لماذا لا أكتب في الموضوعات الخلافية

Last Updated: 2024/04/22By

لماذا لا أكتب في الموضوعات الخلافية؟

د. علي المؤمن

تصلني كثيراً من الرسائل على الخاص يطلب فيها أصحابها أن أكتب في موضوع محدد أو في حدث يشغل الساحة ويشعل وسائل التواصل الإجتماعي؛ بل يستغرب بعضهم أني لا أكتب في أحداث بعينها.

ففي الفترة الأخيرة ـ مثلاً ـ طلب كثير من الأصدقاء أن أكتب حول زيارة السيد مقتدى الصدر الى السعودية (وصلتني 46 رسالة على الخاص أو على الوتساب تستفزني لأكتب في هذا الموضوع)، وألحّ آخرون أن أكتب عن اتفاق حزب الله لنقل مقاتلي داعش من عرسال الى البو كمال؛ بينما تكثر الرسائل التي يود أصحابها أن أكتب عن الفساد في العراق ومظاهره ورموزه؛ ولاسيما ما يرتبط بالمسؤولين الشيعة، أو عن موقف حكومة السيد العبادي من الحشد الشعبي، ومستقبل الحشد بعد التحرير، أو عن الخلافات داخل قيادة حزب الدعوة، وتحديداً بين السيد المالكي والسيد العبادي، وكذا عن الخلافات بين السيد عمار الحكيم والمجلس الأعلى قبل وبعد تأسيس تيار الحكمة، ومستقبل هذا التيار، أو موقف بعض رموز شيعة السعودية والبحرين من حكومتيهما، أو ما تبثه الفضائيات التي يمتلكها التيار الشيرازي، وواقع هذا التيار وعلاقاته، أو عن سبب عدم اللقاء بين المرجع الأعلى السيد السيستاني والمرجع السيد محمود الهاشمي خلال زيارة الأخير الى العراق، وغيرها من الموضوعات التي يختلف فيها أبناء البيت الواحد.. ويتخاصمون أحياناً.

أقول للأحبة: إن هذه الموضوعات تدخل في صلب اهتماماتي ومتابعاتي؛ لأنها تمس صميم واقعنا العراقي والشيعي، ولي فيها رأي وتحليل، وأمتلك أزاءها مواقف محددة مبنية على حجم المعلومات التي أمتلكها ونوعها من جهة، وعلى طبيعة انتماءاتي من جهة أخرى؛ لأني؛ وإن كنت باحثاً أتجرد من التزاماتي العاطفية والسياسية خلال التحليل والوصول الى الحقيقة، ولكني لست حيادياً إزاء ما تمليه عليّ هويتي الإنسانية والدينية والوطنية، وانتمائي الاجتماعي ـ المذهبي.

ومن منطلق هذا الانتماء والالتزام؛ أرى أن طرح هذا اللون من المسائل الخلافية داخل البيت الشيعي الواحد، وكشف خصوصياتها والمعلومات عنها، والإعلان عن المواقف حيالها؛ عمل خاطئ، بل محرّم غالباً، لأنه ــ في أقل التقادير ــ يؤدي الى مزيد من الشحن العاطفي، ويساهم في التصعيد الإعلامي المتشنج، وفي الاحتراب الكلامي والشد العصبي والتوتر المجتمعي، وربما الصدام الميداني داخل الشارع الواحد، وبين الأشقاء والأقرباء والأصدقاء، ولا سيما أنّ وسائل التواصل الإجتماعي باتت ساحة مفتوحة للفتنة والتفرقة والتضليل والكذب والافتراء والبهتان والنميمة والتشهير والبذاءة والشتائم والتهديد ونشر الغسيل وهتك الحرمات وتصفية الحسابات، وكل ألوان النشر الحرام؛ دون أية ضابطة أو وازع من إنسانية ودين وضمير وعرف اجتماعي وحياء، وغالباً ما يكون صوت الجهلاء والمنفلتين والكذابين وأصحاب الفتنة هو الأعلى، وهو ما يصب في مصلحة الخصوم الحقيقيين لساحتنا الوطنية والشيعية. وأزعم أن ما يصلني من معلومات في الموضوعات والأحداث التي ذكرت بعض نماذجها؛ مهم ودقيق؛ ولكن؛ ما كل ما يعرف يقال.

وهذا لا يعني أني أقف موقف المتفرج أزاء هذه الأحداث والموضوعات؛ فإن كتبتُ يوماً فسأكتب ما أعتقد أن فيه مصلحةً لرأب الصدع وخفض منسوب الشحن والتوتر بين جماهير الأطراف المختلفة. إضافة الى ذلك؛ فإني أُصرح بالموقف الذي أراه صحيحاً، لأصحاب الشأن مباشرة، وأُفصِّله أمامهم؛ بكل الوسائل الخاصة المتاحة، دون تردد أو وجل؛ لأني أعتقد أن خلافات أبناء البيت الواحد ينبغي أن تكون أمانات وأسرار، وهو ما تقتضيه المصلحة الشرعية، لأني لا أعدّ أياً من أبناء هذا البيت خصماً أو عدواً، وإن خالفتهم الرأي وعارضتهم؛ لأنهم جميعاً صحبي وعشيرتي وأهلي الذين أمارس معهم واجب النصح والردع والرفض في الخفاء.

وبالتالي؛ فإن تقريب وجهات النظر ورأب التصدعات وتصحيح المسارات وإصلاح الأمور هي حاجات أساسية ومصيرية، وقد أوصانا أمير المؤمنين (ع) أن نستعين على قضائها بالكتمان.

وفي الوقت نفسه؛ أستغرب كثيراً ممن يكتب وينشر دون شعور بالمسؤولية أزاء الأخلاق والدين والمذهب والوطن والمجتمع وحرمات الناس، ويمارس أبشع ألوان التخريب والتفرقة والتمزيق والتسقيط والتضليل والتشويه، وهو يعتقد أنه صاحب قناعة، ويرى أن ما يكتبه وينشره قائم على الالتزام الأخلاقي والإنسانية والتدين والوطنية. والحقيقة أنه أعمى البصيرة ومتعجل وموتور وحاقد وناقم وضال ومريض نفسياً. وإذا كان اللوم كبيراً على مثل هذا الشخص؛ فلأنه لا يزال داخل خيمة البيت الواحد. أما من يحمل أجندة تخريبية مدفوعة الأجر؛ فلا عتب عليه، لأنه خائن ومأجور. ولكن ربما لا يعلم هذا المأجور بأن خيانته لهويته الدينية والمذهبية والوطنية والاجتماعية؛ إنما ستحرق أصابعه أيضاً؛ لأنه يساهم في تهديم البيت الذي يسكن فيه أو تسكن أسرته ومكونه.

ولو كان الهدف مما نكتب هو السبق المعلوماتي والتسابق على التشهير، وكسب المتابعين والقرّاء، والحصول على مزيد المصفقين والمعجبين؛ لكنت من الأوائل في هذه اللعبة غير الشريفة. بل لو كان الهدف من هذا اللون من الكتابة هو الانتقام أو تصفية حسابات شخصية؛ لتمكنت من الانتقام من كثيرين، ولاسيما أن من هضم حقي أو تسبب لي في أذى يوماً؛ يعلم بأن قلمي كالسيف وحبري كالسم فيما لو أردت أن أنتقم. ولكن تحقيق هدفي من السبق المعلوماتي أو التسابق على التشهير أو الانتقام سيكون على حساب ماذا؟! دون شك؛ سيكون على حساب حرمات الآخرين، وعلى حساب مصلحة ديني ومذهبي ووطني ومجتمعي. وهذه المصلحة هي معياري في كل حرف وقول وسلوك.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment