا الانشقاق أسباب فكرية أو سياسية؛ بل هو نموذج للانشقاق بسبب اختلاف الأمزجة وأساليب العمل، ولم يكن سيحصل في أي حزب آخر غير «الدعوة»؛ بل كان سيبقى خلافاً طبيعياً داخل الحزب الواحد.

18 – التصدع الذي تمخض عن نتائج مؤتمر حزب الدعوة في العام 2007، الذي تم فيه انتخاب قيادة جديدة، واستحداث منصب الأمين العام للحزب لأول مرة في تاريخه، وانتخاب نوري المالكي لشغله؛ بحصوله على أعلى الأصوات؛ بعد أن كان متوقعاً فوز الدكتور إبراهيم الجعفري بالمنصب؛ الأمر الذي أدى إلى خروج إبراهيم الجعفري ومعه عدد من كوادر الحزب؛ أبرزهم فالح الفياض، وبادر إلى تأسيس «تيار الإصلاح الوطني»، وأعلن عنه في العام 2009. وشغل الجعفري موقع رئيس التيار؛ بينما يعد الفياض أمينه العام.

19 – الانشقاق في «حزب الدعوة – تنظيم العراق»؛ بسبب الخلاف في الصلاحيات وأساليب العمل؛ أسفر عن انفصال عدد من كوادر التنظيم وأعضائه؛ يتزعمهم عبد الكريم العنزي، وعقدوا مؤتمراً أعلنوا فيه عن تأسيس «حزب الدعوة الإسلامية – تنظيم الداخل» في العام 2009.

20- التصدع الذي حصل في أعقاب مؤتمر الحزب في كربلاء في العام 2018، وأدى الى خروج عدد من القيادات التاريخية والكوادر المتقدمة في الحزب، أبرزهم: علي الأديب والدكتور حيدر العبادي والشيخ عبد الحليم الزهيري والدكتور طارق نجم والسيد علي العلاق والسيد محمود الميالي.

21- خروج عدد من كوادر وأعضاء حزب الدعوة الإسلامية -تنظيم العراق، وتأسيس تنظيم جديد، اسمه حزب الوارثون، في العام 2021، وانتخب حيدر الشحماني أميناً عاماً له.

وهناك تصدعات واصطفافات أخرى فردية وجماعية؛ أسس أعضاؤها جماعات تحمل اسم «الدعوة» أو أسماء أخرى؛ لم تشكل تيارات فكرية أو سياسية أو تنظيمية؛ بل سرعان ما انتهت، أو عاد أعضاؤها إلى التنظيم الأم.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment