لماذا أنت تمثل الشعب وغيرك لا يمثله

Last Updated: 2024/04/22By

لماذا أنت تمثل الشعب وغيرك لا يمثله؟

د. علي المؤمن

يظهر مقدم البرامج على شاشة التلفزيون ويصف رأيه الشخصي: أنه نبض الشعب وأنه يعبر عن رأي الجماهير.

يخرج المتظاهر السلمي أو غير السلمي ويقول: أنا الشعب وأنا أمثل الشعب وشعاراتي ومطاليبي تعبِّر عن إرادة الجماهير.

يخرج حامل المولوتوف وهو يحرق مبنى أو يغلق مدرسة ويقول: باسم الشعب وهذا قرار الشعب وحكم الجماهير.

يطلق الشاعر أبياته، ويقول: أنها قصائد تمثل الشعب وتعبر عن إرادة الجماهير.
يخطب السياسي أو الزعيم ويصف مواقفه وقراراته: أنها قرارات الشعب وأنها تمثل الجماهير وتعبر عن إرادتها.

مع التقدير للإعلامي والمتظاهر السلمي والشاعر والكاتب والناشط الاجتماعي والسياسي والزعيم، وبعيداً عن أحاديث الفساد والفشل والشلل والخلل التي لا نختلف فيها، وعن الأحزاب وسلوكياتها، وعن الحكومة وأدائها؛ أطرح عليكم بعض الأسئلة الخاصة بالشعب ومفهومه في إطار مقاربة قانونية:

إن الشعب هو ركن قانوني من الأركان الخمسة للدولة وفق ما يقره القانون الدستوري والقانون الدولي. والشعب العراقي يتألف من (38) مليون إنسان (وفق إحصاء العام 2019) هم مجموع سكان العراق، من قوميات وأديان ومذاهب وانتماءات اجتماعية وفكرية وسياسية متنوعة، وكلها محترمة. وفي الوقت نفسه؛ يزعم كل واحد من أولئك المتحدثين بأنه يتكلم باسم الشعب العراقي، ويقول إنه يعبرون عن إرادته، وأن مواقفه تمثل الشعب وقراره.

فهل يقصدون بالشعب في أحاديثهم هؤلاء الـ (38) مليون عراقي، أو أغلبهم أو جزء منهم؟ أم يقصدون بالشعب من يتفق معكم في الرأي فقط؟ بأي طريقة عرفوا إرادة هؤلاء الـ (38) مليون لكي يتحدثوا باسمهم أو باسم أغلبيتهم؟ هل لديهم تخويل منهم أو من جزء منهم؟ وهل أن الآراء والشعارات والقرارات التي يطرحونها تمثل الـ (38) مليون عراقي أو أغلبهم أو جزء منهم؟

هل يقصدون أن ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي أو الاتصالات الهاتفية أو التقارير التلفزيونية أو ما تطلقه التظاهرات من شعارات أو ما تطرحه قيادات التظاهرات هي المعبّر الحصري عن آراء وتوجهات ومطاليب (38) مليون عراقي؟  هل أجروا استفتاءات؟ انتخابات؟ حملات تواقيع؟ ماذا فعلوا ليمنحوا أنفسهم حق تمثيل الشعب وكونهم هم الشعب حصراً، وغيرهم ليس شعباً؟ ولماذا هم بالذات يمثلون الشعب؟ لماذا لا يمثله غيرهم ممن يحمل آراء مشابهة أو آراء متعارضة؛ كأن يكون س أو ص أو ع؟

لنفترض أن لدى كل منهم مجموعة أنصار ومؤيدين تتألف من عشرة آلاف أو مائة ألف مؤيد. فلماذا مجاميعهم بالذات هي الشعب وغيرهم من المجاميع ليست ضمن الشعب؟ ولماذا مطاليبهم تمثل الشعب ومطاليب غيرهم لا تمثل الشعب؟  وماذا عن الملايين الذين لم يشتركوا في مجاميعهم واشتركوا في مجاميع أُخر؟

وماذا عن الملايين الجالسة في بيوتها أو غير الناشطة في حراكاتهم وفاعلياتهم؟ هل هؤلاء خارج دائرة الشعب؟ هل سقطت شروط المواطنية عن هؤلاء لأنهم لم يخرجوا في التظاهرات ولم يشاركوا في الفاعليات؟ هل من حق هؤلاء أن يكون لهم رأي؟ أو أن الرأي خاص بمن يشترك في مجاميع المؤيدين والفاعلين؟ وماذا لو كانت لهذه الملايين آراء تخالف آراءهم؟ هل يسمحون أن نعتبر المخالفين لآرائهم هم الشعب، ومن يزعم أنه يمثل الشعب هو خارج إطار الشعب؟ هل من حقهم مصادرة آراء ملايين العراقيين؛ بحجة أنهم لم يعبّروا عن آرائهم؟ وهل عملوا استفتاءات وإحصائيات عن آراء ومطاليب ومواقف الملايين الصامتة؟

ربما أعلم مسبقاً إصرار الشعبويين على الأجوبة المستنسخة للشعارات المستهلكة المكرورة، لكن أتمنى على الذين لا يمتلكون إلّا أجندة الوطن بالفعل، ويعيشون وهم تمثيل الوطن والشعب؛ قليلاً من التأمل ومراجعة النفس.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment