لماذا تستخدم الدولة العراقية رمزيات سيادية طائفية تتعارض مع هوية العراق

Last Updated: 2024/04/22By

الدولة العراقية لا تزال تستخدم رمزيات سيادية طائفية تتعارض مع هوية العراق

د. علي المؤمن

خلال العام 1999 كنّا في زيارة الى متحف الشهداء في الجزائر، وكان نشيد “موطني” يصدح في القاعة الأصلية؛ فتذكرت نهاية الستينات والسبعينات حين كنّا في العراق نتغنى بالنشيد ونحن أطفالاً في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. قلت لمرافقنا الجزائري: ((هذا النشيد الوطني السابق لفلسطين والأردن))، فقال: ((نعم صحيح، وقد استعرناه منهم، ليكون أحد أناشيد الثورة الجزائرية)).

وجدت ذلك طبيعياً، لأن الجزائريين يستخدمونه نشيداً شعبياً وثورياً، وليس نشيداً وطنياً رسمياً، لأن الدول لا تستعير الأناشيد الوطنية الرسمية للدول الأخرى وتستخدمها نشيداً لها، بل تعتمد أناشيد تعبّر عن بيئتها المحلية وواقعها وتاريخها وحضارتها، وتنسجم مع تحولاتها المفصلية، بل حتى في اللحن، تعتمد الخصوصية الموسيقية المحلية. وبالتالي؛ فإن ما يحدث في العراق شيء غريب، والعراق هو موطن الشعراء والمنشدين!!، خاصة أن العراق شهد تحولاً مفصلياً بعد العام 2003.

فبعد مرور (21) عاماً على سقوط النظام البائد؛ لاتزال الدولة العراقية تستخدم نشيداً وطنياً رسمياً مستعاراً من فلسطين، وترفع علماً بعثياً (علم حزب البعث، وعليه عبارة حق أراد بها صدام باطلاً)، وتتمسك بشعار النسر الذي هو شعار صلاح الدين الأيوبي الذي رفعه بعد إسقاط الدولة الفاطمية في مصر ودفن مئات آلاف العلويين في المقابر الجماعية، أي أنه شعار طائفي بامتياز. والحال؛ إن النشيد والعلم والشعار هي أمور سيادية أساسية.

ولا ندري ما هو سر استخراج النشيد الوطني الفلسطيني من بين الركام، وهو يعود الى العام 1934، واستغنت عنه دولتا فلسطين والأردن منذ عشرات السنين؛ ليعود نشيداً وطنياً مفروضاً على العراق؟! ومن هو صاحب هذه الفكرة؟! وما هو سر الإصرار على الإبقاء عليه نشيداً وطنياً رسمياً للعراق؟! ومن المسؤول عن إفشال عمل اللجان الحكومية والبرلمانية التي تأسست بهدف إقرار علم جديد ونشيد جديد وشعار جديد؟!

كما لا تزال الدولة العراقية تصر على رمزية سفاحين عالميين طائفيين، كالرشيد والمنصور وصلاح الدين، وتسمي الشوارع والأماكن العامة والمدن بأسمائهم، وترفع لهم النصب والتماثيل، وهم الذين قتلوا أئمة العراقيين وعلمائهم وجمهورهم. كما تغطي على طائفية وعنصرية المناهج الدراسية، وخاصة مناهج التاريخ والدين، بشعارات الوحدة الوطنية.

وكما كانت تهمة الطائفية جاهزة في زمن البعث ليلبسونها كل من يتحدث عن أبسط حقوق الشيعة ومظلوميتهم وحرياتهم الإنسانية والمذهبية والطقوسية، أو عن هويتهم، ثم ينصبون له المشنقة؛ فإن كثيراً ممن سيقرأ هذا المقال، سيتهمني بالطائفية، دون تأمل وتفكير في الحديث والأدلة والنتائج والمصلحة الحقيقية، وسينصب لي المشنقة، انسياقاً مع الشعارات الفضفاضة غير الواقعية.

ولا أدري ما علاقة الطائفية بهذا الموضوع؟!، وما علاقة السنة برمزيات مجرمة لم تعرف السنة ولم تحكم بها يوماً؟! وما علاقة السنة بنشيد فلسطين وعلم البعث ونسر الأيوبي؟! بل العكس هو الصحيح؛ فهذه الرمزيات هي رمزيات طائفية فاقعة بامتياز، والإبقاء عليها هو تكريس لطائفية الدولة العراقية.

ولعل معترضين آخرين سيقولون: إن هناك موضوعات أهم بكثير من النشيد الوطني والعلم وشعار الدولة ورموزها، كالإرهاب التكفيري، واختراقات البعثيين، والفساد الإداري والمالي، ومشاكل الخدمات والإعمار والكهرباء، والانسدادات السياسية المتراكمة، وضغوط إقليم كردستان، والدستور الملغوم، والمحاصصة الطائفية والقومية، وتآمر أمريكا وإسرائيل والسعودية وتركيا ضد العراق.

أقول: نعم؛ موضوعات الخدمات والإرهاب ونظام المحاصصة والفساد، أكثر أهمية بكثير من موضوع النشيد والعلم والشعار والرموز التاريخية، ولكن؛ هل هناك تعارض وتضارب بين معالجة الموضوعات المهمة والموضوعات الأكثر أهمية؟! وهل معالجة الموضوعات السيادية الرمزية تعيق مشاريع الخدمات والكهرباء ومكافحة الإرهاب والفساد؟!

وإذا كانت معالجة الموضوعات الأكثر أهمية؛ أمر صعب، وبحاجة الى وقت، والى موازنات سياسية ومالية، وخبرات تراكمية، ومقاربات فكرية عميقة؛ فإن معالجة الموضوعات الأقل أهمية، كالنشيد الوطني والعلم والشعار والرموز الوطنية والمناهج الدراسية؛ ليس صعباً بالمرة؛ فهي لا تحتاج الى موازنات ولا الى قوات مسلحة ولا معجزة اقتصادية وسياسية وعسكرية، بل لا تمثل تحديات وطنية طويلة الأجل وباهضة الكلفة.

ولا شك أن عدم معرفة المسؤولين الشيعة بأهمية الرموز التي تمثل الدولة، وإيحاءاتها ودلالاتها على هوية الدولة وانتمائها، فضلاً عن انهزامية بعض هؤلاء المسؤولين، وضغط بعض السنة؛ سيحوِّلا صدام حسين مستقبلاً الى رمزية وطنية أيضاً، وستعاد تماثيله، وستسمى الشوارع باسمه، وستمتدحه المناهج الدراسية، وسيكون المسؤول الشيعي حينها مضطراً للقبول بذلك، حفاظاً على اللحمة الوطنية وعلى إرضاء الشريك السني، وسعياً الى كسبه، من أجل مصالح سياسية شخصية أو حزبية. وسيتذكر الشباب الذي سيعيشون بعد أربعين أو خمسين سنة هذا الكلام..

ـ

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment