مجلة دراسات عراقية سورية المنتظم السياسي العراقي
المنتظم السياسي العراقي: الطائفية اللا معلنة والهوية الوطنية
د. علي المؤمن
(مجلة شؤون عراقية، دمشق، 1999 م)
أهمية طرح القضية الشيعية في العراق
منذ تأسيس ما عرف بالدولة العراقية الحديثة في عام 1920م وما ترتب عليه من إقرار شبه مقنن لحكم المركب الطائفي ـ القومي للعراق، أخذ الحديث عن المظلومية التاريخية لشيعة العراق يأخذ طابع الاعتراض والتنديد والاستنكار، كاستمرار للحالة التي سيطرت على الواقع الشيعي خلال الحكم العثماني التركي، مع فارق واضح تمثل في حيز الحرية النسبية التي منحتها الدولة العراقية الحديثة للشيعة، والأمر الذي جعلهم يفكرون بصوت عال. إلا أن الاعتراض والتنديد ذلك لم يكن يجد آذاناً صاغية لدى النخب السياسية الحاكمة (رؤساء الوزراء والوزراء) ولدى رأس الدولة (الملك وبلاطه) ولدى الدولة الراعية المنتدية (بريطانيا). كما لم يكن الاعتراض يغوص في عمق المشكلة، بل كان يمثل خطاباً عاماً لا يتجاوز السطح ومن هنا استمر الواقع على ما هو عليه حتى الآن.
وخلال العشرين سنة المنصرمة، حيث وصلت المظلومية التاريخية للشيعة ذروتها، يمكن القول إن الخطاب الشيعي تغير إلى حد ما في طرح مظلوميته، ولكنه ظل يطرحها طرحاً غير مباشر، ولا يتناولها بوضوح يستبطن الأبعاد التاريخية والقانونية والسياسية، أو يستخدم مناهج البحث العلمي الذي يضمن معالجة القضية بمزيد من العمق والاستيعاب والصراحة.. فلماذا الخشية من طرح قضية الشيعة في العراق بهذه المستويات؟!.
ولكيلا نهضم حق بعض الباحثين الذين وظّفوا الكثير من صفات من الجرأة والصراحة في دراساتهم في هذا المجال، فضلاً عن المنهج العلمي واللغة الموضوعية والإحاطة بمعظم مفاصل المشكلة، فلا بد أن نشيد بجهودهم التي تشكل بحق مداخل رصينة([1]).
إن قضية شيعة العراق هي قضية العراق كله أو معظمه، قضية هوية العراق الحقيقية، فنحن نتحدث عن قضية 65% من أبناء العراق يصنّفهم النظام السياسي في العراق أقلية غير مرغوب بها. بالطبع هناك من يعمد إلى تغافل هذه القضية ـ وهو من أبنائها ـ حرصاً ـ كما يقول ـ على تجنب الإثارات الطائفية وحرصاً على وحدة الموقف الشعبي، وهناك من يتغافلها من أبناء المركب الطائفي القومي، بذريعة أنها فتنة طائفية وحرصاً على إبقاء الواقع كما هو عليه. ولكن هنا التغافل لا يعني مصلحة البلد أو الأمة بشيء، لأنه سيعمل على تكريس مشكلة أساسية تعد أهم عوامل عدم الاستقرار في العراق منذ مئات السنين وحتى الآن، كما تعد السبب الأساس في القطيعة التاريخية المتواصلة بين نظام الحكم والشعب.
وبالنتيجة؛ فالحديث عن هذا العامل سيكشف عن أسوأ مضامين الطائفية، ويعري الجريمة الكبرى التي ارتكبها الإنجليز بحق الأمة في العراق بكل مذاهبها وطوائفها وقومياتها: سنة وشيعة، عرباً وأكراداً وتركماناً. كما أن الحديث عن هذا الواقع الشاذ يستبطن أسمى معاني وحدة المسلمين المبنية على حقائق الواقع وأرقامه، ويهدف إلى تقويض عوامل عدم الاستقرار التاريخي في العراق، لأن المستهدف فيه ليس طائفة بعينها، بل النظام السياسي العراقي، لأن الطائفة التي ينتمي إليها هذا النظام تاريخياً وليس مذهبياً، هي الأخرى مضطهدة بألوان فيها الكثير من البشاعة، بل غالباً ما يكون هذا الاضطهاد أكثر تعقيداً لظروف يطول شرحها. وبالتالي لا وجود لأية مشكلة سياسية مذهبية بين الطائفتين المسلمتين الكبيرتين (السنية والشيعية) ولا بين القوميتين الكبيرتين (العربية والكردية)، بل المشكلة تكمن في البنية الطائفية ـ القومية للمجتمع السياسي الرسمي، الذي ينتمي إلى مركب طائفي وقومي بنسبة 17% فقط من عدد السكان، هم السنة العرب، في حين (تزيد نسبة الجماعة السكانية المضطهدة ـ التي لا يخفي النظام حقيقة عدم تمثيله لها قانونياً وواقعياً ـ تزيد على 80% من عدد السكان، منهم 65% شيعة (عرباً وأكراداً وتركماناً وأصولاً إيرانية) و16% من الأكراد السنة([2]). وهنا يقول الإمام الشهيد محمد باقر الصدر: (إن الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا إلى أبنائنا من السنة بأن المسألة مسألة شيعة وسنة، وليفصلوا السنة عن معركتهم الحقيقية ضد العدو المشترك. وأريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر ان المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني، إن الحكم السني الذي مثله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل، حمل علي السيف للدفاع عنه، إذ حارب جندياً في حروب الردة تحت لواء الخليفة الأول أبي بكر. وكلنا نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي([3]).
فهناك فروق جذرية وجوهرية بين الدولة الطائفية والدولة المذهبية، فالدولة الطائفية هي دولة لا دينية تتبنى منتظماً سياسياً ينتمي تاريخياً إلى طائفة معينة أو إلى مجموعة عائلية تنتمي إلى طائفة معينة تعمل بتوريط الطائفة التي تنتمي إليها، أو إلى مجموعة طوائف يوازن بينها سياسياً. أما الدولة المذهبية فهي دولة دينية تخضع لنظام سياسي يُبعد فئة أحد المذاهب الإسلامية في بناء هيكل النظام والتشريع والقضاء. والحال أن النظام السياسي الذي طبق بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة هو الشكل الأول، أي النظام الطائفي الذي ينتمي إلى مركب الأقلية القومية الطائفية، الأمر الذي يجعله يشعر بالخطر دائماً وبالتهديد وعدم الاستقرار، فيبقى متحفزاً للفتك بأي تحرك يرفع صوته للمطالبة بأبسط الحقوق، وإن كانت مطالبة تخفيف جرعات التمييز، حينها يجد صاحب الطلب نفسه ـ ابتداءً ـ أمام تهمتين شنيعتين جاهزتين: طائفي وشعوبي، أو يأخذ طريق ـ في وضع أسوأ إلى السجن وربما المشنقة، هذا إذا لم يقذف في ليلة ظلماء إلى ما وراء الحدود. هذه التهم والإجراءات أصبحت جزءاً لا يتجزأ من بنية الدولة وقانونها، بغض النظر عن طبيعة الحكومات المتعاقبة وأيدلوجيتها([4]).
إذن.. الحديث في هذا الاتجاه يستهدف اجتناب الفتنة من جذورها، وعدم تجاوزها أو العبور عليها، دون أن يستهدف استبدال الوضع الطائفي الحالي بوضع طائفي آخر أو وضع قومي آخر ـ كما سيأتي ـ.
وسنتناول موضوع الدراسة بمستويات ثلاثة، نستوعب حقائق الماضي والحاضر ونستشرف علائم المستقبل، فيحفر الأول في بنية القضية ليصل إلى جذورها التاريخية، ويحلل الثاني واقعها، أما الثالث فإنه يتأمل في الموقف المطلوب للمستقبل.
الجذر التاريخي للقضية الشيعية في العراق
قضية الشيعة في العراق نتجت عن تراكم متواصل في القرارات السياسية والرؤى المذهبية والأفكار الطائفية، برزت في أعقاب السيطرة الأموية على مقدرات العراق، وتبلورت في العصر العباسي، وتكرّست كواقع ضاغط ومعقد في العهد العثماني، مع وجودات فترات زمنية محددة حدث فيها انفراج نسبي في الجانب السياسي والمذهبي، خلال العهدين البويهي والصفوي، ونقول انفراج نسبي، لأن الواقع الحكومي العام بقي طائفياً إلى حد كبير، رغم حكم الأسر الشيعية، إذ لم يغير حكم البويهيين للعراق وسيطرتهم على بلاد الخلافة من طائفية الدولة العباسية التي ظلت قائمة. بل إنه في مرحلة زمنية معينة خلال العصر العباسي كان معظم العالم الإسلامي يخضع لحكم الأسر الشيعية، كالحمدانيين في شمال العراق وبلاد الشام والبويهيين في إيران والعراق وغيرهما، والفاطميين في مصر، والأدارسة في شمال أفريقيا رغم ذلك بقيت الدولة سنية، مع وجود مظاهر شيعية عامة.
وبسقوط الأسر الشيعية في مصر والشام وغيرها على يد الدين الأيوبي عادت الأمور إلى أسوء مما كانت عليه. ولكنها ازدادت سوءاً في العصر العثماني، ولا سيما في القرنين الأخيرين منه، استمراراً لفتاوى شيوخ الإسلام، وخاصة الشيخ نوح الحنفي، وممارسات السلاطين العثمانيين، ولا سيما السلطان سليم الأول.
لقد حاول الأتراك العثمانيون طيلة سنوات حكمهم تغيير البنية المذهبية للمجتمع العراقي، إلا أنهم فشلوا في هذا الجزء، رغم الفتاوى المضادة والاضطهاد واستباحة المدن، ونجحوا في جزء آخر، وهو جزء في غاية الأهمية، إذ وضعوا أسساً صلبة لنظام سياسي طائفي في ولايات العراق ينسجم وأيدلوجيتهم العليا التي تتكون أيضاً من مركب قومي ـ طائفي.
وحدثت المفارقة الكبيرة بدخول العثمانيين الحرب الاستعمارية([5]) (العالمية) الأولى إلى جانب ألمانيا عام 1914. حينها اتجهت غالبية الحركة العربية التي تشاطرهم الانتماء المذهبي وتقر بالولاء السياسي لهم، إلى مناهضة العثمانيين والمراهنة على خيارات أخرى، بفعل الوعود التي أعطيت لأمير الحجاز، وانتهى الأمر إلى إعلان الثورة العربية بقيادة الشريف حسين وبدعم مباشر من الإنجليز، وانضم للثورة معظم الذين كبروا ـ سناً وشأناً ـ مع المناصب السياسية والعسكرية والإدارية التي أسبغتها عليهم الدولة العثمانية، وتحول الولاء من تركيا (الإسلامية) لدى بعضهم إلى بريطانيا (الصليبية)، وانقلب الهلال صليباً على صدورهم.
أما الطرف الثاني في هذه المفارقة، فهم شيعة أهل البيت(ع) في العراق ولبنان، الذين واجهوا المتغير الجديد بالرهان على المبادئ، إذ دخل شيعة العراق الحرب إلى جانب الدولة العثمانية ودافعوا عنها بدمائهم وأموالهم، لأنها تنطوي على الحد الأدنى من تمثيل الإسلام، وتشكيل الخيار الأصولي في المعركة مع الاستعمار البريطاني، بعد أن تناسوا بفعل ضغط المبادئ عداء الدولة العثمانية التاريخي لهم. وظلوا يقاومون الإنجليز بشدة، رغم انسحاب الأتراك المبكر من ساحة المعركة، ثم دخول الإنجليز بغداد عام 1917 وإسدال الستار على النفوذ العثماني في العراق. هذه الحقيقة يعبّر عنها الشهيد الصدر بقوله: (إن الحكم السني العثماني الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة قبل نصف قرن بموجب الجهاد من أجله، وخرج الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصاً من أجل الحفاظ على راية الإسلام، ومن أجل الحكم السني الذي كان يقوم على أساس الإسلام([6]).
وحين وضعت الحرب الاستعمارية (العالمية) الأولى أوزارها عام 1918، اتجه الإنجليز نحو إقامة نوع من الحكم الذاتي في العراق، فجاءت فتاوى علماء الدين في النجف وكربلاء والكاظمية بأن تكون الحكومة مسلمة، فاستمر الصراع مع الاحتلال الإنجليزي، حتى بات الوضع مهدداً بالانفجار، وهو ما حصل بالفعل باندلاع ثورة العشرين بقيادة مراجع الدين وفي مقدمتهم الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي. وانتهت الثورة باحتواء الإنجليز للموقف والالتفاف على مطالب الثوار بطريقة مضللة، فعاودت طرح موضوع إقامة الحكم المحلي، ولكن بعنوان كبير هذه المرة هو (الدولة العراقية)، ولا سيما أن معاهدة (سايكس بيكو) عام 1916 وفرساي عام 1919 ومبادئ عصبة الأمم تعطي بريطانيا حق الانتداب على العراق، وتعطي الشعوب الحق الشكلي في تقرير المصير.
وهكذا قامت الدولة العراقية الحديثة استجابة شكلية لمطالب ثورة العشرين. ولكن تأتي المفارقة الكبرى الثانية في تاريخ العراق الحديث، فقد وجد الثوار أنفسهم ـ بعد تشكيل الدولة ـ خارج لعبة السياسة والسلطة، ووجدوا الكثير من صنائع الأتراك والإنجليز يحتلون جميع مناصب الدولة تقريباً. وحينها أقرت أكثرية الشعب العراقي (شيعة العراق) إنها الخاسر الأكبر بعد انهيار الحكم العثماني وقيام المنتظم السياسي العراقي المحلي، مضيعة بذلك سنين طويلة من الجهاد والكفاح من أجل استقلال البلاد وحريتها وإقامة حكم العدل والمساومة فيها.
وعلى هذا الأساس قام الإنجليز بوراثة النظام الطائفي الذي أرساه الأتراك العثمانيون في العراق، ثم أن الإنجليز بلوروا هنا النظام وقننوه من خلال الإعداد لتشكيل الدولة العراقية الحديثة. وكان لون القواعد الطائفية لهذا النظام فاقعاً ومثيراً للاشمئزاز، لأن هذه القواعد خالفت جميع حقائق الجغرافية السكانية وبديهياتها، وعليها قامت دولة الطائفية ـ القومية التي تحكم الواقع السياسي والاجتماعي الذي تمثله أكثرية الشعب الساحقة([7]).
وقد يمكن ـ بشكل أو آخر ـ تسويغ أو توجيه الحكم الجديد في العراق خلال العهد التركي، على اعتبار أن الإمبراطورية العثمانية كانت سنية، وكانت تنطلق من أيديولوجية مركزية عليا، فكانت تضطر لاستيراد ولاة سنة لبغداد من ألبانيا ـ مثلاً ـ ليحكموا العراق!! ولكن بعد نهاية العهد التركي لماذا بقي النظام طائفياً؟!! هل كان الإنجليز ينطلقون أيضاً من أيديولوجية مركزية؟ فلماذا حولوا النظام الطائفي التركي إلى نظام سياسي محكم له صيغه وقوانينه ودستوره وأعرافه السياسية والاجتماعية؟
وهكذا جاء الإنكليز بأمير سني غير عراقي في محاولة التفاف واستغلال لمطالب بعض مراجع الشيعة بملك عربي يحكم العراق ونصبوه ملكاً على العراق. وبهذا الإجراء ضرب الإنجليز عدة عصافير بحجر واحد:
1 ـ حاولوا إرضاء الشريف حسين بعد الوعود الكثيرة التي أعطوها إياه مقابل قيامه بالثورة ضد العثمانيين، وكذلك إرضاء ابنه فيصل الذي كان يقود جيوش ما يعرف بالثورة العربية بإشراف الجاسوس البريطاني لورنس بعد أن فقد كرسيه الملوكي في الشام.
2 ـ تمكنوا من تقنين المنتظم السياسي العراقي الذي أسسه الأتراك، أي حكم المركب المذكور ـ (عرب ـ سنة)، مستبعدين بذلك الشيعة العرب والسنة الأكراد الذين يشكلون 80% من نفوس العراق.
3 ـ تخلصوا من خطر حكم الأكثرية التي حاربتهم حقداً وانتقاماً منها موظفين بذلك تخلف بعض زعماءهم السياسي وهي الأكثرية الثائرة الداعية إلى الاستقلال الكامل، لأن حكم الأكثرية سيؤدي إلى الاستقرار في العراق وإنهاء القطيعة بين الشعب والدولة، وهو مطلب لا يرضاه الإنجليز.
4 ـ قضوا على أي طموح للثوار الذين زعزعوا الإمبراطورية البريطانية، والذين سيتمكنون من تحقيق أهداف ثورة العشرين فيما لو استلموا السلطة، وفي المقدمة هدف إنهاء الوجود الأجنبي في العراق.
ومن خلال تمييع بريطانيا لمطاليب الثوار والالتفاف عليها بأساليب سياسية، ملتوية، حاولت الإيحاء للعالم ولا سيما عصبة الأمم بأنها منحت العراقيين حقهم الكامل في تقرير المصير، وهنا تكمن المفارقة الطريفة الأخرى، فهل ثارت عشائر الوسط والجنوب ومدن العراق بقيادة علماء الدين، ابتداءً من السيد محمد سعيد الحبوبي ثم الشيخ محمد تقي الشيرازي والشيخ محمد مهدي الخالصي والشيخ فتح الله الأصفهاني، لكي يحكم العراق فيصل، ولكي يكون بعض حلفاء الأتراك والإنجليز كعبد الرحمن النقيب وطالب النقيب وجعفر العسكري وياسين الهاشمي وعلي جودت الأيوبي ونوري السعيد رؤساء للوزارات؟! لماذا؟! هل لأن أكثرية الشعب لا تمتلك من له الكفاءة بأن يكون حاكماً أو ملكاً أو رئيساً، فاستورد لهم أمراء ووزراء ورؤساء وزراء من الحجاز وتركيا ومن طوائف أخرى؟!
لعلنا نستطيع تفهم الموقف الاستراتيجي البريطاني حيال هذا الموضوع في إطار النقاط الأربعة التي ورد ذكرها. فليس منطقياً ـ وفقاً للمنهج البراغماتي الاستعماري وسياسة فرق تسد وزرع بؤر التوتر وعدم الاستقرار ـ أن تبادر بريطانيا إلى تأسيس نظام سياسي عراقي يعتمد قواعد الديمقراطية والدولة الحديثة التي تتبع موقف الأكثرية، فتكافئ بذلك الشعب الذي حاربها بكل الوسائل طيلة سبع سنوات، وأذل كبرياءها وغرورها! إذ إنها ستقدم له خدمة كبرى بصورة تلقائية. وكان من الطبيعي أيضاً أن يعيد الإنجليز تأهيل تلك الشخصيات التي كانت جزءاً من النظام الطائفي التركي، ويبادرون لمكافئتها، بعد أن تنكرت للأتراك ووقفت إلى جانب الإنجليز، ثم عملت بكل قوة على بناء المجتمع السياسي الجديد ـ القديم، بذريعة أن هذه العناصر تمتلك ممارسة وخبرة في الإدارة السياسية والعسكرية. وفي المقابل عاقبت بريطانيا معظم الشعب الذي وقف ضدها، وحافظت على مصالحها في العراق إلى الأبد، على اعتبار أن دولة بهذه التركيبة ستبقى بحاجة إلى الحماية والدعم اللذين يوفرهما لها الإنجليز، بعد أن وجدت في الأكثرية عدواً شرساً لا يمتلك أدوات المساومة والمرونة السياسية وإلا يمكن ائتمانه على مصالحها في العراق إلى الأبد، على اعتبار أن هذه الدولة ستبقى بحاجة إلى الحماية والدعم اللذين يوفرهما لها الإنجليز، ولا سيما أن الشيعة محكومون طوعاً بنظام ديني يكون فيه الولاء للمرجعية الدينية وعلماء الدين، الذين وجدتهم بريطانيا رجالاً لا يقيمون وزناً للاحتراف السياسي الأرضي وقواعده البرغماتية المتداولة، على العكس من بقايا العهد التركي([8]).
وإذا كان من السهل فهم دوافع الأتراك والإنجليز في تثبيت دعائم دولة المركب الحاكم، فإن من الصعب فهم دوافع بعض الشخصيات الشيعية التي لم تتنكر عملياً لهذا الواقع، فلماذا ذهبت بعض هذه الشخصيات إلى الشريف حسين تتوسل إليه ليكون ابنه فيصل ملكاً على العراق؟ هل أن هذه الأمة الثائرة المعطاءة ليس فيها من يمتلك الكفاءة للحكم إذا كانوا أنفسهم لا يؤمنون بكفاءتهم هم؟ ثم يساهم آخرون في تنصيب الملك غير العراقي ومبايعته وهم الأكثرية الساحقة في البلاد!! قد يكون المسوغ هو أن النخبة الشيعية كانت على قناعة تامة بأن المنتظم السياسي التركي ـ الإنجليزي لا يسمح للشيعة أن يحكموا العراق أو أن يكون هذا المنتظم عراقياً ـ عاماً في عناصره وأعرافه وثقافته، أو قد يكونوا في واقع نفسي أقنعهم بأن الشيعة لا يصلحون للحكم، وأن الذي يصلحون للحكم هم السنة فقط وإن لم يكونوا عراقيين.
ثم جاءت المفارقات تترى في السنوات اللاحقة لتضفي على تلك المعادلة الشاذة ثباتاً أكبر فأكبر، سواء ما يتعلق بنسبة الوزراء الشيعة أو نسبة الأعضاء الشيعة في مجلس الأمة (البرلمان). فإذا سلّمنا رؤساء الوزراء والوزراء يعينون بالتنصيب، وذلك خاضع لإدارة المندوب السامي البريطاني أي للإرادة الحاكمة في البلاد، فماذا عن البرلمان؟ كنموذج ـ مثلاً ـ في انتخابات الدورة الثالثة للبرلمان، كان نواب ألوية الكوت والعمارة والديوانية سنّة بأكملهم، في حين أن سكان هذه الألوية شيعة 100%، وكان نواب بغداد على النحو التالي: 9% سنّة و2 يهود وواحد مسيحي وواحد شيعي، تصوروا هذه المفارقة، في حين أن أكثر من نصف سكان بغداد هم من الشيعة([9]).
هذه القضية استمرت في العقود اللاحقة بمضامينها وشكلها الصارخ، والقضية لا ترتبط بالأشخاص فقط، بل بالمنتظم السياسي ومضمون الدولة نفسها. فحتى رؤساء الوزراء أو الوزراء الشيعة الذين جاءوا للحكم كان يحكمون بعقلية المركب الحاكم، أي الثقافة السياسية الثابتة للنخبة الحاكمة والأعراف السياسية للدولة، فكانوا يفكرون كسنة عرب حين يحكمون، وإن كان كثير منهم على جانب كبير من الإخلاص للدين والمذهب، ولكنهم كانوا مضغوطين بمعادلات النظام القائم. تلك الثقافة السياسية كانت خير من يعبّر عنها ساطع الحصري، وهو نتاج للمنهج الفكي والسياسي التركي الإنجليزي الذي ظل حاكماً في العراق ولا يزال. ساطع الحصري الذي لم يكن يتقن العربية وكان تركياً في لغته وتربيته وإنجليزياً في تفكيره، ولكنه يتهم محمد مهدي الجواهري بأنه (شعوبي، وعجمي)، لمجرد أن الجواهري شيعي ومن هذه العائلة الدينية الكبيرة، أما الحصري التركي ـ الإنجليزي فإنه ينظّر للمنهج القومي الطائفي الذي ظل سائداً في عقل النخبة السياسية العراقية الحاكمة على مر العقود.
هذا المنهج لديه تهمتان جاهزتان لكل من يهمه الدفاع عن حقوق أغلبية الشعب، هما الشعوبية والطائفية، وبصراحة أكثر (عجمي وشيعي)، بل حتى الذين لا يدافعون عن الحق الشيعي والمتماهون مع هذا المنهج والمنسحقون فإنهم ـ وفقاً لمذهب ساطع الحصري ـ عجم وطائفيون، لمجرد أنهم شيعة.
أما الطائفيون أنفسهم فرغم أنهم يمارسون أبشع ألوان الطائفية والتمييز الطائفي فإنهم ليسوا بطائفيين، لأنهم يمارسون الطقوس الروتينية التي يفرضها المنتظم السياسي العراقي، وبذلك فإنهم يؤدون الواجب فقط!
وفي عهد الحزب الحاكم في العراق الحالي لم تتغير المعادلة أبداً، بل تكرّست بقوة، وأصبحت أكثر شذوذاً وإثارة للقرف والاشمئزاز، فرغم أن هذا الحزب حزب علماني يحارب الدين بقوة، ولكنه لم يتنكر للطائفة حين تسلّم الحكم، فمثلاً الكثير من القيادات الأولى فيه كانوا من الشيعة، ولكن حين وصل الأمر إلى الحكم والسلطة فقد حكم قادته من السنة. هذه المعادلة ظل النظام الحالي أكثر الأنظمة إيماناً بها وتطبيقاً لها، وإن كانت هي المعالة الحاكمة نفسها، سواء في عهد نوري السعيد أو عهد عبد السلام عارف أو عهد صدام حسين. إذن صراع النظام مع الإسلام هو جزء من صراع الإسلام الأصيل مع النظام السياسي القائم في العراق منذ عام 1920. وأنا أعتقد بأن الذي قتل الشيخ عارف البصري وقتل الإمام الصدر وقتل السيد مهدي الحكيم والآلاف من أبناء العراق البررة هو النظام السياسي العراقي وثقافة الدولة العراقية، وليس السلطة في العراق، وإن كان حزب السلطة هو الأداة، والذي حارب الشعائر الحسينية وهجّر مئات الآلاف من العراقيين والمقيمين فيه إلى إيران هو النظام السياسي العراقي، وإن كان حزب السلطة هو الأداة، باعتباره الحزب الأكثر تعبيراً عن ذلك الشاذ. والذين درسوا خلفيات استشهاد رواد المسيرة الإسلامية في العراق ودوافعها الأساسية، خلصوا إلى نتائج لا تخرج عن دائرة الصراع الفكري والسياسي بين هذا الحزب والحالة الإسلامية الواعية، ككل صراعات (الحزب) مع الاتجاهات الفكرية والسياسية الأخرى التي يتقاطع معها. هذه النتائج ستطابق الواقع ـ دون شك ـ فيما لو نظرنا إلى هذا الحزب كأداة لتطبيق قواعد البناء الطائفي للدولة العراقية الحديثة، وأداة لتنفيذ المخطط الاستعماري البريطاني الذي عمل على بلورة هذه القواعد ـ كما ذكرنا ـ وما زال يرعاها حتى الآن([10]).
واقع القضية الشيعية
يمكن تحليل واقع قضية الشيعة في العراق على صعيدين، الأول يرتبط بالنظام الحاكم والثاني بالمعارضة.
والنظام الحاكم ـ كما تقدم ـ يمثل حقيقة المنتظم السياسي العراقي الموروث بكل تفاصيله، وبصورة أكثر بشاعة، إذ حاول منذ استيلائه على السلطة تغيير البنية الجغرافية ـ السكانية للعراق، فاستورد ملايين العرب السنة من الخارج، ولاسيما من مصر، وأسكنهم في المناطق الشيعية، كما قرر تهجير ما يقرب من 6% من عدد السكان إلى إيران، بحجة أصولهم الإيرانية، وذلك ابتداءً من عام 1970 وحتى الآن، وقتل مئات الآلاف من الشيعة في الحرب مع سكان الشمال (الأكراد) والحرب مع الجارة (إيران)، ولعل من أهدافه المهمة في هاتين الحربين زرع الأحقاد والتفرقة بين مضطهدي الوسط والجنوب ومضطهدي (الأكراد) رغم أنهما أغلبية الشعب الساحقة، وكذلك بين شيعة العراق وشيعة إيران، على اعتبار أن حوالي 75% من جنود الجيش العراقي والمراتب الصغيرة والمتوسطة هم من الشيعة. وعدا عن الاضطهاد والإرهاب والتهجير والقمع والاعتقال والمجازر ضد الشيعة، فإن النظام رفع بشكل علني شعار (القضاء على الشيعة) خلال قمعه انتفاضة شعبان المباركة، ثم جاءت الأحداث بعدها بالشكل الذي يؤكد مخطط النظام المعلن في تغيير هوية العراق. ولعل الجزء الأخير الذي يستمر عدي صدام حسين بتطبيقه منذ سنين، والمتمثل باحتفالات الزواج الجماعي خلال العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، بل وفي يوم العاشر من المحرم، هو نموذج صارخ لهذا المخطط الخطير جداً.
واللافت للنظر الموقف الاستكباري من عملية التغيير في العراق، والذي أخذ يبرز بوضوح منذ عام 1980، إذ لم تخف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا رفضها الشديد من أي تغيير في المنتظم السياسي العراقي، ووضعوا (فيتو) صارمة على أي احتمال للتغيير ولحكم مغاير للنظام الطائفي الموروث اللامعلن، وظلت الحكومات الموالية تتبنى الموقف نفسه، بالنظر لما قد يسببه التغيير من خطورة عليها. وإذا كانت أميركا وبريطانيا وبعض الحكومات المحلية في المنطقة توافق على إسقاط نظام صدام، فإنها ترفض بشدة أي بديل من شأنه تهديد ثابت حكم المركب الحاكم، هفي إن قررت تغير النظام، فإنها تصر على المحافظة على بنيته القائمة. ولا جدال في أن أهم أسباب عدم اتخاذ خطوة حقيقية لإسقاط صدام حسين، رغم الألاعيب والشعارات التي ظلت ترفعها أمريكا وبريطانيا وأصدقاؤها في المنطقة منذ عقد من الزمن، هو عدم قناعتها بالبدائل الموجودة، التي تتوزع بين الأكراد وهم غير عرب، والإسلاميين وهم في الأكثرية غير سنة، والعلمانيين الشيعة وهم غير سنة أيضاً، والعلمانيين العرب السنة، وهم أقلية ضعيفة تتشكل من سياسيين محترفين وضباط، وليس لهم امتدادات حقيقية في العراق. ولو عثرت أمريكا يوماً على تنظيم ينتمي للمركب الحاكم، ويتمتع بالامتداد السياسي والعسكري في داخل العراق، لما ترددت لحظة في دعمه بالمطلق بغية استبداله بنظام صدام حسين.
وأما فصائل المعارضة، فبالنسبة للأكراد فإنهم يدركون تماماً طبيعة مظلومية الشيعة في العراق، ويلتقون معهم في المظلومية، لأنهم مضطهدون قومياً، ولا يترددون أبداً في أية محاولة لتغيير ثابت حكم ذلك المركب، ولا يمانعون ـ كما أثبتت أحداث العقود الثلاثة الماضية ـ من حكم ثابت ديمقراطي جديد يشترك فيه مع الشيعة وكذلك السنة العرب، وبصورة مرضية للجميع في حكم العراق.
والمؤسف أن بعضاً من عناصر المعارضة من السنة العرب، يفكرون تماماً كما يفكر أي وريث للمنتظم السياسي العراقي، فهم يدافعون بشدة عن حكم المركب المذكور، وكأن همهم الأساسي هو ضمان بقاء هذا المركب في السلطة حتى لو تطلب الأمر بقاء صدام حسين ثلاثة عقود أخرى في السلطة. بل إنهم لا يخفون بأنهم يعملون الآن لحماية العراق من أي تغيير قد يطرأ على ثوابت المنتظم السياسي القائم([11]).
وعلى مستوى الشيعة أنفسهم، فرغم أنهم يشكلون الجزء الأعظم من المعارضة، بل أنهم مع الأكراد يشكلون أكثر من 95% من مساحة المعارضة العراقية، إلا أنهم عموماً ما زالوا يعيشون خوفاً من طرح قضيتهم بوضوح، هذا الخوف إما نتيجة لحالة الانهزام المتواصلة منذ عام 1920م أو لتجنب تهمة الطائفية والشعوبية. والواقع أن السكوت على هذه القضية الخطيرة التي ستظل تهدد استقرار العراق هو الطائفية بعينها، لأن في هذا السكوت رضا وخضوعاً وتسطيحاً للمفهوم والتفكير بمشكلة العراق وعوامل عدم استقراره. وكأن ساطع الحصري لا يزال حاضراً في وعينا بذاتنا وبالواقع.
لقد سمعت من بعض الشخصيات الشيعية العلمانية وقرأت في كتاباتهم، أنهم حين يذكرون اسم النبي الكريم(ص) فإنهم لا يصلّون على (آله)، فيقولون (صلى الله عليه وسلم)، أو يقولون (صدق الله العظيم) بعد ذكر آية أو سورة قرآنية. أنا لا أخوض هنا في هذه المسألة من بعدها الديني (الفقهي والعقائدي)، فليس هذا موضوعنا، بل أتناولها من بعدها النفسي، فقد يقول هؤلاء أنهم لا يصدقون شيئاً ولا فق بين هذه القراءات. ولكن الحقيقة ليست هذه أبداً، الحقيقة هي أن هؤلاء منهزمون ومنسحقون في داخلهم، ويريدون بأية وسيلة دفع شبهة الطائفية عنهم، وقد لا يكونوا على وعي بطبيعة الموقف الديني من هذه الأمور، ولكن المهم بالنسبة لهم هو أن الصلاة على (الآل) وذكر (العلي) في التصديق وأمثالها، أصبحت رموزاً يتميز بها الشيعة، وبما أن الثقافة السياسية الحاكمة وإعلام الدولة العراقية لا يصليان على (الآل) ولا يذكران (العلي) في التصديق، فلا بد أن يتماهى الشيعي إذا أراد أن يكون حاكماً مع تلك الثقافة وهذا الإعلام.
هذه القضية عادية جداً وجزئية، ولكنها تعبّر عن شيء كبير. عن ضغط المورث وعن الانسحاق النفسي لهذه النخبة أو الاستلام الكامل للواقع الشاذ.
وهناك رموز وعناصر شيعية من المعارضة أيضاً، يتنكرون لأية علاقة مع إيران، حتى أن بعض المصنفين على الإسلاميين معهم يبذل المستحيل لكي لا يحسب على إيران فيتعمد الاعتراض على دورها في القضية العراقية، ويتهمها في نواياها، ليس لعدم إيمانه بواقعية هذا الدور وضرورته وأهميته أو لعدم علمه بأن هذا الرفض مخالف لكل الحقائق الجغرافية والتاريخية والسياسية، أو لتشكيكه ـ حقيقةً ـ في نوايا الجمهورية الإسلامية تجاه العراق وشعبه، بل لأن إيران شيعية وغير عربية، ولأنها إسلامية، وعلى هذا الأساس فهو يريد أن ينفي عن نفسه تهمه الطائفية والشعوبية، ويضفي على نفسه مسحات عروبية براقة، ولهذا يتنكّر لإيران، وكأن الميول العاطفية والمذهبية والسياسية نحو الدولة الإسلامية تتناقض مع انتمائه الوطني والقومي!! والأنكى من ذلك، أن منهج ساطع الحصري بات يسري حتى في أوساط بعض الإسلاميين الشيعة، فصار بعضهم لا يتورع من تكرار مقولات صدام حسين وميشال عفلق حول المخطط الإيراني والغزو الإيراني، هذه المقولات التي تتكامل مع المقولات الصهيونية والأميركية حول الإرهاب الإيراني وتصدير الثورة الإيرانية. بل سمعت بعضهم يتحدث عن التشيع الإيراني، وهنا تكمن الطامة الكبرى، حين يتحدث الشيعي العراقي عن تشيع إيراني وآخر عراقي وثالث باكستاني، أو يتحدث عن التشيع المجلسي (نسبة إلى الشيخ المجلسي) والصفوي (نسبة إلى الدولة الصفوية) في مقابل التشييع (العربي) الأصيل!، وهو لا يقصد بذلك البحث التاريخي أو العلمي أو الكلامي، كما فعل بعض الباحثين الإيرانيين، بل يقصد الجانب السياسي القومي الذي يفهم الجميع معانيه وكأنهم يقولون بذلك: نعم للدور الأميركي في القضية العراقية هما للدور البريطاني، بل ونعم للدور السعودي والكويتي، ولا لأي دور إيراني.
هذه اللغة قد يكون فيها نوع من الوضوح المبالغ فيه ولكنه الواقع الذي يجب أن نعي مفرداته ولا نهرب منه، فأي تنكر للواقع يعني أننا نريد معالجة المشكلة معالجة سطحية، أي بالمسكنات والمهدئات، وليس باستئصال الداء من جذوره. فلا بد أن لا نهرب من الواقع ولا أن تتجاوزه ولا نقفز على الحقائق، هذا الهروب من الواقع جعل معظم وسائل الإعلام العالمية حين تتحدث عن شيعة العراق، وكأنها تتحدث عن أقلية مضطهدة، ويشبّهونهم بالأكراد، فيصفون الأكراد بـ(الأقلية القومية الكردية) والشيعة بـ(الأقلية المذهبية الشيعية) والمفارقة الأخرى هي أن المشاريع التي تطرح للتغيير في العراق، تتحدث عن مشاركة للشيعة في الحكم، وكأن المشكلة التي يتعرض لها العراق منذ عشرات السنين هي في حصول الشيعة على جزء من السلطة في العراق، فهذا الإطلاق في الكلام فيه تجاوز لأبسط حقائق القانون الدستوري السائد في الدول التي تحترم نفسها، لأن الحديث عن مشاركة للشيعة في الحكم، يعني في جانب تكريساً لقواعد النظام الطائفي في العراق ـ ومن جانب آخر يعني ـ أن تشارك الأكثرية الساحقة للشعب في الحكم الذي تقوده الأقلية.
من هنا، فالحديث عن أي تغيير في العراق لا يستأصل بنية المشكلة للدولة العراقية، يبقى حديثاً عن تغيير مبتور ومشوّه يعجز تماماً عن حل مشكلة الاستقرار في العراق في مرحلة ما بعد الحزب الحاكم. وحتى العملية الديمقراطية وآلية الانتخابات في إطار تلك البنية، سوف لن تكون مثمرة أبداً، فهناك شواهد تاريخية في هذا المجال ـ كما ذكرنا في بداية الحديث ـ تؤكد احتفاظ الدولة ببنيتها رغم التغيير في رأس السلطة، فمثلاً ما الذي تغيّر عندما جاء السيد محمد الصدر أو صالح جبر أو فاضل الجمالي كرؤساء للوزراء؟ وما الذي تغير عندما كان وزير المعارف شيعياً؟ وما الذي تغير عندما كان رئيس مجلس الأمة شيعياً؟
فالنظام سيبقى هو هو حتى لو جاء رئيس جمهورية شيعياً، ويبقى قومياً عربياً حتى لو جاء رئيس جمهورية كردياً، لأن البنية (ثابت حكم المركب) مترسخة بقوة ومقننة في السياسة والاقتصاد، والثقافة والمناهج الدراسية والمؤسسة العسكرية وقوانين الأحوال المدنية في كل زاوية من زوايا المجتمع السياسي الرسمي. والأهم من كل ذلك أنها مترسخة في عقول النخبة السياسية (الحاكمة أو المعارضة)، فإذا جاء رئيس مجلس وطني ووزير ورئيس وزراء شيعياً فإنه يفكر بعقل المركب ذاته ـ كما ذكرنا في مقدمة الدراسة ـ وإذا جاء كردياً فإن يفكر بذات المركب.
الموقف المطلوب لمستقبل القضية الشيعية
هناك عدة محاور يمكن البحث فيها لاكتشاف الموقف المطلوب. واستعرض هنا موضوعاتها كمداخل للمعالجة، تاركاً المعالجة نفسها لفرص ودراسات أخرى، بالنظر لصعوبة هذا النوع من الموضوعات وسعتها.
أقترح ابتداءً إخضاع موضوع مستقبل القضية الشيعية في العراق لمناهج الدراسات المستقبلية الحديثة. وبما إننا نستخدم نظرياً هذا النوع من الدراسات من خلال المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية، فإننا نجد فيها الجدلية العلمية التي من شأنها خدمة القضية خدمة نظرية كبيرة. والدراسات المستقبلية تعمل على استشراف المستقبل واكتشافه، وتحديد خياراته وبدائله، ووضع أهداف زمنية محددة لهن ثم تحيد الآليات التي من شأنها الوصول إلى هذه الأهداف([12]). هذه الخطوات تتم على النحو التالي:
1 ـ دراسة واقع القضية ـ موضوع الدراسة ـ وفقاً لمعطيات الحاضر، وتحليلها إلى أجزاء موضوعية، تتعلق بالبعد التاريخي، والدوافع والأسباب، ومعدّلات التطور.
2 ـ دراسة عوامل ثبات المشكلة وتكريسها، والعقبات الرئيسية أمام حلها.
3 ـ استشراف مستقبل القضية، من خلال طرح عدة احتمالات وخيارات تعتمد معطيات الفقرتين السابقتين، أبرزها:
أ ـ احتمال استمرار الحكم بقيادة صدام أو خلفائه، ونقصد استمرار بقاء النظام الحالي وسياسته تجاه القضية الشيعية. وهذا الاحتمال واقعي وقوي، ونسبته لا تقل عن 30%.
ب ـ احتمال استمرار بقاء النظام الحالي، ولكن مع تغيير كبير في سياسته تجاه الشيعة. وهذا الاحتمال نسبته ضئيلة ولا تتجاوز 10%، ولكنه يبقى احتمالاً مطروحاً.
ج ـ احتمال سقوط النظام الحالي، ومجيء حكومة تحافظ على الثابت الحاكم، مع تغيير بنسبة بسيطة تجاه الشيعة. وهذا الاحتمال تبلغ نسبته حوالي 15%.
د ـ احتمال سقوط النظام الحالي، ومجيء حكومة يكون للشيعة فيها حضور أساسي، بحيث يمكن من خلال هذا الحضور تغيير جزء أساسي من طبيعة حكم المركب المذكور. وهذا الاحتمال قوي ولا تقل نسبته عن 30%.
هـ ـ احتمال سقوط النظام الحالي، وتأسيس دولة إسلامية يشترك فيها السنة والشيعة، ولكنها تعتمد في الجوانب الأساسية القوانين المستخرجة من الفقه الجعفري. وهذا الاحتمال بدأ قوياً ابتداءً من عام 1980 واستمر بقوته حتى عام 1988 (نهاية الحرب)، وضعف حتى عام 1990، وبدا وكأنه، الاحتمال الأقوى خلال انتفاضة شعبان المباركة عام 1991، ثم أخذ يضعف ولا زال مستمراً في التضاؤل مع دخول أمريكا وبريطانيا وبعض دول المنطقة في لعبة تغيير السلطة في العراق. وهذا الاحتمال يبدو الآن متوسطاً ونسبته لا تزيد عن 15%، ولكنه يبقى احتمالاً غير مستحيل.
هذه الاحتمالات الخمسة يسميها خبراء المستقبلية بـ(المستقبلات) (جمع مستقبل)، وهي احتمالات تمثل استمراراً لمعطيات الحاضر، ولا بد من تحديد مديات زمنية لها.
وتأتي الخطوة الثانية، وهي الخيارات. فما هي خياراتنا للتحكم بمستقبل القضية؟
أولاً: خيار المشاركة الأساسية في الحكم ومحاولة تغيير الثابت، وهذا الخيار نسبته وفقاً لمعطيات الحاضر 30% كما ذكرنا.
ثانياً: خيار إقامة الدولة الإسلامية، وهذا الخيار نسبته 15% فقط.
فليس لدينا سوى هذين الخيارين، لأن بقية الاحتمالات ستكرس المشكلة ولا فائدة من المراهنة عليها، وبين هذين الخيارين يبقى خيار إقامة الدولة الإسلامية هو الخيار المثالي أو الهدف المستقبلي، ولكن كيف يمكن رفع نسبة الـ15%، وما هي آلياتنا لتحقيقه؟ فيبقى هذا الخيار كهدف ـ خاضعاً للبحث والدراسة. وفي حالة الفشل في عدم تحقيقه، وعدم الاقتناع به ـ نظرياً ـ بإمكانية رفع نسبته، فلا بد من وضع البديل المناسب، والبديل المناسب هو خيار المشاركة الأساسية في الحكم ومحاولة تغيير الثابت. وهنا تتم دراسة هذا البديل وإمكانية رفع نسبة تحققه، ثم دراسة عملية تحقيق هدف تغيير الثابت الحاكم من خلاله.
وعلى مستوى تعزيز البنية العلمية لعملية الاستشراف من خلال الخطوات الثلاث التي مر ذكرها، نستعرض هنا أهم الموضوعات التي يجدر دراستها:
1 ـ التنسيق الشيعي ـ الشيعي، وعلى ثلاثة محاور:
الأول: بين الحركات والشخصيات الإسلامية الشيعية، إلى مستوى الوحدة.
الثاني: بين الإسلاميين الشيعة والوجودات والشخصيات الشيعية من التيارات غير الإسلامية.
الثالث: بين الإسلاميين الشيعة في الخارج والشيعة في الداخل، ولاسيما الشخصيات والوجودات الدينية.
إن الواقع الذي يعيشه التيار الإسلامي الشيعي المعارض، واقع يثير الاستغراب والاشمئزاز، نتيجة الخلافات غير المعقولة، التي حوّلت الحركة الواحدة إلى حركات متصارعة، والجهة الواحدة إلى جهات متضاربة، هذه الخلافات التي أدخلت التيار الإسلامي الشيعي العراقي التاريخ من أسوأ أبوابه، برغم كل ما قدمه من تضحيات طيلة العقود الثلاثة الماضية، وبرغم أنه يمثل العمود الفقري للمعارضة العراقية.
2 ـ توحيد الخطاب السياسي والإعلامي الشيعي باتجاه طرق قضية الشيعة في العراق بصورة واضحة ومضمون معمق، وباتجاه المطالبة بالتغيير الشامل والجذري في المنتظم السياسي العراقي. ولا بد لهذا الخطاب من عدم إثارة حفيظة أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، على اعتبار أن هذا الخطاب لا يقصدهم ولا يستهدفهم، بل يهدف إلى رفع المظلومية عن الشعب العراقي وأكثريته المذهبية. بل ومحاولة استقطاب الأكراد السنة والإسلاميين السنة لوعي حقيقة القضية، دون أي تسطيح أو تغطية. فضلاً عن مخاطبة شيعة العالم وتياراتهم ومؤسساتهم باتجاه الدفاع عن مظلومية إخوانهم في العراق، وتشكيل لجان وجمعيات لهذا الغرض، على اعتبار أن قضية الشيعة في العراق هي قضية شيعة العالم بأجمعهم.
3 ـ إعادة تنظيم العلاقة بإيران، ونقصد بها إيران الدولة وإيران المؤسسة الدينية وإيران الشعب، وقبلها الولي الفقيه الذي يتخذ من إيران مقراً لقيادته. هذه العلاقة لا بد أن تقوم على قواعد شرعية تتمثل بطبيعة العلاقة بالقيادة، وعلاقة دينية بالمؤسسة الدينية، وعلاقة سياسية بالدولة وأجهزتها، وعلاقة عاطفية بالشعب.
وبغض النظر عن كل الملابسات بهذا الشأن، وهي غير قليلة بالطبع، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ بكل مكوناتها ـ هي الظهير الحقيقي للشيعة في كل العالم، وإن الاحتماء بإيران الإسلامية سيظل دائماً أهم رهان لدى شيعة العراق، سواء قلنا ذلك أم لم نقل، وسواء وافق الإيرانيون أم لم يوافقوا. وبخلاف ذلك فستكون خسارة شيعة العراق أكبر بكثير مما هي عليه الآن.
وهذا الكلام لا يخفى على الإسلاميين الشيعة فحسب، بل حتى أنصاف الإسلاميين والعلمانيين منهم. بل وبخلاف ذلك ستكون خسارة إيران كبيرة أيضاً، لأن شيعة العراق ظلوا دائماً الظهير الأقوى لشيعة إيران، وهو ما يجب أن تدركه بدقة متناهية أيضاً جميع التيارات السياسية الإيرانية في الحكم وأجهزة الدولة الإسلامية، فما يشدّ العراقيين بالإيرانيين، إنهما جناحان لأمة واحدة.
ولا أطرح هذا الكلام للاستهلاك الإعلامي بل هناك ألف دليل ودليل يثبت هذه الحقيقة العلمية.
4 ـ التأكيد على مضمون الحكم القادم وشكله، وفقاً للنماذج التالية:
أ ـ شكل الدولة: مركزية كانت أم لا مركزية، واحدة أم فدرالية (مثلاً: كانتونات كردية، سنية وشيعية)، حينها ماذا سيحقق كل واحد من هذه الإشكاليات للقضية الشيعية؟، فإذا كانت فدرالية، فكيف ستكون نوعية مركز السلطة الموحدة؟
ب ـ شكل الحكم: مثلاً: جمهوري أم ملكي؟، وكيف سيكون وضع الشيعة في ظل كل منهما، سواء كان مضمون الحكم إسلامياً؟.. وأريد بذلك القول بأن الحكم الملكي كان تركياً ـ إنجليزياً، ويحكمه المركب الذي أشرنا له بنفس الصيغ والمعادلات التي حكم بها الجمهوريون.
ج ـ المضمون الديني للحكم: مثلاً ما يترتب على كون الإسلام دين الدولة الرسمي من قوانين وأوضاع قانونية ذات علاقة بقضية الشيعة، وفيما لو كان الحكم إسلامياً، وما يترتب على ذلك من علاقة قانونية بين المذاهب الإسلامية.
د ـ المضمون السياسي للحكم: سواء كان ديمقراطياً أم إسلامياً، وماذا سيحقق كل منهما لأكثرية الشعب في منحها دورها الحقيقي في قيادة البلد. علماً بأن المنتظم السياسي العراقي إذا بقي على ما هو عليه الآن، حتى لو تقرر إقامة نظام ديمقراطي محلي في العراق، فإن الحكم الديمقراطي الشكلي في هذا ـ كما أثبتت التجربة التاريخية ـ سيحمل إليه ذات المركب نفسه. بل لو كان الحكم ديكتاتورياً أو اشتراكياً أو حتى إلحادياً، فلن يتغير شيئاً، إذ سيفرض ذلك المنتظم على السلطة الحاكمة أن تضمن المركب المذكور دون سواه، حتى لو كان الحكّام ملاحدة.
هـ ـ القانون الدستوري: ونقصد بذلك مصادر الدستور ونشأته وتشكيل الجمعية التأسيسية ودستور البلاد ومؤسسات التقنين وغيرها من موضوعات القانون الدستوري، كلها موضوعات أساسية للدراسة وعلى هذه الأسس والقواعد، تقف النتيجة الوحيدة التي تحدد مصير القضية الشيعية في العراق، وإلى الأبد، والمتمثلة في تغيير مضمون الدولة العراقية، وتغيير المنتظم السياسي الذي يحكم البلد منذ عام 1930، فلا يكفي تغيير نظام صدام وإحلال حكم ديمقراطي محله، بل لابد من تغيير الثقافة السياسية للحكم والنخبة الحاكمة، سنية أم شيعية، عربية أم كردية ويبدأ التغيير من تركيبة الجمعية التأسيسية التي تقوم بتدوين الدستور، مروراً بتحديد مصادر الدستور، ثم عند تدوين الدستور نفسه، والذي لابد من أن يكفل التغيير الجذري والشامل، ثم يأتي التحول في تركيبة السلطة وثقافتها، وكذلك وسائل الإعلام الرسمية والمؤسسة الدينية الرسمية والمؤسسة العسكرية، ثم مؤسسات التقنين والقضاء وغيرها.
إن هذا الطرح ليس طرحاً طائفياً أبداً، فالطائفية مرفوضة بكل أشكالها وألوانها ومضامينها، طائفية محمد رضا بهلوي مرفوضة، كما طائفية عبد السلام.
فنحن نتحدث عن الأبعاد القانونية والاجتماعية والسياسية للواقع الشاذ يسود الدولة العراقية الحديثة، التي هي دولة المركب التاريخي بمواصفاته المذكورة الحاكم، وليس الدولة العراقية الحقيقية. كما لا تدعو هذه الدراسة إلى قيام دولة شيعية طائفية في العراق، فهو أمر مرفوض تماماً، بل تدعو الدراسة إلى التغيير الكامل في البنية القانونية والفكرية والسياسية للدولة العراقية، لصالح نظام سياسي عادل متكافئ، يكون من الناحية القانونية مبنياً على الأسس التشريعية التي تقرها أكثرية الشعب، ويكفل للجميع حقوقهم، ويعطي للجميع مواقعهم الحقيقية وفقاً لكفاءاتهم، ولا يفرق بين عربي وكردي وتركماني وآشوري، ولا يفرق بين سني وشيعي، وهو الذي يضمن قيام عراق جديد يضمن استقرار البلاد، ويحفظ مصالح أبنائه دون تمييز، ويضمن وحدة المسلمين بكل طوائفهم وقومياتهم ذلك هو العراق الذي (تحكمه عدالة الإسلام، وتسوده كرامة الإنسان، ويشعر فيه المواطنون جميعاً على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم بأنهم إخوة.. يساهمون جميعاً في قيادة بلدهم، وبناء وطنهم، وتحقيق مثلهم الإسلامية العليا) ([13]) كما يقول الإمام الشهيد الصدر الأول فلكي نخلق هوية وطنية حقيقية لابد من دولة مجردة من طائفية مقننة معلنة أو غير معلنة، وبخلاف ذلك ستبقى أزمة الهوية العراقية قائمة وسيبقى قلق المواطنة قائماً وسيبقى قلق الدولة قائماً.
([1]) ومن أبرز هؤلاء: حسن العلوي في مشروعة الرائد الذي أخرج منه كتابين: التأثيرات التركية في المشروع القومي، والشيعة والدولة القومية في العراق. كما أن ما تصدره بعض المؤسسات واللجان يعد عملاً نافعاً، نأمل له التوغل في كل تفاصيل القضية، من خلال التحرك أفقياً استيعاب مختلف الطاقات العراقية وغير العراقية وبمختلف الاختصاصات لإثراء الموضوع، وعمودياً باتجاه استيعاب مختلف جوانب الموضوع ودراستها باستفاضة وعمق. وكذلك كتاب العقيد أحمد الزيدي حول المؤسسة العسكرية العراقية.
([2] ) أنظر: الملحق الإحصائي في كتاب: سنوات الجمر.. مسيرة الحركة الإسلامية في العراق 1957 ـ 1986، للكاتب نفسه، ص 413، دار المسيرة؛ لندن 1993.
([3] ) من النداء الثالث للشهيد الصدر، الذي وجهه للشعب العراقي في أيلول 1979.
([4] ) للكاتب نفسه، التكامل في مشروع الشهيد الصدر التغييري.. نموذج الملف السياسي، مجلة التوحيد، العدد 103، ربيع 1412هـ/ص92.
([5] ) تسمية الحرب الاستعمارية أقرب إلى الواقع من تسمية الحرب العالمية، لأن الحرب الأولى (كما الثانية) اقتصرت على الدول الاستعمارية الكبرى في أوروبا ومنظومة الشمال، وكانت أهدافها استعمارية وتوسعية صرفة.
([6] ) من النداء الثالث للشهيد الصدر.
([7] ) التكامل في مشروع الشهيد الصدر التغييري (مصدر سابق)، مجلة التوحيد، ص 91.
([9] ) أصبحت نسبة الشيعة بمرور الزمن حوالي 65% من سكان بغداد، بفعل الهجرة إلى العاصمة من مناطق الوسط والجنوب.
([10] ) التكامل في مشروع الشهيد الصدر التغييري (مصدر سابق)، مجلة التوحيد، ص 90.
([11] ) كنموذج على هذا الاتجاه، راجع تصريحات أحد هؤلاء في برنامج الاتجاه المعاكس (وهو من المحسوبين على المعارضة العراقية) الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية (القطرية) في تموز 1999، فهذا الشخص كان يتهم ندّه (الدكتور موفق الربيعي) بأنه إيراني شعوبي، وتحداه إن كان عراقياً، وذلك لمجرد كونه شيعياً. أما الشخص نفسه فكان يؤكد بأنه هو الذي يمثل العراق، وأنه هو العراقي الحقيقي، لأنه عربي وسني، وأنه يريد حماية العراق (ويقصد بالعراق هنا حكم العرب السنة) من غزو الذين يمثلهم الدكتور الربيعي، وهم الشيعة أي الغزاة الأجانب القادمون من إيران! حتى لو كان من شمّر وعنزة.
([12] ) أنظر: كرّاس التعريف بالمركز وفكرته وورقة عمله، وإصداراته الأخرى كالنشرة التوثيقية الشهرية (اتجاهات مستقبلية) ومجلة (المستقبلية) الفصلية التخصصية.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua