مثالية العقل الشيعي

Last Updated: 2024/04/26By

مثالية العقل الشيعي

د. علي المؤمن

المثالية الوطنية مهمة لبناء الوطن والدولة على قاعدة المواطنة والمساواة، وإعطاء كل ذي حق حقه. ولكن؛ على الشيعي الذي يتبنى المثالية الوطنية، أن يقوم أولاً بتغيير العقل الكردي والعقل السني، لكي يتبنيا هذه المثالية ومعاييرها عملياً، وليس نظرياً وبالشعارات، لكي تقف المكونات الثلاثة الرئيسة على قاعدة مشتركة، ولا يتركوا الشيعي يصارع تحديات الوطن والوطن لوحده، لأن العقل السني والعقل الكردي لا يؤمنان بالوطنية كما يحلم بها الشيعي، بل يريدان من الشيعي أن يضحي بكل شي تحت شعار الوطنية، وهما يجنيان المحصول السياسي والاجتماعي، كما حصل في منذ مطلع القرن العشرين وحتى ٢٠٠٣.

وقد ضحى الشيعي بروحه في حروب الدولة العثمانية الطائفية، تحت شعار الوحدة الإسلامية، بينما ظل السني والكردي يتحكمان بقرار الولايات العراقية العثمانية، ثم قاتل الشيعي الاحتلال الإنجليزي وأسس العراق المستقل، تحت شعار الوطنية وتراب الوطن، لكنهم قبلوا بحكم عميل إنجليزي سني غير عراقي، يحيط به عملاء العثمانيين والإنجليز.

وحين أعلن نظام البعث حربه على شريكه الكردي، كان الشيعي هو وقود الحرب، تحت شعار القومية العربية. وفي الحرب على إيران كان الشيعي هو وقود الحرب، حيث قيادة الدولة المصانة من القتل والقيادات العسكرية من السنة، أما الجنود وصغار الضباط المضحين باسم الوطن والقومية فهم الشيعة. وتكرر الأمر في حرب الكويت؛ فكانت القيادات السنية تنهب الكويت، وكان الشيعي يُقتل من أجل أن تتنعم القيادات السنية بخيرات الكويت.

وفي الانتفاضة الشعبانية، قامت قيامة المكون السني وكل المحيط الإقليمي الطائفي السني ضد احتمال أن يحكم الشيعة مناطقهم في الوسط والجنوب، ففعلوا بالشيعة ما لم يفعله هتلر في أعدائه. ثم خلال الغزو الأمريكي للعراق، كان الشيعي يتحمل وزر الاحتلال وتهمة التعاون معه، وكل أنواع الشتائم والسباب، رغم تضحياته الكبيرة خلال ٣٥ عاماً من حكم البعث، وفي الوقت نفسه كان هناك شيعي آخر يتفرد بمقاومة الاحتلال في الفاو والبصرة والنجف وبغداد، في حين هربت قيادات البعث السنية المنعمة، ومعها مليارات الدولارات، ولم تطلق رصاصة واحدة. وحين انجلى غبار المعركة؛ عاد الشريك السني، ليحاول التحكم بقرار الدولة، ويفرض شروطه، وهو يحمل نفس عقلية العام ١٩١٦ و١٩٢٠ و١٩٢١ و١٩٦٤ و١٩٦٨ و١٩٨٠ و١٩٩١.

لا شك أن الوحدة الإسلامية والاعتزاز بالعروبة والقومية والوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية، مفاهيم أساسية سامية وذات قيمة عالية، وهي القواعد الرصينة لبناء الوطن والدولة والحكم الرشيد. لكن المشكلة هي في مداليل العقل السني السلطوي لهذه المفاهيم الراقية؛ فمداليلها تعني لديه أن يكون هذا الوطن ملكه وحده، وهو المتحكم بقراره، وأن يكون هو رمز الوطن والحكم، وأن يكون الشيعي رمز التضحية والفداء من أجل الوطن والوطنية. ففي المغارم ظل السني، بكل طبعاته الإسلامية والقومية والبعثية والوطنية، يدفع أخيه الشيعي للمحرقة ليضحي من أجله، وهو يلقنه دروس المساواة والوحدة الإسلامية والوحدة القومية والوحدة الوطنية. ولكن في المغانم، يجلس السني على عرش الحكم، ليتفرد بالقرار والسياسة والمال، وينسى كل شعارات الوحدة التي أقنع بها الشيعي المسكين، بل يطلب من الشيعي أن يصفق له ويهتف باسمه، وإذا فتح الشيعي الوطني المضحي فمه مطالباً ببعض حقوقه وحريته الإنسانية والمذهبية والمجتمعية، ينقض عليه الحاكم السني قتلاً واعتقالاً واتهاماً: خائن.. عميل.. عجمي.. شروكي.. صفوي.. كاولي. وهذا المعادلة هي أوقح وأعمق معادلات النصب والاحتيال والاستغفال.

ولنا أن نتصور عمق هذه المعادلة؛ إذ لايزال كثير من المغفلين الشيعة مقتنعين بها، فتراهم مصرون على أن يبقوا ضحايا القنوات والإعلام والدعاية السنية الطائفية والعنصرية، التي تهدف الى إحراق الوسط والجنوب، والى تمزيق المجتمع الشيعي، وفي الوقت نفسه ترى بعض أولئك المغفلين، ينفذون أهداف الإعلام السني وشعاراته حرفياً.

وفي المقابل؛ هل رأيت سنياً يتأثر ــ مثلاً ــ بكلام قنوات الفرات وآفاق والعهد والاتجاه والغدير، حين تكشف عن ممارسات بعض السياسيين المتطرفين السنة؟ بل هل هناك سنة يستمعون لنشرات أخبار هذه القنوات؟ إذ يقولون هذه قنوات شيعية لا نسمح لأبنائنا وعوائلنا أن يشاهدوها. بينما ترى الشيعي، الطيب أو الغافل أو المنفتح أو المصدق بالشعارات، تراه لا يفارق نشرات أخبار القنوات السنية الطائفية، ويعتبر أنها مجرد إعلام وأخبار.

لذلك؛ لا بد من التأمل في هذه أجزاء المفارقة التالية:

1 – في العام ٢٠١٣، السنة في يتمردون على الدولة العراقية وعلى الجيش الوطني وعلى الحاكم الشيعي.

2 – في العام ٢٠١٤، يتسبب التمرد السني في سيطرة داعش والبعث والعشائر السنية المتحالفة معهما، على أغلب المدن السنية، مما يؤدي الى عمليات تدمير وقتل ونهب وتشريد واغتصاب لملايين السنة.

3 – في العامين ٢٠١٥ و٢٠١٦، يقوم الشيعة، عبر الجيش والشرطة والحشد الشعبي، وبدعم إيران، باستعادة المناطق السنية من الاحتلال الداعشي البعثي العشائري، ويعيد الأهالي السنة الى مدنهم معززين مكرمين، ويقدم الشيعة في حرب التحرير هذه آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى.

4 – في العامين ٢٠١٧ و٢٠١٨، وتقديرا لكل هذه التضحيات والجود والنبل الشيعي، تقوم ماكنة الدعاية السنية، الحزبية والإعلامية، بشيطنة الحشد الشعبي وفصائل المقاومة وايران وحزب الله، وتنجح في غسل كثير من الأدمغة، وتكاد تتسبب بإحراق الوسط والجنوب، لولا حكمة العقلاء وصبر المضحين.

هذا جزاء الإحسان الذي دفع ثمنه الشيعة حين وقفوا الى جانب الدولة التركية السنية ضد الغزو الإنجليزي، لكن الأتراك جازوهم في العام ١٩١٥ باستباحة الحلة الشيعية المضحية لثلاثة أيام، فأحرقوها واغتصبوا النساء وقتلوا الرجال ونهبوا البيوت والأسواق. ثم جازاهم عملاء الإنجليز في العام ١٩٢١ وتنكروا لهم بالكامل. وجازاهم صدام عن تضحياتهم في الحرب ضد إيران، حين دفنهم في (١٣٠٠) مقبرة جماعية في العام ١٩٩١.

هذا لأن العقل السني هكذا يفكر، ولأن العقل الشيعي طيب مثالي غير واقعي، ولن تنفع الشيعي حينها كل تضحياته وموته من أجل الوطن، وصراخه لإثبات وطنيته، وتنازلاته ومثاليته و(انبطاحه أحياناً)، إلّا أن شريكه السني يظل يشكك في انتمائه للوطن وفي عراقيته، ويصفه بالعجمي والصفوي والتبعي والشروكي. فشركاء الوطن يضحكون على الشيعي وهم يستمعون الى خطابه المثالي.

وحيال ذلك؛ هناك من يسأل: ما هو الحل إذن؟

الحل؛ أما أن يتغير العقل السني والعقل الكردي ليؤمنا حقيقية بالمثاليات الوطنية نفسها التي يؤمن بها الشيعي الطيب، أو يتغير العقل الشيعي ليتعامل بالمثل مع شركاء الوطن، ويرفض ازداوجيتهم في المعايير، ويقف بالمرصاد حيال حقوقه، حتى آخر حجر وحبة ثمر. وبعدها يمكن الحديث عن تطبيق الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية، بكل معالمهما السامية والجميلة والواقعية.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment