ماذا لو فقد المرجع الديني قدرته على تفعيل منصبه؟

Last Updated: 2024/04/22By

ماذا لو فقد المرجع الديني قدرته على تفعيل منصبه؟

د. علي المؤمن

إذا كان المرجع الشيعي الأعلى والولي الفقيه، مسلوب القدرة على تفعيل مناصبه وموقعه، رغم كل ما يمتلكه من صلاحيات قيادية وولائية واسعة وتوصيفات وظيفية مهمة؛ فإنه سيتحوّل الى مجرد مفتي، وربما لا تصل صلاحيته إلى نصف صلاحية المفتي السني، رغم أن الأخير مجرد موظف لدى الدولة، لأنّ المرجع الشيعي الأعلى إذا كان يفتقد الى الأدوات ولا تدعمه الظروف؛ فإنه قد لا يتجرأ ــ في بعض الأحيان ــ حتى على إعلان يوم العيد، بما يخالف إعلان الدولة أو إعلان المفتي السني للدولة، بل لا يستطيع أن يفتي أو يقضي بين مقلديه حتى في موضوعات الأحوال الشخصية، وهو ما كان يحدث ــ مثالاً ــ في ثمانينات القرن العشرين في ظل نظام البعث، حين كان المرجع الأعلى يعيش في ظل القمع والتهميش والتلويح بالاعتقال والتسفير والإعدام، ويصبح غالباً في حالة تشبه الإقامة الجبرية، ولا يقدر على تفعيل ولايته على الفتوى والأحكام الشرعية؛ فكيف بولايته على القضاء والحقوق المالية والحسبة؟ وكيف سيتمكن من حفظ النظام العام، والدفاع عن حياة الأفراد والمجتمع، ودرء المفاسد العقدية والأخلاقية والمعيشية والسياسية عنهم، وجلب المصالح لهم؟.

وكمثال على قدرة الدولة على التعسف اللامتناهي حيال الصلاحيات الفتوائية للمرجعية الشيعية، ما ذكره الباحث البعثي بشار عواد معروف، الذي كان مستشاراً دينياً في وزارة الأوقاف العراقية في نظام البعث؛ إذ يقول بأنّ الوزارة منعت في ثمانينات القرن العشرين طباعة الرسالة الفقهية العملية للمرجع الأعلى السيد أبي القاسم الخوئي، لأنها تحتوي على مسألة فقهية حول مبطلات الصلاة، وأحدها التكتف، أي وضع اليدين على الصدر أو البطن أثناء الصلاة، وطلبت الوزارة من السيد الخوئي حذف هذه المسألة من الكتاب، لأنها تخدش في مذهب رئيس النظام ومسؤولي الدولة، لأنهم سنة ويتكتفون أثناء الصلاة، وقد شدد رئيس النظام صدام حسين على قرار وزارة الأوقاف البعثية، وصب جام غضبه على السيد الخوئي بسبب هذه المسألة الفقهية. فإذا كان مرجع الطائفة في العالم، لا يستطيع ذكر رأيه الفقهي في مسألة فقهية جزئية؛ فكيف بإمكانية ممارسة صلاحياته الأُخر في القضايا الكبيرة؟!.

والحقيقة أنّ سلب قدرة المرجع على تفعيل منصبه وموقعه في قيادة المجتمع وأداء وظائفه التي تفرزها مناصبه الحصرية، أو عجزه عن ذلك لأي سبب كان؛ يعني حصول فراغ فعلي في الموقع، لأن المرجعية حينها ستكون فاقدة لمضمونها، ويكون الحائز على موقعها مرجعاً اسمياً، وهو ما يقود الى نقاش نظري حول جدوى احتفاظ الفقيه بموقع المرجعية العليا والولاية والزعامة والقيادة، حين يكون مسلوب الصلاحية فعلياً، وعاجزاً عن ممارسة وظائفه، بالنظر للمقاصد العملية والتنفيذية العميقة التي يحتويها موقع المرجعية والولاية، وهي ليست مقاصد نظرية وعلمية وحسب، إنما مقاصد ترتبط بمصير الأُمة وواقع المجتمع على مختلف الصعد. وهذا الموضوع لا يختلف بين مرجع يعتقد بولاية الفقيه الخاصة ومرجع يؤمن بولاية الفقيه العامة؛ إذ أن الولاية الخاصة تتضمن جميع ولايات الفقيه، عدا ولاية الحكم، وبالتالي؛ فإن منصب الفقيه المرجع يتضمن ولايتي القضاء والحسبة، وكلاهما بحاجة الى ظروف اجتماعية وسياسية داعمة وأدوات تنفيذية عامة.

وفيما لو كان الولي الفقيه منتخباً من قبل فقهاء الأُمة المنتخبين شعبياً (مجلس الخبراء)؛ فإن هذا المجلس كفيل بعزل الولي الفقيه في حال عجزه عن أداء وظائفه لأي سبب، لكن الإشكالية المهملة التي نطرحها هنا تتعلق بالمرجع الأعلى الذي يحوز موقع المرجعية وفق الأساليب التقليدية، حين يعجز عن أداء وظائفه، سواء لأسباب شخصية أو ظرفية، وهي إشكالية بحاجة الى مزيد من البحث والنقاش العلمي، بعيداً عن الإسقاطات الشخصية والسياسية والأحكام النمطية، من أجل تشخيصها وإيجاد البدائل والحلول لها.

ولعل هناك من يقلل من أهمية هذه الإشكالية، ويقيس حالة المرجع بالإمام المعصوم وعموم سيرة أئمة آل البيت؛ إذ أن أغلب الأئمة كان يعيش أيضاً حالة التهميش والقمع والتشريد، ولم يكن قادراً على العمل وفق موقعه وصلاحياته، لكنه ــ أي الإمام المعصوم ــ بقي في منصبه وموقعه، رغم الحصار المفروض عليه، ورغم وجوده في السجن أحياناً، وعليه؛ يمكن للمرجع الاحتفاظ بموقعه، وإن كان مسلوب الإرادة وعاجزاً عن ممارسة صلاحياته وفاقداً لأدوات أداء وظائفه، قياساً بسيرة الإمام المعصوم. وهذا القياس باطل بالجملة، بالنظر للفارق الجوهري بين نصب الإمام وتكليفه ونصب المرجع وتكليفه؛ فالإمام المعصوم منصوب بالاسم، وتكليفه إلهي، أي أن وجوده الشخصي ومنصبه وموقعه هو كيان واحد، كما أن تكليفه حيال كل القضايا ليس اجتهاداً وليس رؤية شخصية، بينما هذا الواقع والتكليف غير متحققين في الفقيه.

 

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment