محاور التعارض بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي

Last Updated: 2024/04/26By

محاور التعارض بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي

د. علي المؤمن

تقتصر المقارنة التي نحن بصددها، على النظام السياسي الإسلامي، ولا يتجاوزه إلى الإسلام كدين يستوعب كل مجالات حياة الفرد والمجتمع، على اعتبار أن الديمقراطية هي – بالأساس – مذهب ونظام سياسي، ومن هنا لا يمكن إقحام الدين في مقارنة مع مذهب سياسي. كما ستقتصر المقارنة على الديمقراطية كتجربة إنسانية لها تطبيقاتها في بعض الدول الغربية، تحديداً. مع التأكيد على البعد الإنساني في تجربة النظام الإسلامي، دون التشديد على الجذور النظرية للتطبيق. ومن هنا، ستكون المقارنة بين تجربتين إنسانيتين، فيما لهما وما عليهما، أين تفترقان وأين تلتقيان، دون أن تكون إحداهما معياراً لصحة الأخرى أو خطئها. هذه الفرضية ستحل إشكالاً أساسياً يطرحه سؤال: من يمثل النظام الديمقراطي على الأرض؟ فالممارسات الخاطئة التي ارتكبتها أو ترتكبها الأنظمة السياسية التي تنتسب إلى الديمقراطية، شوّهت صورة الديمقراطية، وجعلت العثور على النموذج الحقيقي لها أمراً صعباً، فمعظم انتهاكات الحقوق والحرية كانت لا تزال تحصل باسم الديمقراطية ودفاعاً عن الحريات، وكذلك، إن الممارسات الخاطئة للأنظمة التاريخية والمعاصرة التي تنتسب إلى الإسلام، ظلت تحصل – غالباً – باسم الإسلام ودفاعاً عن شريعته.

وفيما يتعلق بمساحات التعارض بين النظامين الإسلامي والديمقراطي؛ هناك مساحات أساسية ترتبط بالأسس الفكرية والنظرية، وما يترتب عليها في البعد التطبيقي، وفي مقدّمها بشرية النظام الديمقراطي في مرجعيته ومصادره وفكره، في حين أن مرجعية النظام الإسلامي ومصادره الأساسية دينية مقدسة. ومن هذا الفارق تتفرع فوارق أخرى، كالأهداف والمقاصد، ومصدر الحاكمية والمشروعية، ومصادر التشريع والتقنين، ودور الدين في النظامين، ومحور السلطة في النظامين، ونتوقف هنا عند هذه المساحات في إطار ثلاثة محاور رئيسة:

1 – الأهداف والمقاصد:

يحدد النظام الديمقراطي أهدافه ومقاصده في إطار مرجعية بشرية بحتة – كما سبق – ومن هنا فإن هذه الأهداف والمقاصد تقتصر على تحقيق غايات دنيوية مادية، أبرزها منح الشعب حقه في السيادة على نفسه من خلال سيطرة الأغلبية على مقاليد السلطة، وبذلك يضمن الشعب حريته السياسية وحقوقه في التعبير عن إرادته ورأيه. وبكلمة أوضح؛ فإن مقاصد النظام الديمقراطي لا تتعدى حدود السياسة والسلطة. وتسوّغ الديمقراطية كل الوسائل والأساليب للجماعات المتنافسة؛ للوصول، دون تقييدها بضوابط روحية (دينية) أو أخلاقية؛ لأن الديمقراطية غير معنية أساساً بالجوانب الروحية أو الأخلاقية، فهي وليدة التقاليد السياسية الغربية التي ترعرعت في حضن «البراغماتية» وسياسة السوق والصراع مع التقاليد الدينية، وينسحب ذلك على كل مقومات الديمقراطية، بما فيها الأبعاد النظرية (الفلسفية والفكرية) والأبعاد العملية والتطبيقية (الآليات والوسائل). وبالتالي من الصعوبة البالغة تطبيق الديمقراطية في إطار حكم ديني، لأن مقوماتها لا يمكن أن تأخذ موقعها الطبيعي إلا في ظل حكم علماني رأسمالي ليبرالي.

أما النظام الإسلامي؛ فهو نظام ديني ولا ينفصل عن الدين في رؤيته الكونية ومرجعيته وأهدافه ومقاصده، وهذه الأهداف والمقاصد تتسع لشؤون الدنيا والآخرة أي إن غايات النظام الإسلامي دنيوية، تسعى لخير الإنسان وسعادته، وتحقيق أمنه وحريته، وبناء حياته المادية كما هي أخروية، تسعى لتطبيق أحكام شريعة الله في البعد الاجتماعي الذي يعبّد للمجتمع طريق الوصول إلى الله تعالى، سواء في مجال العبادات أو العقود أو الحدود وغيرها. ولا تنحصر أهداف النظام الإسلامي في موضوع السياسة والسلطة؛ بل تشتمل على كل مجالات الحياة الأخرى. وفي الموضوع السياسي فإن السلطة في النظام الإسلامي مجرد أداة ووسيلة لتحقيق أهدافه الدنيوية والدينية، ولا تعد هدفاً بذاتها، وبالتالي فالعمل السياسي في إطار النظام الإسلامي له ضوابط روحية وأخلاقية، تكون فيه السلطة مسؤولية كبرى أمام الله، تترشح عن دورها في رعاية مصالح الناس وشؤونهم، كما هي أمانة إلهية يعبّر من خلالها الإنسان عن حقيقة استخلافه على الأرض.

2 – السيادة والحاكمية والمشروعية:

إن استخدام الفكر السياسي الإسلامي لبعض المصطلحات التي أفرزها الفكر السياسي الوضعي، كالسيادة والمشروعية وحاكمية الأمة وغيرها، فيه الكثير من التسامح؛ ورغم الاستخدام المشترك لهذه المصطلحات، إلا أن المفهوم الإسلامي لكل منها يختلف بنسب معينة عن مفهوم الفكر السياسي الوضعي لها. فالسيادة أو الحاكمية في المفهوم الإسلامي هي للَّه تعالى بالمطلق، ويُصطلح عليها الولاية، وهي على قسمين: تكوينية وتشريعية. الولاية التكوينية تتجسد في سيادة الله تعالى على الكون أو على عالم الخلقة أجمع. والولاية التشريعية تعني سيادة الله تعالى وولايته على الإنسان وعمله، وتتجلى في التشريع، وينفذها الإنسان من خلال ولايته النسبية على عمله ومصيره، وهذه الولاية النسبية مصدرها ولاية الله تعالى. وبالتالي فالسيادة العليا المطلقة هي للَّه تعالى، والسيادة الأرضية النسبية هي للإنسان المستخلف. وصاحب السيادة المطلقة، أي الله، هو مصدر سيادة الإنسان الخليفة، وسيادة الدولة الإسلامية، ومصدر شرعية الحكومة الإسلامية وشرعية رئيسها، أي إنه مصدر السلطات جميعاً.

وولاية الفقيه في النظام السياسي الإسلامي الحديث تعد امتداداً لولاية الرسول، عبر ولاية الإمام، كما في الفكر السياسي لمدرسة أهل البيت. وولاية الرسول تستمد شرعيتها من ولاية الله تعالى. وبذلك يمنح الولي الفقيه النظام الإسلامي الشرعية، ويترأسه في الوقت نفسه؛ لأنه يمثل الشريعة من جهة والأمة من جهة أخرى. والشريعة في عصر غيبة الإمام المعصوم هي السيد المباشر في النظام الإسلامي. والولاية هنا، تعني إمامة الأمة وقيادة النظام الإسلامي ورئاسة الدولة الإسلامية، وتكتسب شرعيتها (الدينية) من كونها امتداداً للإمام المعصوم، كما تكتسب مشروعيتها (القانونية) من قبول الأمة لها، عبر أشكال البيعة المختلفة. ويتمثل دور الأمة بتفعيل ولاية الفقيه، أي إنها من خلال بيعتها وطاعتها للفقيه الذي تختاره، تعمل على تحويل ولايته من القوة إلى الفعل، أي إنها لا تمنحه الشرعية، فهي ليست مصدر سيادة الدولة والنظام، لأنها لا تمتلك السيادة. ومن هنا فمسار السيادة والحاكمية في النظام الإسلامي يبدأ من الأعلى.

والمشروعية في الفكر السياسي مصطلح قانوني، يمثل إفرازاً للسيادة والحاكمية، بمعنى أن من له السيادة والحاكمية هو الذي يمنح النظام أو الحكومة المشروعية. وفي الفكر السياسي الوضعي يكاد مفهوم المشروعية يرادف مفهوم الشرعية، فالشرعية هي نتيجة أن يكون الأمر مشروعاً. ويقسم بعض الباحثين المشروعية إلى قسمين: مشروعية معتادة ومشروعية عليا، وتختص الأولى بالمشروعية الأرضية التي يصطنعها الإنسان، كما هو الحال مع الفكر الديمقراطي الذي يقرر بأن الشعب السيد هو الذي يمنح الحاكم المشروعية من خلال انتخابه له. وهو ما تلخصه نظرية العقد الاجتماعي الذي يمنح الحاكم المشروعية من خلال انتخابه له. وهو ما تلخصه عن جزء من حريته وحقه كسيد وحاكم لمصلحة فرد آخر يختاره مع مجموع أفراد المجتمع، ليعبّر عن إرادته وسلطته؛ وبالتالي، فإن التنازل عن ذلك الجزء سيضمن للفرد التمتع ببقية ما احتفظ به من الحرية والسيادة. وانتقل الفكر الديمقراطي الليبرالي فيما بعد إلى إيجاد مشروعية عليا مصطنعة، أيضاً، تستمد روحها من المشروعية المعتادة، وتلك المشروعية العليا تعبّر عن مبادئ وقيم نظرية، مثل: حقوق الإنسان أو المبادئ العليا للقانون أو القانون الطبيعي، كمدخل للمشروعية المعتادة التي تمثل الجانب العملي أو التطبيقي. وقد جاءت المشروعية الديمقراطية نقيضاً للمشروعيات التقليدية، كالوراثة والطبقة والجنس والغلبة والقوة والكاريزما وغيرها.

وهناك فرق شكلي بين أنواع الديمقراطية في موضوع السيادة، فالديمقراطية المباشرة تذهب إلى أن مشروعية السلطات في الدولة نابعة من سيادة الشعب بأجمعه ومن الحق المطلق لأفراده – دون استثناء – في تقرير مصيرهم. أما الديمقراطية غير المباشرة أو الديمقراطية النيابية، فتذهب إلى أن مشروعية السلطات في الدولة مصدرها أصوات أكثرية الشعب، ومن خلال وكلاء الشعب، سواء من البرلمان أو الحكومة.

وفي الفكر السياسي الإسلامي الحديث يتميز مفهوم الشرعية بطبيعته الدينية، فالشرعية نسبة إلى الشرع والشريعة، وهي تمنح الدولة والحكومة صفة الشرعية الدينية، وكونها مقبولة دينياً، بينما تختص المشروعية بالبعد القانوني، أي إنها تمنح الدولة والحكومة الصفة القانونية والدستورية. ومن هنا فالنظام السياسي الإسلامي الحديث يتمتع بكلا الصفتين: الشرعية والمشروعية، والثانية تكمّل الأولى وتفعّلها؛ لأنها ترتبط بموقف الأمة ورضاها.

ويلخّص الإمام محمد باقر الصدر (1935 – 1980) الفارق بين النظامين الإسلامي والديمقراطي في موضوع السيادة بقوله: يطرح النظام الإسلامي «شكلاً للحكم يحتوي على كل النقاط الإيجابية في النظام الديمقراطي مع فوارق تزيد الشكل موضوعية وضماناً لعدم الانحراف، فالأمة هي مصدر السيادة في النظام الديمقراطي، وهي محط المسؤولية أمام الله تعالى في النظام الإسلامي، والدستور كله من صنع الإنسان في النظام الديمقراطي، ويُمثل على أفضل تقدير في لحظات مثالية تحكّم الأكثرية في الأقلية، بينما تمثل الأجزاء الثابتة من الدستور شريعة الله وعدالته التي تضمن موضوعية الدستور وعدم تحيزه».

3 – التشريع والتقنين:

التشريع في الحكومة الإسلامية ليس تشريعاً بالمعنى الوضعي المتداول، ولا هو تقنين بالمطلق. فالتقنين أو التشريع – مجازاً – في الحكومة الإسلامية مقيد بقوانين الإسلام وموازينه المستخرجة من القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ لأنهما مرجعية التقنين في النظام الإسلامي. والله تعالى – في إطار ولايته التشريعية – هو المشرّع، فيكون مجرى التقنين في النظام الإسلامي منطلقاً من الشريعة الإسلامية فقط، من خلال نواب الأمة (مجلس الشورى المنتخب شعبياً) بإشراف مباشر من الولي الفقيه. وتتم عملية التقنين أو التشريع هذه على النحو التالي:

أولاً: إن الأحكام الشرعية الثابتة المستخرجة من النص المقدس وبوضوح فقهي تام، تعد جزءاً ثابتاً في قوانين النظام الإسلامي وفي وثيقة الدستور.

ثانياً: في الأحكام الشرعية التي فيها أكثر من موقف اجتهادي فقهي، تسن القوانين في إطار الموقف الاجتهادي للولي الفقيه (الحاكم)، أو الموقف الذي يراه الأصلح للأمة، وإن لم يوافق اجتهاده، لأنه مستنبط عبر عملية الاجتهاد ويحقق مصلحة أكبر للأمة.

ثالثاً: في حال عدم وجود موقف حاسم للشريعة من تحريم ووجوب، فإن الشريعة فوّضت الإنسان اتخاذ الموقف الذي لا يتعارض والشريعة وينسجم مع روحها، وهو ما يمكن أن يصطلح عليه بـ«التفويض التشريعي» في المساحة التي يسميها الإمام الصدر بـ«منطقة الفراغ». وحصر النظام الإسلامي هذه المهمة في نواب الأمة (مجلس الشورى المنتخب شعبياً)، الذين يسنون القوانين ويصدرون القرارات التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ووثيقة الدستور والموقف الاجتهادي للولي الفقيه (القائد)، أو الموقف الاجتهادي الذي يرى فيه مصلحة أكبر للأمة.

ومن هنا، فالممارسة التشريعية لمجلس الشورى (السلطة التشريعية) تدخل في إطار البنود الثلاثة السابقة، والتي تتلخص في تحويل الأحكام الشرعية الثابتة إلى قوانين وقرارات رسمية، وهي مهمة تقنينية، وكذلك تحديد الموقف القانوني من الأحكام الشرعية التي فيها أكثر من موقف اجتهادي، وأخيراً ممارسة التشريع في إطار التفويض التشريعي في المنطقة المرخّص بها للإنسان. كما يمارس الفقيه الحاكم دوره في الإشراف على شرعية قوانين مجلس الشورى وقراراته

وقد وضع النظام هذه القيود لعملية التشريع؛ بهدف ضبطها وترشيدها، أي بمعنى الحيلولة دون فتح أبواب التشريع للإنسان دون محددات وقيود تفرضها الشريعة الإسلامية، فمرجعية التشريع في النظام الإسلامي ليست أكثرية أصوات الشعب؛ بل أحكام الشريعة الإسلامية، فأكثرية أصوات الشعب ليس بإمكانها تعيين حدود الحلال والحرام، ولا جعل حكم محرم حلالاً أو جعل حكم حلال محرماً، ولا تغيير مسار النظام الإسلامي باتجاه يتعارض والقيم الإسلامية والأخلاقية، ومقاصد العقيدة والشريعة، ولا انتخاب أشخاص – لأي من سلطات النظام – غير مؤهلين إسلامياً من الناحيتين الفكرية والسلوكية أو يعملون بخلاف أسس النظام وأهدافه. ومن هنا؛ فإن استخدام النظام الإسلامي لأسلوب اتباع رأي أكثرية الشعب في انتخاب أعضاء مجلس الشورى الإسلامي، ثم اتباع مجلس الشورى الأسلوب نفسه في إقرار القوانين والتشريعات، إنما هو ضرورة تنظيمية تمليها متطلبات العصر والمصلحة في دفع الأمة لممارسة دورها في حركة النظام الإسلامي، وهو ما يعبّر عنه الفقيه السيد كاظم الحائري بقوله: «الإسلام هو مشرّع القوانين الأساسية، والفقيه هو الذي يملأ منطقة الفراغ أو يعيّن من يملأها. نعم قد تستدعي المصلحة أن يعمل الفقيه بأسلوب التصويت في منطقة الفراع». أو كما يذهب الفقيه الشيخ محمد عبده (1849 – 1905): «واشترطوا على عدم خطأ الأمة وجود المجتهدين لدفع الخطأ، فهم يجيزون خطأ الأمة كلها إذا خليت من المجتهدين». فاحتمال إقرار أكثرية نواب الشعب لقانون يعارض أحكام الشريعة الإسلامية، بسبب عدم التخصص، يضع الفقهاء أمام مسؤولياتهم الشرعية، هذه المسؤولية التي حوّلها النظام السياسي الإسلامي الحديث إلى أدوات عمل مؤسساتي من خلال الفقيه الحاكم وعبر الأعضاء الفقهاء في مجلس صيانة الدستور.

وضوابط تطبيق المصلحة في التشريع، والتي تؤدي إلى إصدار التشريعات في إطار قواعد الأحكام الثانوية أو الضرورة وغيرها، تخضع لمقاصد وغايات النظام ومصلحة الأمة العليا، وبهدف صيانة الشريعة والنظام والأمة معاً، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تعارض المصلحة مع النصوص الشرعية الثابتة، وبالتالي فهي تدخل في صميم عملية التفويض التشريعي ومنطقة الفراغ.

وعلى الطرف الآخر، فإن قضية التشريع في النظام الديمقراطي مختلفة تماماً من الناحية النظرية، ومختلفة إلى حد كبير من الناحية العملية، فالتشريع في النظام الديمقراطي هو لنواب الشعب على نحو مطلق، أو هكذا يقال نظرياً على الأقل، دون وجود مرجعية حقيقية، سوى المرجعية البشرية المحضة المتمثلة بالضوابط والقيم العامة التي حددها مفكرو الديمقراطية ودستور الدولة، فضلاَ عن مرجعية مؤسساتية لها الحق في النظر في تشريعات مجلس النواب، كالمحكمة الدستورية أو المجلس الدستوري أو مجلس الدولة، إضافة إلى بعض الدول التي تعتمد نظام المجلسين (النواب والشيوخ). ومن جملة مبرّرات وجود مثل هذه المرجعيات المؤسساتية.

1 – الحيلولة دون استبداد البرلمان بتشريعاته.

2 – الحيلولة دون الاستخدام التعسفي لتشريعاته في مواجهة السلطة التنفيذية.

3 – الحيلولة دون تسرّعه في إصدار التشريعات.

4 – دفعه لرفع مستوى أدائه وكفاءته.

ودستور الدولة هو الكفيل بحل الإشكالات والخلافات التي تنشأ بين هذه المؤسسات. ومن الناحية العملية فإن المشرّعين (نواب الشعب) يقومون بتحقيق برامج الأحزاب والجماعات التي ينتمون إليها من خلال ما يصدرونه من تشريعات، أو بالأحرى تنفيذ برنامج الحزب الذي يتمتع بالأكثرية البرلمانية، ويتم ذلك في إطار المصلحة العليا، أي إن الاتجاه العام لهذه التشريعات تحدده مصالح أكثرية الشعب، وإن اصطدم ذلك بضابط قيمي وأخلاقي، عدا الدستور.

وتنحصر مصادر القانون الدستوري في الأنظمة الديمقراطية – عادة – في: الدستور، تشريعات البرلمان، وعموم القوانين العادية، وقرارات رئيس الدولة، والعرف والتقاليد الاجتماعية، إضافة إلى نظريات ورؤى مفكري الديمقراطية، وجميعها مصادر وضعية بشرية. أما مصادر القانون الدستوري في النظام الإسلامي فتنقسم إلى:

1 – مصادر مقدسة: القرآن والسنة الشريفة.

2 – مصادر تستند إلى المصادر المقدسة: الدستور وقرارات الولي الفقيه وأحكامه وقوانين مجلس الشورى الإسلامي وقراراته، وتستنبط هذه المصادر موادها وأحكامها من المصادر المقدسة عبر عملية الاجتهاد.

3 – المصادر الوضعية المقبولة شرعاً: العرف والتقاليد الاجتماعية.

ومن خلال ما سبق نجد أن عملية التشريع أو التقنين في النظام الإسلامي تنفتح على كل مجالات الحياة، كما تنفتح على كل القواعد الفقهية التي تسهل عصرنة النظام وتحديث أدواته.

4 – مواصفات الحاكم ومدخلية الدين:

يتدخل الدين في كل جوانب حركة النظام السياسي الإسلامي، وفي صياغة مضامينه وشكله ومؤسساته، وفي شروط من يمارس السلطة وصلاحياته. فرئيس الدولة (الفقيه الحاكم) تحدد له الشريعة الإسلامية موقعه ومواصفاته وصلاحياته، وتتدخل إرادة الإنسان – في ذلك – في حدود استنباط مواصفات هذا الموقع وصلاحياته من الأصول الإسلامية، ثم تقنينه دستورياً؛ وبالتالي اكتشاف الشخص الذي تنطبق عليه المواصفات.

وكان الإمام الخميني أبرز فقيه معاصر، بلور معظم ما يتعلق بهذا الموقع وبنى نظريته السياسية الإسلامية في إطاره. يقول الإمام الخميني: «الشروط التي ينبغي توافرها في الحاكم نابعة من طبيعة الحكومة الإسلامية». ويذكر شرطين مهمين لهذا الحاكم، هما: العلم بالقانون الإسلامي والعدالة، أي أن يكون فقيهاً وعادلاً، وعدّ الشرطين من أهم أركان الإمامة. وهذان الشرطان يتفق عليهما معظم فقهاء السنة والشيعة، من السلف والمعاصرين، إذ يقول الفقيه السوري الشيخ وهبة الزحيلي بأن من شروط الإمام: «الكفاية العلمية، بأن يكون من العلم ما يؤدي به إلى الاجتهاد فيما يطرأ من نوازل وأحداث، أو يستنبط من أحكام شرعية وغيرها من أحوال السياسة الشرعية. وهذا الشرط متفق عليه بين العلماء».

ومساحة ولاية الفقيه الحاكم في أمور المجتمع – كما يذكر الإمام الخميني – هي مساحة ولاية الرسول الأعظم(ص) نفسها، فهو يملك «من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول(ص) وأمير المؤمنين(ع)». والفقيه الحاكم في النظام السياسي الإسلامي هو صاحب السلطة العليا، وهو رئيس الدولة وقائد الأمة والقائد العام للقوات المسلّحة. وتحت إشرافه تعمل ثلاث سلطات مستقلة، هي التنفيذية والتشريعية والقضائية.

أما في الأنظمة الديمقراطية التقليدية فلا دخل للدين في صياغة شكل النظام السياسي ومضامينه ومؤسساته والمواقع والمناصب التي تمارس السلطة، إضافة إلى شروط من يتسنّم هذه المواقع وصلاحياته؛ بل يدخل كل ذلك في إطار رغبة الإنسان وفكره وإرادته، فالنظام الديمقراطي هو نظام بشري شكلاً ومضموناً أي إن الديمقراطيات التقليدية لا يمكن تطبيقها – كما سبق – إلا في ظل الأنظمة العلمانية.

وتعبّر الانتخابات في النظام الإسلامي عن تأكيد الأمة لدورها في حركة الدولة، وعن إيمانها بالنظام الإسلامي ودعمها له، وعن حريتها في اختيار ممثليها في السلطات. وإطارها العام هو الشورى التي تعني المشاركة في الرأي والسلطة والنقد وغيرها من أنواع المشاركة السياسية والاجتماعية، أي إن آلية الانتخاب ليست هي الأساس، إذ لا يكون المسؤول المنتخب – أياً كانت مسؤوليته – مفوضاً من الشعب ليشرّع أو ينفّذ ما يريده الشعب؛ لأن الأخير لا يمتلك الولاية كي يفوضها للمسؤول؛ بل ليعمل المسؤول المنتخب في النظام الإسلامي وفقاً لتكليفه الشرعي وواجبه الديني، وليس وفقاً لما يريده الناخبون.

ولا يعرف النظام الإسلامي الحكم الائتلافي الذي يجمع الإسلاميين إلى جانب العلمانيين والملحدين، إذ لا يمكن أن يكون الشيوعي – مثلاً – وزيراً في الحكومة الإسلامية أو رئيساً لها، ولا يمكن كذلك أن يتسلم حزب علماني السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية في النظام الإسلامي، حتى بذريعة حرية المشاركة السياسية وخوض العملية الانتخابية؛ لتعارض ذلك مع مقاصد النظام الإسلامي وأهدافه، وهو ما تتدخل الشريعة الإسلامية في تقنينه. وتتدخل الشريعة أيضاً في تقسيم شعب الدولة الإسلامية إلى مسلمين، وأهل ذمة، وأهل عهد – مثلاً – رغم تمتعهم جميعاً بكامل حقوق المواطنة، وما ينطوي عليها من حقوق اجتماعية. وبالطبع، فإن متطلبات الزمان والمكان تفرض على الدولة الإسلامية التعامل مع موضوع غير المسلمين الموجودين داخل حدودها الجغرافية بالعناوين الثانوية التي تحددها القواعد الفقهية، وإعطائهم صفة المواطنة الكاملة.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment