ماذا تريد أمريكا والسعودية وإسرائيل من العراق

Last Updated: 2024/04/22By

 

ماذا تريد أمريكا والسعودية وإسرائيل من العراق؟

د. علي المؤمن

أصبح العراق منذ سقوط دولة البعث الطائفية العنصرية؛ بؤرة تجاذب أساسية بين محور الهيمنة الإستئصالي الخارجي، ومحور الممانعة التأصيلي الداخلي، وهما محوري الصراع الشامل في الشرق الأوسط؛ بوسائله الايديولوجية والسياسية والأمنية والثقافية:

    الأول: محور الهيمنة الإستئصالي: وهو محور خارجي ذو صبغة استعمارية، تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، بمساعدة ركني المحور الأساسيين الكيانين الإسرائيلي والسعودي. ويهدف هذا المحور الى إعادة بناء الشرق الأوسط على كل المستويات، ليكون إمتداداَ سياسياً وأمنياً وثقافياً واقتصادياً للولايات المتحدة، وتكون إسرائيل الواجهة الأمنية لهذا المشروع وحاميته الإقليمية، بينما تكون السعودية الواجهة الدينية له. أي أن العقيدة الأمنية الإسرائيلية تكون هي مركز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وتكون الدول العربية الشرق أوسطية أطرافاً لهذا المركز. بينما تكون العقيدة الدينية السعودية؛ هو ما يدين به المسلمون العرب السنة، ويذعن لهيمنته المسلمون العرب الشيعة.

    الثاني: محور الممانعة التأصيلي: وهو محور داخلي ذو صبغات وطنية إسلامية، تقوده الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومرجعية النجف الأشرف، وتمثل أركانه الجماعات والمؤسسات الدينية والسياسية والثورية الشيعية في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين، إضافة الى الحليفين الأساسين للمحور: النظام السوري والمقاومة الفلسطينية. ويهدف هذا المحور الى منع سقوط الشرق الأوسط في شباك محور الهيمنة، وبناء بلدان المنطقة بناءً وطنياً مستقلاً أمنياً وسياسياً وثقافياً؛ بما ينسجم مع عقيدة أبنائها وتطلعاتهم.

وحين وجد العراق نفسه ساحة أساسية لصراع المحورين المذكورين؛ فإنه انحاز نفسياً وعاطفياً لصالح المحور الداخلي الوطني الإسلامي، وهو ما يمكن وصفه بالانحياز التلقائي الطبيعي؛ لأنه ينسجم مع الحقائق المحلية الجغرافية والدينية والثقافية والاجتماعية للعراق وشعبة. أي أن الواقع العراقي حين يرفض مشروع الهيمنة الأمريكي الإسرائيلي السعودي؛ فإنه ينسجم مع نفسه، وفي المقابل يتفاعل مع حقائقه؛ حين يكون جزءاً من محور الرفض الداخلي.

وكانت واشنطن قد شرعت بتنفيذ مخططاتها بعد غزو العراق في العام 2003، بالتأسيس لدولةٍ عراقية تابعة لمشروعها في أبعاده السياسية والأمنية والفكرية، وتكون ركيزة أساسية لمنظومتها الشرق أوسطية؛ حالها حال إسرائيل والسعودية. كما خططت أمريكا لنظامٍ سياسي عراقي لصيقٍ بأجنداتها، وديمقراطيةٍ علمانية متغربة تقضي على تأثير الإسلام والتشيع المقاوم في الواقع الرسمي وشبه الرسمي، وتطبق هذه الإجندات حكومات عميلة؛ وإن تشدّقت بالنضال والوطنية في الظاهر؛ ليكون العراق الجديد نموذجاً تعيد أمريكا إنتاجه في سوريا وتركيا وإيران وبلدان عربية وإسلامية أخرى.

ولكن الذي حدث كان مفاجِئاً للولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد قوبل مشروعها بواقع إسلامي شيعي عراقي فاعل رافض، يتمثل في أضلاع المثلث الشيعي التاريخي المقاوم: الضلع الثوري، والضلع السياسي، والضلع الديني، والذي قلب الطاولة على معظم مفاصل المشروع الأمريكي؛ ليس في العراق وحسب؛ بل في المنطقة برمتها، وحوّل العراق الى أحد مرتكزات رفض السياسات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية في المنطقة، بدءاً من الإصرار على الانتخابات والدستور الدائم، وانتهاءً بصعود الإسلاميين الشيعة الرافضين لتطبيق المشروع الأمريكي في العراق؛ الأمر الذي جعل الواقع العراقي الجديد عرضةً لكل ألوان التآمر السياسي والتخريب الأمني والتدمير الإقتصادي والتسقيط الثقافي من أركان محور الهيمنة الأمريكي الإسرائيلي السعودي. وهذا لايعني أن واشنطن فشلت بالكامل في تحقيق أهدافها؛ لكنها لم تستطع حتى الآن تحقيق أكثر من 20 بالمائة من أهداف مشروعها؛ برغم استخدامها لكل الوسائل غير المقبولة إنسانياً وسياسياً وأمنياً.

أما تل أبيب فقد كانت تطمح لعراق يطبّع معها سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، ويرفع علمها فوق سفارةٍ إسرائيلية فاعلة في بغداد، كما هو الحاصل في القاهرة وعمّان وغيرهما، ويسمح لليهود الإسرائيليين بالحضور الى العراق بكل العناوين؛ لكنها فوجئت بممانعة عراقية حقيقية حالت دون فتح ثغرة رسمية وشعبية في الواقع العراقي؛ باستثناء ثغرات صغيرة تحميها أمريكا بكل وسائل الإبتزاز في الشمال العراقي، وهي موجعة للعراقيين؛ برغم صغرها.

بينما ظلت الرياض تخطط لاستثمارات سياسية ومذهبية وايديولوجية في المحافظات السنية العراقية؛ بهدف اختطافها وجعلها حديقة خلفية للسعودية، من خلال جماعاتها وعملائها السياسيين والدينيين، وكذا فتح ثغرات سياسية واجتماعية ومذهبية في المحافظات الشيعية لتشكل جدار حماية لمشروع النفوذ السعودي العميق في مفاصل الدولة العراقية. إضافة الى إعادة تدوير المليارات التي سبق للسعودية أن دفعتها لصدام حسين لتدمِّر بها العراق وإيران. وفضلاً عن أهداف السعودية المشتركة مع أركان محور الهيمنة؛ فإن لها هدفاً ايديولوجياً خاصاً؛ يتمثل في تدمير تجربة المشاركة الشيعية في حكم العراق، وعدم السماح للعراق باستعادة هويته التي تمثلها الأغلبية الشيعية. وهذه الايديولوجيا تنطلق من عقيدة التكفير التيمية الوهابية التي تعدّ الشيعة أو ماتسميهم بالرافضة، كفرة أنجاساً مهدوري الدم. ورغم أن النظام السعودي لايصرح بهذا الهدف غالباً، إلا أنه لايزال يسعى بكل الوسائل الى تحقيقه على الأرض.

بيد أن النظام السعودي تفاجأ ـ هو الآخر ـ بعمق الحالة الإسلامية الوطنية الشيعية التي ترفض حتى رائحة الوهابية أو أي نفوذ للسعودية، كما أنه تلمّس حجم الحساسية الكبيرة والكراهية المتأصلة تجاه العقيدة الوهابية التي تمثل ايديولوجيا مشروع النفوذ السعودي. ولم يستطع النظام السعودي ـ رغم كل وسائل الابتزاز والضغط والدعاية والمال ـ خداع الرأي العام العراقي ببرائته من خلق الجماعات التكفيرية الوهابية ودعمها؛ ليس بدءاً بالقاعدة، وليس انتهاءً بداعش. وإذا استطاعت السعودية أن تحقق بعض الإنجازات في الواقع العراقي؛ فإنما هي إنجازات تخريبية لاتمت بصلة الى الشرف والضمير والإنسانية، وفي مقدم ذلك العمليات الإرهابية وإرباك العملية السياسية وتخريبها من الخارج والداخل، عبر الشخصيات الأجنبية والمحلية التي تنفذ أجندتها.

وبالتالي؛ ما برح العراقيون يدركون أن مشكلة أمريكا والسعودية وإسرائيل ليست مع ما يسمونه بالنفوذ الإيراني في العراق؛ بل مع العراق نفسه. وأن صيحات مواجهة النفوذ الإيراني في العراق ما هي إلّا الشماعة التي يعلق عليها محور الهيمنة الخارجي مسوغات تدخله وتخريبه وتشبّثه بمشروع تحويل العراق الى تابع له. و بكلمة أوضح: إن مشكلة هذا المحور هي مع الوطن العراقي الذي استعاد هويته بعد العام 2003، ومع المواطن العراقي الذي أعلن عن هويته، وطالب بدولة متماهية مع هويته. وهوية العراق التي بدأت تتكشف للعالم بعد العام 2003؛ هي هوية بلدٍ ذي أكثرية شيعية إسلامية وطنية ممانعة، تقود الى دولةٍ يغلب عليها الطابع الوطني الشيعي، وحكومة يقف على رأسها شيعي إسلامي، و أن الايديولوجيا الإسلامية هي التي تغلب على الواقع الشيعي العراقي، وأن هناك مدينة في العراق إسمها النجف الأشرف؛ يسكن فيها مرجع الشيعة الأعلى؛ هو الذي يقود المنظومة الدينية الإجتماعية الشيعية، وهي منظومة ـ ببنيتها الفكرية والنفسية التاريخية المتراكمة ـ رافضة للهيمنة الخارجية والطائفية. وهذه الحقائق لا تريد أمريكا وإسرائيل والسعودية أن تعترف بها، و تنظر الى العراق على أساسها، بل لاتزال أنظمة هذه الدول تسعى بكل الوسائل لتفكيك هذه الحقائق، و الضغط بقسوة لتشكيل هوية عراقية مشوهة تتلائم وأهدافها؛ بالصيغة التي سبق للعثمانيين والإنجليز والبعثيين أن سعوا اليها في الماضي.

وبالتالي؛ من المستبعد أن يحقق محور الهيمنة الخارجي الإستئصالي أهدافه في ظل الجدران العراقية التي تسد عليه الطرق؛ إذ أثبتت الوقائع العراقية بعد العام 2003 أن العراقيين أكثر وعياً وحنكة وممانعة مما تصور الأمريكان والإسرائيليون والسعوديون، وأن العراقيين يعون أن محور واشنطن ـ تل أبيب ـ الرياض لن يرضى عنهم حتى يتبعوا ملته، ولسان حاله يردد مقولة معاوية بن أبي سفيان: ((يا أهل العراق، أترون أني إنما قاتلتكم لأنكم لا تصلون… إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم)).

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment