لماذا «الاجتماع الديني الشيعي» في هذا التوقيت

Last Updated: 2024/04/22By

لماذا «الاجتماع الديني الشيعي» في هذا التوقيت؟

د. علي المؤمن

لا تنحصر دوافع اختياري موضوع «الاجتماع الديني الشيعي» بشكل عام، مشروعاً بحثياً خلال العقدين الأخيرين، بعامل الوقت فقط، لكن اختيار العنوان من الناحية الموضوعية يرتبط بالضبابية التي تكتنف «النظام الاجتماع الديني الشيعي» العالمي، واللغط الكثير، حتى في الأوساط الأكاديمية، حول فهم الاجتماع الديني الشيعي، وفهم مجتمع المذهب؛ فكثير من المراقبين والأكاديميين والإعلاميين والسياسيين، لا يفرّقون بين المذهب وبين مجتمع المذهب، أي بين المذهب الشيعي، الذي هو التشيع، الذي يمثّل العقيدة والفقه، وبين الشيعة الذين هم مجتمع المذهب، أي الطائفة. هناك خلط بين المذهب ومجتمع المذهب، وعدم معرفة بمكوّنات وعناصر وتفاصيل الاجتماع الديني الشيعي. ولكن يبقى هناك دافع زمني يرتبط بالتحولات التي شهدها الاجتماع الشيعي عموماً، بعد العام 2003.

وقد كرّست التحولات الجديدة الخلط القديم، وأدت الى هو إلى ظهور كثير من المعلومات الخاطئة والاستنتاجات الخاطئة، وإلى الإسقاطات الخاطئة، سواء بشكل متعمد أو من منطلق الجهل، وصولاً إلى التعاطي الخاطئ مع الإجتماع الديني الشيعي ومع مكوّنات النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهذا ينسحب أيضاً على فهم الآخرين لمنظومة المرجعية الدينية التي تقف على رأس هذا النظام، وفهم عناصرها، مثل الحوزة العلمية والمؤسسات الرديفة وحركة المال الشرعي وشبكة الوكلاء المنتشرين في العالم، فضلاً عن الهوية الشيعية وعناصرها، وعلاقة الهوية الوطنية بالهوية العالمية الشيعية. عدم فهم هذه القضايا فهماً موضوعياً دقيقاً، يتسبب في تحويلها الى إشكاليات في الأوساط البحثية والأكاديمية والإعلامية. لذلك؛ وجدت من الضروري جداً أن نقارب هذه الموضوعات ونكشف عن حقائقها الخاصة وتفاصيلها، ونغوص في أعماق النظام الاجتماعي الديني الشيعي، لكي نقدّم صورة واضحة وتحليلاً دقيقة عن كل ذلك.

    وموضوع الاجتماع الديني الشيعي موضوع قديم، و«النظام الاجتماعي الديني الشيعي» عمره أكثر من (1350) سنة، لكنه في عصر الغيبة تأسس على يد النائب الاول للإمام المهدي الشيع عثمان بن سعيد العمري، لكنه تبلور على يد الشيخ أبي جعفر الطوسي بعد انتقاله الى النجف. شيخ الطائفة الطوسي اهتم بمأسسة الاجتماع الشيعي، عبر مأسسة منظومة المرجعية والحوزة، ونشره الوكلاء في كل أنحاء العالم، تحديداً في مناطق التواجد الشيعي، وأسس الحوزات العلمية الفرعية، ونظّم بيت المال الشيعي، أي حركة الخمس والحقوق الشرعية الأخرى. ثم أخذ هذا النظام يتطور تدريجياً حتى وصلنا إلى العصر الحاضر. وفي العصر الحاضر هناك نظام اجتماعي ديني شيعي قائم ومتبلور؛ فأنا من خلال مشروعي البحثي لم أخترع هذا النظام، ولم أقدّم مشروعاً لمأسسة هذا النظام أو إعادة بناء هذا النظام، بل أنّ هذا النظام موجود وقديم، رغم أنه أخذ شكلاً متطوراً جداً بعد العام 1979، ينسجم مع القواعد الفكرية والعقدية للمذهب الشيعي ولمدرسة أهل البيت.

وكتاب «الاجتماع الديني الشيعي» جزء من مشروع أشمل في الاجتماع الديني الشيعي، وهي محاولة بحثية منهجية علمية لاكتشاف «النظام الاجتماعي الديني الشيعي»، أو بالأحرى إعادة اكتشافه، وتقديم صورة وصفية تحليلية عن هذا النظام، للمهتم الشيعي والمهتم غير الشيعي. وهناك فرق بين من يكتب من داخل هذا النظام وبين من يكتب من خارجه؛ فهناك محاولات بحثية استكشافية كثيرة جرت، سواء من قبل مستشرقين وباحثين اوروبيين وأمريكان، أو من قبل أكاديميين وباحثين عرب ومسلمين غير شيعة، بل وحتى باحثين شيعة يكتبون وفق قواعد المناهج الغربية في علم الاجتماع والانثروبولوجيا، وقد ظهرت في كتاباتهم الكثير من الأخطاء المعلوماتية والاصطلاحية والتفسيرية، وكثير منها كان منحازاً وغير موضوعي، وتبيّن أن لديهم عدم فهم نسبي لطبيعة هذا النظام، ولذلك كان هناك تخبّط حتى في المصطلحات والمفاهيم والأدبيات، فضلاً عن الخلط بين المذهب من جهة ومجتمع المذهب من جهة أخرى.

ولعل ابن المؤسسة أو ابن الطائفة عندما يكتب عن طائفته بمنهجية أو يكتب عن الموضوع الطائفي بشكل عام؛ فإنه يتهم بالطائفية، وهي تهمة حساسية فائقة أحياناً، وقد شرحت في الكتاب بأنّ هذه الحساسية لا معنى لها؛ فأن تكون هناك طائفة شيعية وطائفة سنّية، هذا شيء طبيعي، لم نختلقه، بل هو واقع طبيعي ومقبول وقائم منذ القدم. والطائفة تعني مجتمع الدين أو مجتمع المذهب، وليس الدين والمذهب نفسيهما، وكل أديان ومذاهب العالم أفرزت مجتمعات.

ولكوني ابن «النظام الاجتماعي الديني الشيعي»، وابن المركز التاريخي لهذا النظام وبيوته، أي النجف، باعتبار النجف هي العاصمة العالمية للنظام الاجتماعي؛ فأنا أفهم بدقة طبيعة عمل هذا النظام وتفرعاتها وسياقات حركته، بما فيها منظومة المرجعية الدينية والحوزة العلمية، وعلاقة رأس النظام، أي المرجع الأعلى، بشبكة الوكلاء في العالم، وحركة بيت المال، والمؤسسات المرتبطة بالمرجعية أو التابعة لها من الناحية الشرعية، كالمؤسسات الثقافية والتبليغية، وكذا السياسية والجهادية، كالأحزاب ومنظمات المقاومة، والعناصر الأخرى المكوّنة لهذا النظام مثل المراقد والمزارات، والحوزات العلمية الفرعية. بإمكاني أن أعطي صورة دقيقة جداً شبيهة بتسجيل الكاميرة التي تصوّر المشهد بشكل دقيق، فضلاً عن التحليل والتفسير وربط العناصر وتقديم المقترحات الإصلاحية. ولذلك؛ فإنّ كل مستشرق أجنبي وكل أكاديمي سنّي أو شيعي، إسلامي وغير إسلامي، وخاصة الباحث الشيعي من خارج النجف؛ عندما يقرأ هذا كتاب «الاجتماع الديني الشيعي» وغيره من دراساتي حول الموضوع؛ سيكوّن صورة تفصيلية ودقيقة عن طبيعة الاجتماع الديني الشيعي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment