لماذا تقتصر دعوات التغيير في العراق على الأحزاب الشيعية؟

Last Updated: 2024/04/22By

لماذا تقتصر دعوات التغيير في العراق على الأحزاب الشيعية؟  

د. علي المؤمن

من يريد التغيير الحقيقي المنتج، وإعادة بناء العراق، وتخليصه من النفوذ الخارجي، ومن الفساد والفشل والشلل، ولا يهدف الى الفوضى وتدمير الوطن واستغفال الناس بالشعارات العوراء؛ فليغير في كل الخارطة السياسية العراقية دون استثناء، وليمنع كل القوى الإقليمية والدولية النافذة في العراق دون استثناء أيضاً. أما من يطالب فقط بقطع رأس الأحزاب الشيعية وفصائل الحشد دون غيرها من الأحزاب، وبمنع نفوذ إيران دون غيرها أيضاً، ويسير عكس توجهات المرجعية العليا في النجف، ويغض النظر عن الأحزاب الكردية والسنية، ولا يمنع تخريب البعث وطموحه بالعودة، وعبث الجماعات التكفيرية والطائفية، ونفوذ أمريكا، ومؤامرات السعودية وفتاواها وملياراتها، وتدخلات قطر والأردن وتركيا، فهو لا يريد الخير للعراق، ولا يريد التغيير الحقيقي.

إن المخطط الأمريكي- السعودي ـ البعثي الذي يستهدف العراق، سيبقى قائماً، ولذلك ستعود دوامة الفوضى بقوة أكبر، إذا لم يتم إسقاط ذرائع الخصوم والإستجابة للمطاليب الشعبية عبر إصلاح النظام السياسي واقتلاع الفساد، وتكثيف موجات الوعي الإحترازي والصد الاستباقي، كما يقول الإمام علي: ((العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس)). أما الإصلاحات الترقيعية، فإنها ستبقي الباب مفتوحاً أمام كل أنواع التآمر على العراق.

وأغلب الأحزاب الكردية والسنية المشاركة في حكم العراق منذ العام 2003 وحتى الآن، لا يعنيه العراق واستقراره، بل يعنيه إبقائه متراجعاً مشتعلاً، كما يعنيه في الوقت نفسه الحفاظ على حصصها في السلطة والثروة. ولذلك؛ فهي تتشبه بحزب البعث ودول الهيمنة العالمية وأنظمة الجوار الطائفي، في رفض إصلاح النظام السياسي في العراق، وعرقلة أي استقرار وتنمية، لأن الاستقرار والتنمية في العراق، يعنيان نجاح تجربة المشاركة الشيعية في الحكم. بل أن الأحزاب الكردية والسنية وحزب البعث وأمريكا والسعودية وإسرائيل تحرض على الفوضى والعنف في التظاهرات الحالية، وتعدها مشكلة شيعية يجب الحيلولة دون حلها، ولهذا تحرص على إبقاء الوسط والجنوب مشتعلَين، والنظام السياسي فاسداً فاشلاً ضعيفاً، للإحتفاظ بنفوذها، والاستمرار في عملية الإبتزاز، وصولاً الى مرحلة الضربة القاضية للنظام والعودة الى المشروع الأمريكي الأصلي.

ولا نختلف في أن أغلب القوى والشخصيات الشيعية متورطة في الفساد والفشل؛ لكنهم لوحدهم دائماً في فوهة المدفع، دون غيرهم من الشركاء السنة والكرد المتحاصصين في السلطة؛ فالتظاهرات تندلع باستمرار ضد القوى والمسؤولين الشيعة، ويتعرضون لأشد أنواع التسقيط والحرب الإعلامية والسياسية، كما تتعرض مكاتبهم للحرق، أي أنهم يواجَهون من قبل الشعب بما يستحقون أو لا يستحقون. وفي الوقت نفسه، لا يتظاهر الشعب العراقي بكرده وسنته وشيعته ضد الأحزاب الكردية والسنية، ولم يكشف فسادهم وفشلهم وعمالتهم، وارتباطاتهم بالسعودية واسرائيل وأمريكا وتركيا والأردن والبعث، برغم أن الأحزاب الشيعة والسنية والكردية تتقاسم الفساد والفشل بنسبة الثلث لكل مكون.

وما يحدث اليوم في العراق من مشاكل وفتن بين الأخوة وأبناء العمومة؛ إنما يصب في مصلحة أحزاب السنة والكرد، ومصلحة البعث وامريكا واسرائيل والسعودية. وعليه؛ فنحن لا نختلف في الفساد لدى الأحزاب والشخصيات السياسية الشيعية، وقد تظاهرت جموع من الشعب لإسقاطها، وحرق مكاتبها وصورها، وشتمها وفضحها. لكن لايوجد أي فعل مماثل تجاه الشركاء المسؤولين السنة والكرد، وكأنهم ملائكة وأنبياء؛ برغم أنهم معرقلين أساسيين للإصلاح والاستقرار.

إن أساس فساد الدولة هو النظام السياسي المحاصصاتي المشلول المرتبك وديمقراطيته التوافقية. ودون شك فإن أحزاب السنة والكرد والشيعة مجتمعة، هي شريكة أمريكا في التأسيس لهذا النظام. ولكن مشكلة الشيعة هي أنهم يعشقون جلد أنفسهم ونهش لحوم بعضهم، وينسون ما يدور حولهم ويخطط لهم

ولا شك؛ إن إصلاح النظام السياسي والقوانين والإجراءات، هو عمل علمي تخصصي، يجب أن تتم دراسته والتخطيط له بعيداَ عن السياسيين وعن فوضى الشعارات. لذلك أقترح على المتظاهرين والدولة تشكيل لجنة خبراء متخصصة مشتركة لدراسة إصلاح النظم والقوانين والإجراءات، بعيداَ عن الانفعال والارتجال.

وأقول الى الذين يخشون ضياع جهود الحراك الإصلاحي الشعبي ومطاليبه، ولذلك يرفضون باستمرار من ترشحهم الكتل البرلمانية لرئاسة الحكومة العراقية المؤقتة: إنّ الحكومة القادمة ستكون مؤقتة وانتقالية، ومدتها (٦- ١٢) شهراً، وينبغي دعم تشكيلها سريعاً وفق السياقات القانونية النافدة، منعاً لأي فراغ وفوضى وانهيار للدولة وحرب أهلية، لأن الحرب الأهلية تعني تدمير حركة الإحتجاج الإصلاحي السلمي وتبخر الفرصة التاريخية للتغيير. وبعدها ينبغي استثمار الفرصة جيداً خلال فترة الحكومة المؤقتة، لتعديل الدستور وإصلاح النظام السياسي، والاستعداد الكامل للانتخابات المبكرة، لفرز نواب نزيهين أكفاء من رحم معاناة الشعب. وهو ما سيمهد لتشكيل حكومة جديدة دائمة وطنية مستقلة قوية أمينة متخصصة نزيهة، تقضي على مسارب الفساد والفشل والخلل، وتلبي مطاليب الجماهير، وتعبر عن إرادتهم.

وبالتالي؛ فإن خطوات التغيير ستكون بيد الجماهير المحتجة وليست بيد الأحزاب. والمطلوب شعبياً خلال فترة الحكومة الإنتقالية المؤقتة: التفكير العقلاني، التخطيط الواقعي العميق، السلوك القانوني، والعمل المنظم الفاعل.

وأعتقد أن أحد أسباب عرقلة مساعي تشكيل الحكومة العراقية الإنتقالية المؤقتة، هو تخوف بعض الإتجاهات الناشطة من الإنتخابات المبكرة القادمة؛ لأنها ستكشف حجم التمثيل الجماهيري للجميع.

هناك ناشطون يقولون إنهم هم الشعب وانهم يعبرون عن إرادة الشعب، وأن 95 بالمائة من العراقيين يؤيدونهم. هذه الثقة بالنفس ينبغي أن تبدد مخاوفهم من منافسة أحزاب (مستهلكة فاسدة) لاتمتلك (امتداداً جماهيرياً) في انتخابات ستجري بإشراف قضائي ودولي، وفي إطار القوانين الجديدة للمفوضية والانتخابات والأحزاب، وجميعها تصب في مصلحة الحراك الجماهيري الإحتجاجي.

لذلك؛ من الضروري الإسراع في تشكيل الحكومة الإنتقالية المؤقتة؛ لأن مهمتها الأساس تنحصر في إجراء الانتخابات المبكرة. وحينها سيكون صندوق الاقتراع هو معيار الشعبية والجماهيرية، والتعبير الحقيقي عما يريده الشعب، وليس الشعارات ووسائل التواصل.

ولعل “التكنو سياسي” أو التكنوقراط السياسي، هو الحل الوسط بين مطاليب المتظاهرين والإلزامات القانون.  بمعنى حكومة اختصاصيين وخبراء سياسيين مستقلين، يختار رئيس الوزراء المؤقت أعضاءها دون الرجوع الى الكتل السياسية. أما رئيس الوزراء التكنوسياسي المستقل، فيتم اختياره ضمن السياقات القانونية النافدة.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment