محاور الخلاف والاتفاق بين الشيعة والسنة

Last Updated: 2024/04/26By

محاور الخلاف والاتفاق بين الشيعة والسنة

د. علي المؤمن

قبل الخوض في محاور الخلاف السني ــ الشيعي؛ نشير الى أن أحداث العصرين الأُموي والعباسي، ساهمت في بلورة مفهومي «الشيعة» و«السنة»، للدلالة على منظومتين مختلفتين، عقدياً وفقهياً، وسياسياً واجتماعياً، رغم أن تسميتي الشيعة والسنّة لا تعبران عن حقيقة علمية، فاستخدام المصطلحات والتسميات في تلك الحقبة، لم يكن واقعياً ومتجرداً، بل كان يخضع ـــ غالباً ـــ للمزاج الفكري والميل السياسي والتعصب الطائفي، فمصطلح «أهل السنة» أُريد منه أن الشيعة يرفضون السنّة النبوية، في حين أن الشيعة وهم يؤمنون بالسنّة كل الإيمان، يُعدّون من أهل السنّة أيضاً، كما لا تعني «الشيعة» أنهم شيعة علي فقط، وليسوا شيعة الرسول، ولا كما يقول النواصب بأن الشيعة شايعوا عليّاً، لأنهم يعتقدون أنّه أولى بالنبوة من الرسول. ثم أطلق مصطلح «الرافضة» أو «الروافض» على أتباع أهل البيت، فصار مرادفاً للشيعة، لأنهم رفضوا شرعية اعتبار أن يكون الإمام علي خليفة رابعاً، كما نسب الى الإمام زيد بن علي. وهكذا كان التلاعب بالألفاظ والمصطلحات جزافاً، يجر بالضرورة إلى أفكار وتصورات وأحكام تفرض على تلك المصطلحات بالقوة والفعل، وكان يراد بذلك تعميق الفرقة في صفوف المسلمين.

ولعل الاستخدام الأقرب إلى الواقع، هو إطلاق تسمية «مدرسة الخلفاء» على المدرسة الإسلامية التي تُعرف تاريخياً بأهل السنة، وإطلاق تسمية «مدرسة أهل البيت» على الشيعة.

ويمكن حصر محاور الخلاف بين الشيعة والسنة بستة محاور:

  • الإمامة والخلافة:

بدأ الخلاف بين المسلمين حول موضوع خلافة رسول الله فور وفاته، وهو أساس انشقاق المسلمين؛ فقد ذهبت جماعة من المسلمين الى اختيار أحد الصحابة قائداً للمسلمين وللدولة الإسلامية، خلفاً للنبي، وأطلقت عليه لقب “الخليفة”، وهي مدرسة الخلافة التي ـــ تلخصت فيما بعد ـــ  بمدرسة أهل السنة، بينما أصرت جماعة أخرى على النص النبوي في إمامة علي بن أبي طالب، ليس بوصفه الخلف السياسي للرسول وحسب، بل الديني والسياسي، لأن الإمام ــ في العقيدة الشيعية ــ هو امتداد ديني ودنيوي للنبي، وهي مدرسة الإمامة التي تلخصت بمدرسة الشيعة. وليس الخلاف هنا يتعلق بموضوع سياسي أو يتعلق بالسلطة، كما تذهب المدرسة السنية، بل هي قضية عقدية تتعلق بالتمسك بنص الرسول على علي وولده كأئمة للمسلمين من بعده، وبالتالي؛ فالخلافة عند السنة هي موضوع سياسي وزمني، وعند الشيعة موضوع عقدي.

ويضع الشيعة شروطاً أساسية ينبغي توافرها في إمام المسلمين، أهمها: النص والأعلمية والعدالة، في حياة الأئمة الإثني عشر، ثم الفقاهة والعدالة والكفاءة بعد نهاية عصرهم، وهي الشروط التي لا يراها أهل السنة إلزامية في خليفة رسول الله، بل يرتضون بالسلطان الذي يأتي بالوراثة (ولاية العهد) أو بالحرب والانقلاب (الغلبة) أو الانتخاب الخاص (الشورى الخاصة)، أو الوصية من الخليفة الذي يسبقه، وإن كان هذا السلطان فاقداً لكل شروط الأهلية لهذا المنصب الخطير، ومثال ذلك سلاطين الأمويين والعباسيين والعثمانيين.

  • أصول الدين:

وهي الإطار النظري العقدي للخلاف بين السنة والشيعة، فالشيعة يضعون الإمامة أصلاً من أصول الدين، إضافة الى التوحيد والعدل والنبوة والمعاد، والسنة يكتفون بثلاثة أصول هي التوحيد والنبوة والمعاد. ويذهب الشيعة الى أن عدم الإيمان بأصل الإمامة لا يخرج المسلم من ملة الإسلام، ولذلك؛ قالوا بأن العدل والإمامة هما من أصول المذهب. ويترتب على أصل الإمامة عند الشيعة كثير من القضايا العملية، كونه امتداد ديني لأصل النبوة، ويكتمل الإيمان به، وأهمها الاعتقاد بإمامة علي وولده الأحد عشر، بالنص والاسم، وكونهم أصحاب الحق بقيادة المسلمين الدينية والسياسية وبرئاسة الدولة الإسلامية، وكذلك بعصمة هؤلاء الأئمة ومنزلتهم التشريعية والتكوينية الخاصة.

  • فروع الدين:

وهي الخلافات المرتبطة بمجال العبادات والمعاملات، فالمسلمون يتفقون على الصلوات الخمس بالكيفية نفسها، والاتجاه خلالها نحو الكعبة في مكة، وصوم شهر رمضان، والزكاة، والحج الى بيت الله، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنهم يختلفون في تشريع الخمس، الذي يحصره أهل السنة في غنائم الحرب في عصر الرسول، بينما يعده الشيعة فرعاً مستمراً لما بعد عصر الرسول، وشاملاً لكل الأرباح، شأنه شان الزكاة. وهناك أيضاً فرعان يعدهما الشيعة من فروع المذهب، هما الولاء لأهل البيت والبراءة من أعدائهم، وهما التشريعات المتفرعان عن أصل الإمامة.

ويتفق الشيعة والسنة على أن من أنكر أصلاً أو فرعاً ثبت بضرورة الشريعة، أنه ليس مسلماً، وكذا من استحل إحدى المحرمات الأساس، كمعظم النجاسات، ومنها الخمر، والفقاع، والخنزير، والميسر، والزنا، والسرقة، والكذب، والقتل – دون حق – وغيرها، فهو غير مسلم، وينبغي الإشارة إلى أن الإنكار والإجحاد يختلفان عن المعصية، فالمعصية، وإن اختلف علماء العقيدة في نوعها وحجمها، لا تستوجب الكفر والخروج عن ملة الإسلام.

  • أصول التشريع والاجتهاد:

يتفق المسلمون، سنة وشيعة، على أن القرآن الكريم هو المصدر الأول في التشريع، وهو القرآن الموجود بين أيدينا الآن، دون زيادة ولا نقصان، مع وجود اختلافات حول تفسير بعض آياته وأسباب نزوله، كما يتقفون على أن السنة النبوية هي المصدر الثاني في التشريع، لكنهم يختلفون في رواة السنة النبوية وأسانيدها وطرق ثبوتها، فأهل السنة يأخذون الحديث من طريق الصحابة، بينما يقصر الشيعة الرواية على أئمة آل البيت، كما يعد الشيعة سنة أئمة آل البيت امتداداً لسنة الرسول، ولذلك؛ فإنهم يضعونها جزءاً من أصل التشريع الثاني. أما الأصل الثالث، أي الإجماع، فهناك اتفاق حوله، لكن الشيعة يشترطون أن يكون كاشفاً لرأي الإمام.

ويضع أهل السنة مصادر أخرى، كالقياس والاستحسان وسنة الصحابي، بينما يرفضها الشيعة، ويضعون العقل مصدراً رابعاً للتشريع، أو بمعنى أدق مصدراً كاشفاً عن رأي الشريعة، وليس مصدراً مستقلاً للتشريع. كما لا يأخذ الشيعة بسير الصحابة كمصدر تشريعي، ويعدونها سيراً شخصية متعارضة، ولا يمكن أن تكون جزءاً من الدين،

  • السياسة والتاريخ:

يختلف السنة والشيعة في النظر الى كثير من الأحداث والوقائع التي حفل بها تاريخ المسلمين، وأبرزها الخلاف حول سلوكيات بعض الصحابة، ولا يعدونهم جميعاً عدولاً، بل رجال أصابوا وأخطأوا، بل تقاتلوا، وفسّقوا بعضهم، وكذلك شرعية وسلوكيات السلاطين الأمويين والعباسيين، فأهل السنة يعتقدون بشرعية هؤلاء السلاطين، ويعدونهم خلفاء لرسول الله، ويمتدحونهم، بينما يرفض الشيعة أن يكون هؤلاء خلفاء لرسول الله، لأنهم يفتقدون الى أدنى شروط الأهلية لتمثيل الإسلام وقيادة المسلمين، بل أنهم اغتصبوا حق أهل البيت في خلافة رسول الله، وقد قتلوا الأئمة وذراريهم وشيعتهم، وارتكبوا كل أنواع الموبقات، وحرفوا مسار المسلمين عن خط الإسلام الأصيل.

  • الاجتماع الديني والسياسي:

وهو الخلاف الذي يدخل في إطار شكل المؤسسة الدينية الاجتماعية لكل من السنة والشيعة وجوهرها، فالمؤسسة الدينية عند أهل السنة، بمحديثها وعلماء كلامها وفقهائها ومفتيها ومبلغيها ودعاتها، هي جزء من الدولة، أو بكلمة أدق جزء من سلطة الخليفة. كما أن الاجتماع السياسي الرسمي لأهل السنة هو جزء من الدولة. أما عند الشيعة، فإن الاجتماع الديني والسياسي هو مستقل تماماً عن الدولة، ويرتبط بالإمام مباشرة، أو بنائب الإمام (الفقيه) بعد عصر الأئمة، وينسحب هذا على القوام المالي للمؤسسة الدينية الاجتماعية، فهو عند أهل السنة يعتمد على الميزانية التي يضعها السلطان، وإن علماء الدين السنة يعتمدون عطاء الخليفة في حياتهم المعيشية، وهو ما يجعلهم موظفون عند السلطان، بينما تعتمد المؤسسة الدينية الاجتماعية الشيعية على مصادر مالية مستقلة عن الدولة بالكامل، وأهمها الخمس وغيره من الحقوق الشرعية والتبرعات.

وينبغي عدم التعامل مع قضايا الخلاف أعلاه تعاملاً سطحياً وعاطفياً وانفعالياً، وعدم فرض معايير المصالح السياسية والاجتماعية عليها، وخاصة القضايا ذات العلاقة بالشأن العقدي، لأن التعامل العاطفي الانفعالي أو التعامل المصلحي يُنتجان إفراطاً وتفريطاً، أو تعصباً وانغلاقاً من جهة، وانفلاتاً وعدم اكتراث من جهة أخرى، والحال؛ أن النظرة الصحيحة لهذه الخلافات هي المرنة المعتدلة الواقعية، التي تعطي الأمور حقها، دون زيادة وتهويل أو نقصان وتهزيل.

ولعل من الأمور التي يتعامل فيها بعض الشيعة والسنة تعاملاً سطحياً عاطفياً، هي قضية العلاقة بآل البيت؛ فهذا البعض يردد بأن السنة يحبون آل البيت أيضاً، وأن التاريخ يشهد بذلك، وبالتالي؛ لا فرق في محبة آل البيت بين السنة والشيعة، والحال؛ أن الفرق في هذا المجال جوهري وعميق. صحيح أن السنة والشيعة (وليس منها النواصب) يشتركون في حب آل البيت وإجلالهم واحترامهم، إلّا أنّ طبيعة هذا الحب تختلف اختلافاً جوهرياً بين الطرفين؛ فحب السني لآل البيت منشؤه العاطفة، بينما حب الشيعي لآل البيت قاعدته الولاء، وهو الفرق بين الحب العاطفي وبين الولاء والانتماء؛ فحين يتغنى السني بالإمام علي والزهراء والحسن والحسين، ويحترم الأئمة الأطهار؛ فإنه يعبّر عن حب مجرد من الولاء والانتماء العقدي والفقهي، وقد يصل حبه لهم مستوى الدعم السياسي، كما حصل في حقب تاريخية كثيرة، لكنه دعم غير مقترن بالانتماء، بل مقترن بتحسس مظلوميتهم وحقانيتهم الشخصية؛ إذ أن عقيدة أهل السنة تفرص على السني أن يجمع بين محبة أهل البيت ومحبة خصومهم وأعدائهم وقاتليهم، لأنها عقيدة قائمة على قاعدة الجمع بين حب آل البيت، وحب جميع الصحابة والخلفاء والسلاطين الأمويين والعباسيين والأيوبيين، وإن كانوا متخاصمين، وقد قتل بعضهم الآخر، وانحرف قسم منهم عن جادة العقيدة والسلوك الديني، وخرج قسم آخر على خليفة رسول الله الإمام علي وقاتلوه.

وهذا الجمع، عند السني، في الحب بين المتناقضين والمتعارضين، لا يعني أنه يوالي آل البيت والصحابة معاً وبالمستوى نفسه، بل أنه يحب آل البيت وأئمتهم، لكنه في الجانب العقدي والفقهي والسياسي، يتبع ويوالي الخلفاء والسلاطين والمحدثين والمتكلمين والفقهاء الذين يقفون في الجهة المقابلة لأئمة آل البيت، وهي تبعية تصل الى حد التقديس. ورغم أن السني يعترف – غالباً – بأن طريق آل البيت هو الأقرب الى رسول الله، لكنه – في الوقت نفسه – يأخذ حديثه من أبي هريرة والبخاري ومسلم، كما يأخذ عقيدته من الأشعري، وفقهه من مالك وأبي حنيفة والشافعي وابن حنبل، ولا يأخذها من الباقر والصادق، وهو تعارض تسمح به العقيدة السنية كما ذكرنا. أما الشيعي؛ فحبه لأهل البيت قائم على أساس عقدي وليس عاطفي وحسب، وهو أساس يفرض على الشيعي أن يتبع أئمة آل البيت في الحديث والعقيدة والفقه والسيرة والسياسة. كما أن عقيدة التشيع لا تسمح للشيعي أن يجمع بين الولاء لآل البيت وبين حب خصومهم وأعدائهم وقاتليهم، بل يفرض عليه، هذا الولاء العقدي الشامل، البراءة من أعدائهم.

وحتى في الاجتماع السياسي والديني؛ فإن العقيدة السنية لا ترى تعارضاً بين أن يكون السني محباً لآل البيت ومتعاطفاً معهم ومع مظلوميتهم، وبين أن يكون منتمياً وموالياً للاجتماع السياسي والديني للأنظمة الأموية والعباسية والأيوبية والعثمانية والسعودية والبعثية التي ذبحت أئمة آل البيت وذراريهم وشيعتهم، لأن الفقه السياسي السني لديه التكييفات الشرعية والعقلية التي تفرض على السني القبول بهذا التناقض.

ما أود قوله في هذا المجال؛ إن المصالح الشخصية والسياسية والاجتماعية ينبغي ألّا تدخل في حرف الثوابت العقدية والفقهية؛ فالشيعة والسنة أخوان في الدين والأوطان والجغرافيا والمصالح، والخلاف بينهم في الجانب العقدي والفقهي خلاف مقبول ومحترم، ولكن ينبغي عدم تكييف هذا الخلاف على أساس المصالح، كما ينبغي ألّا يتحول الى مادة للصراع السياسي والمجتمعي، وهو اختلاف وتعدد لا يخرج أياً من المدرستين عن الإطار العام للإسلام وشرعه، كما يقول أبو الحسن الأشعري ((اختلف الناس بعد نبيهم على أشياء كثيرة، ضلّل بعضهم بعضا، وبرّأ بعضهم من بعض؛ فصاروا فرقاً متباينين وأحزاباً متشتتين، إلّا أنّ الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم))؛ بالرغم من المحاولات الحثيثة والمستمرة التي ظلّت بعض التيارات التكفيرية تمارسها من أجل إخراج هذه المدرسة أو تلك عن دائرة الإسلام، تمهيداً لاستئصالها عبر فتاوى إهدار الدم واستباحة الأعراض والأموال، بدلاً من الحوار ومحاولات تقنين الخلاف كلون من ألوان الاعتراف المتبادل بأحقية كل طرف في الاحتفاظ بأحكامه وقضاياه التي يختلف فيها مع الآخر، دون أن يؤدي ذلك إلى الإلغاء والإقصاء والتكفير.

وقد ساهمت السلطات غالباً في دعم تيارات الإقصاء والتكفير بأسباب القوة؛ لتحقيق أهداف سياسية، في مقدمها استئصال المعارضة التي تمثلها الطائفة المختلفة معها مذهبياً، وبذلك؛ تلتقي التيارات التكفيرية مع السلطة عند مصلحة مشتركة عنوانها القضاء على الآخر المذهبي، فقد ظل أتباع أهل البيت الأكثر عرضةً لأشكال الاصطفاف هذه، والتي تستغل الخلاف الكلامي والفقهي والتاريخي لشن حملات التكفير وإهدار الدم؛ الأمر الذي أدى إلى استئصال المجتمعات والكيانات الشيعية استئصالاً كاملاً في كثير من مناطق العالم الإسلامي، كشمال إفريقيا ومصر ومعظم تركيا وبلاد الشام، بالرغم من أنهم كانوا يمثّلون وجودات غاية في القوة وسعة الانتشار.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment