لماذا دعم حزب الدعوة الإسلامية حركة السيد محمد الصدر

Last Updated: 2024/04/22By

لماذا دعم حزب الدعوة الإسلامية حركة السيد محمد الصدر؟

د. علي المؤمن

كان حزب الدعوة الإسلامية، بأغلب قياداته وكوادره وقواعده، يؤيد السيد محمد الصدر، ويدافع عنه وعن حراكه بقوة أمام الهجمات التي كان يتعرض لها من بعض أطراف المعارضة الإسلامية العراقية، وكان “الدعاة” يوزعون خطبه ويشرحون مواقفه للناس ولباقي أطراف المعارضة، ويوصلونها الى المسؤولين للإيرانيين، ويتحملون جراء ذلك مزيد الاتهامات.

وتزامن ذلك مع الهجمة الشرسة أيضاً التي تعرض لها حزب الدعوة جراء تبني قيادته مرجعية السيد محمد حسين فضل الله؛ فكان الجزء الأكبر من الحزب يروج لمرجعية السيد فضل الله الدينية من جهة، ويروج لحركة السيد محمد الصدر السياسية من جهة أُخرى، وهو ما تسبب للحزب في مشاكل معقدة مع بعض المسؤولين الإيرانيين الذين كانوا يتسلمون تقارير من جهات إسلامية عراقية تحذر الإيرانيين بشدة من مرجعية فضل الله وحركة الصدر. إلّا أن الأجهزة الإيرانية ذات العلاقة، وتحديداً مكتب السيد الخامنئي ووزارة الاطلاعات (المخابرات) وقوات القدس، كانت تتسلم رؤى مغايرة أيضاً عبر مصادرها داخل العراق ولبنان، وعبر بعض القيادات الإيرانية النافدة من ذوي الأصول العراقية، وخاصة الشيخ محمد علي التسخيري.

كان الشيخ محمد علي التسخيري يلعب دوراً مؤثراً في الدفاع عن السيد محمد حسين فضل الله، وبصورة أقل عن السيد محمد الصدر؛ لفهمه العميق لطبيعة مواقفهما وحراكهما، الى حد كان يتدخل فيه الشيخ التسخيري بشكل مباشر عند السيد الخامنئي. وكنتُ شخصياً شاهداً على بعضها وحاضراً تفاصيلها، وكان منها لقاء تم بين الشيخ التسخيري والسيد فضل الله في سوريا في العام 1999، وكنتُ قد التقيت السيد فضل الله حينها ونسقت معه الموعد وحضرت اللقاء بينه وبين الشيخ التسخيري، وفيه تحدث الشيخ التسخيري مع السيد فضل الله حول تفاصيل جهوده لرفع الملابسات بشأن رؤية مكتب السيد الخامنئي حول مرجعية السيد فضل الله وحركة السيد محمد الصدر. ثم كان هناك لقاء آخر بينهما في سوريا بعد سقوط نظام صدام، وهي الزيارة ذاتها التي التقى فيها الشيخ التسخيري بالسيد محمد سعيد الحكيم الذي كان يزور سوريا أيضاً.

وكان جزء من قوات بدر يدافع عن السيد محمد الصدر ويؤيد حركته؛ فالقسم من البدريين الذين كانوا منخرطين في حركة السيد محمد باقر الحكيم كانوا يقفون بالضد منه، والقسم الذي تعود أصولهم الى حزب الدعوة الإسلامية كانوا يتعاطفون معه؛ بل يتواصلون معه، وهو خط (أبو مهدي المهندس) و(أبو علي البصري).

في سوريا؛ كان نوري المالكي، المسؤول عن تنظيمات حزب الدعوة في العراق وسوريا ولبنان والبلدان الخليجية، متحمساً لحركة السيد محمد الصدر ومدافعاً عنها، ومروجاً لها، ولعله كان أكثر قيادات حزب الدعوة تواصلاً معها. وكان يشكل مع القياديين في الحزب الشيخ عبد الحليم الزهيري والسيد حسن النوري، مثلت احتضان مرجعية فضل الله وحركة السيد محمد الصدر. وكان الشيخ مهدي العطار يمارس الدور نفسه في إيران، وتحمل كثيراً من النقد والمشاكل جراء ذلك؛ كونه فقيهاً وأُستاذاً بارزاً في الحوزة العلمية، وليس مجرد قيادي في الحزب.

وحين كنتُ في زيارة الى إيران في نهاية العام 1998، سألني الشيخ محمد مهدي الآصفي عن مشاهداتي ورأيي في توجهات “الدعاة” السياسية الداعمة للسيد فضل الله والسيد محمد الصدر، في جلسة استمرت أكثر من ساعتين، وكان الشيخ حينها يبحث عن مسوغات شرعية وواقعية تجعله يبقى في “الدعوة” ولا يخرج منها. فبينت له وجهة نظري حيال مواقف الدعاة بهذا الخصوص:

1- “الدعاة” موزعون على أربع مرجعيات: فضل الله والخامنئي ومحمد الصدر والسيستاني، بين مقلد ومؤيد ومتعاطف، وهو دليل على تدين “الدعاة” والتزامهم بعقيدة التقليد والمرجعية.

2- بعض الدعاة يؤيد الأربعة معاً، ولا يرى في ذلك أي تعارض، رغم رجوعه الى أحد المرجعيات في التقليد، والنموذج الأبرز لهذا التوصيف هو الشيخ مهدي العطار؛ فهو مقتنع قناعة شرعية، بأن الواجب يحتم عليه الالتزام بقيادة السيد الخامنئي ودعم حراك السيد محمد الصدر وتبني مرجعية السيد فضل الله والاقتراب من مرجعية السيد السيستاني، ولذلك؛ فإن مؤسسته ومسجده ومدرسته الدينية في قم، تعبر عن توجهه، وهو دليل وعي وعمق ونظرة شمولية.

3- بعض “الدعاة” يقلد السيد الخامنئي أو يلتزم بولايته، ويرى في تبني مرجعية السيد فضل الله والدفاع المستميت عنها، تعارضاً مع ولاية السيد الخامنئي ومرجعيته، ومع العلاقة بباقي المرجعيات، وأنه يتسبّب في خسارات متراكمة للدعوة، وخاصة في علاقاتها النجفية وعلاقتها بالجمهورية الإسلامية، وأن ولاية الأمر لا تتجزأ، وهي منحصرة بالسيد الخامنئي، وأن تأييد حراك السيد محمد الصدر جيد، ولكن ينبغي ألّا يكون على حساب العلاقة بالمرجعيات النجفية الأُخر. وهؤلاء “الدعاة” حريصون على “الدعوة” وإرثها الفقهي والفكري والتاريخي المرتبط بالنجف وببيعة الدعوة للولي الفقيه، وأنت يا سماحة الشيخ نموذج هؤلاء “الدعاة” (خطابي هنا موجه الى الشيخ الآصفي).

4- الجزء الأكبر من “الدعاة” يرى ضرورة تبني حراك السيد محمد الصدر ودعمه دون قيد أو شرط، لأنه يمثل عودة الى خط المؤسس السيد الشهيد محمد باقر الصدر وعودة الى النجف، من الباب الأصلي الذي يتبناه حزب الدعوة، وهو باب الفقه الحركي الميداني.

5- “الدعاة” الذين رجعوا بالتقليد الى السيد السيستاني، رجوعاً دينياً محضاً، هم غالباً كانوا يقلدون السيد الخوئي، وفي الوقت نفسه منخرطين في حراك السيد الشهيد محمد باقر الصدر، وكذلك ملتزمين بولاية الإمام الخميني، وهم الآن لا يرون في تقليد السيد السيستاني تعارضاً مع التزامهم بولاية السيد الخامنئي، وتأييد التوجهات النهضوية للسيد فضل الله، ودعم حراك السيد محمد الصدر الاجتماعي الديني.

حينها طرح الشيخ الآصفي تصورات مهمة وعميقة لإخراج “الدعوة” من هذا التشتت المرجعي والفكري السياسي، مع تأكيده أن يتمسك حزب الدعوة بفقهه السياسي الذي تبناه نظرياً وعملياً بعد العام 1980، والمتمثل في مبدأ ولاية الفقيه ومصداقها الإمام الخميني، ثم السيد الخامنئي من بعده. في حين كان موقف حزب الدعوة الرسمي يعمل على التوازن في توجهات “الدعاة” مع الواقع الجديد الذي تمثله مرجعيات الخامنئي وفضل الله والصدر والسيستاني.

أما أسباب تأييد حزب الدعوة الإسلامية للسيد محمد الصدر وحراكه، وتبني جمهوره؛ فيمكن تلخيصها بما يلي:

1- كان حزب الدعوة يرى إن السيد محمد الصدر هو الأمل الوحيد المتبقي للشعب العراقي عامة ولحزب الدعوة خاصة، في مواجهة النظام البعثي من الداخل، بعد التراجع الذي شهده الإسلاميون في مرحلة ما بعد الانتفاضة الشعبانية، وظهور حركات علمانية عراقية معارضة في أوروبا، مدعومة أمريكياً وبريطانياً وسعودياً. في حين أن حراك السيد محمد الصدر هو حراك ديني إسلامي من جهة، وفي الداخل من جهة أُخرى، وجماهيري ميداني واسع من جهة ثالثة، ومتصاعد ومؤثر من جهة رابعة.

2- كان حزب الدعوة يعد حركة السيد محمد الصدر امتداداً لحركة أستاذه المؤسس السيد محمد باقر الصدر؛ بل كانوا يعدونه المرجع النجفي الأقرب الى فكرهم وتنظيمهم؛ لأنه سبق أن اعتقل مع “الدعاة” في العام 1974، وتعرض لأشد صنوف التعذيب لعلاقته بحزب الدعوة الإسلامية. كما سمع “الدعاة” حينها من السيد كاظم الحائري بأنه كان المسؤول التنظيمي للسيد محمد الصدر في الحزب.

3- كان “الدعاة” يرون أن السيد محمد الصدر يمثل الخط المقابل لحركة السيد محمد باقر الحكيم، والتي ظلت علاقتها بحزب الدعوة متوترة؛ بل متنافرة أحياناً. وحين كانت حركة السيد محمد الصدر تتعرض للاتهامات من أطراف محسوبة على حركة السيد محمد باقر الحكيم؛ فقد وجد “الدعاة” هذا العامل مكملاً لدفعهم باتجاه مزيد الاصطفاف مع حركة السيد محمد الصدر.

4- إن جمهوراً كبيراً من الشباب العراقيين الذين هاجروا الى إيران وسوريا بعد الانتفاضة الشعبانية في العام 1991، كانوا مؤيدين صلبين للسيد محمد الصدر، وفي الوقت نفسه كانوا قريبين من حزب الدعوة ومكاتبه ومراكزه ومساجده وحسينياته ومدارسه الدينية، كما كان بعضهم منتمياً الى حزب الدعوة قبل خروجه من العراق، أو انتمى للحزب في إيران وسوريا في تسعينات القرن الماضي. وقد ساهم هذا الجو العام في خلق حالة من التلاحم النفسي والميداني بين جمهور السيد محمد الصدر المتحمس وجمهور حزب الدعوة الداعم له. وقد تجلى هذا التلاحم بأوضح صوره في مدينة قم في إيران ومنطقة الزينبية في سوريا، بعد الإعلان عن استشهاد السيد محمد الصدر، والتظاهرات ومجالس العزاء والتأبين والندوات والمؤتمرات المشتركة التي أقامها “الدعاة” وجمهور السيد محمد الصدر.

5- كان حزب الدعوة يشعر بالحاجة الماسة لاستقطاب جمهور السيد محمد الصدر في المهجر وفي داخل العراق، لأنه جمهور كبير وشبابي ومتحمس، وقريب نفسياً وميدانياً من “الدعوة” وتوجهاتها الفكرية والسياسية.

(للمقال تتمة)

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment