كيف لا يكون المرجع الديني إسلامياً

Last Updated: 2024/04/22By

كيف لا يكون المرجع الديني إسلامياً؟!

علي المؤمن

لا جدال في أن المرجع الأعلى هو أب لكل مواطن، لكنه على مستوى الانتماء الديني والمذهبي؛ أب للمؤمنين حصراً، بمن فيهم أبناء التيارات الإسلامية؛ إذ لا يمكن لمرجع الدين أن يكون مرجعاً للملحدين وأباً للشيوعيين والعلمانيين أيضاً، لأنه مرجع ديني إسلامي، هذا هو توصيفه الدقيق، وليس مسؤولاً حكومياً أو قائداً سياسياً أو زعيماً عشائرياً؛ بحيث تتسع أبوته لكل المنتمين الى الوطن أو العشيرة، بصرف النظر عن انتماءاتهم الفكرية والعقدية؛ فهذا النوع من الأبوة يتناقض مع موقع المرجع الديني ووظيفته الشرعية، ولا يمثل مجرد تعارض أو خلاف في الرؤية بين المرجع الديني من جهة والشيوعيين والعلمانيين من جهة أخرى، وإلّا لما أعلنت المرجعية موقفها الشرعي من الشيوعية والعلمانية.

وبالتالي؛ فمن البديهي أن لا يكون تفاعل المرجع الأعلى مع التيارات الملحدة والعلمانية والليبرالية كتفاعله مع التيارات الإسلامية، ولا يمكن أن يكون محايداً بين الطرفين في النظرية والغاية والهدف، أو ينظر اليهم نظرة واحدة متساوية، أو يكون على مسافة واحدة من الجميع، ذلك لأن المنظومة العقدية والفكرية والقيمية للتيارات الإسلامية تتطابق تماماً مع المنظومة العقدية والفكرية للمرجعية العليا، كما أن التيارات الإسلامية جزء لا يتجزأ من النظام الاجتماعي الديني الشيعي الذي يقوده المرجع الأعلى، مع الإذعان بأن بعض أفراد هذه التيارات فاسد ومنحرف سلوكياً. في حين أن التعارض بين المنظومة الفكرية والعقدية للمرجعية والمنظومة الفكرية السياسية للتيارات غير الإسلامية، يرتبط بالأصول والقواعد والغايات الدنيوية والأخروية، وليس بسلوك الأفراد والجماعة وحسب.

وبالتالي؛ من البديهي أن يكون المرجع الديني إسلامياً بالمعنى العقدي والفكري، ولا يكون شيوعياً أو علمانياً أو ليبرالياً أو مدنياً؛ إذ أن علمه بحقائق الشريعة الإسلامية، تجعله يؤمن تلقائياً بأن الإسلام نظام كامل شامل لكل شؤون الحياة، وأن الإسلام عبادة ومعاملة وسياسة واقتصاد، وأن الإسلام دين ودولة، ودنيا وآخرة، وأن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وأبوابها لا يمكن أن يتجزأ. وهذه هي نفسها ايديولوجيا الإسلاميين وأفكارهم بتفاصيلها، والتي تجعلهم إسلاميين ويوصفون بالإسلاميين، مع فارق أن الإسلاميين يسلكون منهجاً حركياً تنظيمياً غالباً، ويمارسون العمل السياسي التفصيلي، بينما تسلك المرجعية سلوكاً عاماً. كما أن وجود الإسلاميين الحركيين هو وجود فرعي تنظيمي خاص، لا في طول المرجعية ولا في عرضها، بل هو كالرافد التابع الذي يصب في النهر الكبير التي هي منظومة المرجعية. ويمثل هذا الواقع حقيقة التبعية الشرعية أو التبعية الاجتماعية الدينية للمرجع الأعلى، والذي لا تؤمن به التيارات غير الإسلامية وترفضه عملياً، بينما تتمسك به التيارات الإسلامية الشيعية، طوعاً أو رغماً عنها، لأن تنصّلها عنه يجعلها منبوذة وخارج الخط الشيعي العام والنظام الاجتماعي الديني الشيعي.

ولا يقتصر التعارض مع فكر المرجعية والتزاماتها الشرعية على التيارات السياسية والفكرية العلمانية؛ بل يشمل حتى (المعممين) العلمانيين والليبراليين الذين لا يؤمنون بكمال الإسلام وشمولية شريعته لكل نظم الحياة، وهم كُثر، رغم شذوذ هذه الفئة دينياً؛ فالزي الديني هو مجرد زي مهني أو هكذا بات عرفاً، ولا يعني الأصالة الدينية لمن يرتديه، ولا يعني أن من يرتديه من حقه أن يكون ناطقاً باسم الدين والحوزة، وممثلاً للمرجعية ومعبراً عن نهجها وأهدافها، وإن كان يعمل في أجوائها.

والغالب، أن ظروف الزمان والمكان تقتضي أن يتنزّل المرجع الأعلى عن العناوين الأولية في تطبيق نظم معينة، ومنها نظام السلطة الشرعية ونظام الاقتصاد الإسلامي وغيرهما، ويقبل ببدائل وأدوات وعناوين في إطار الأحكام الثانوية، بسبب عدم توافر الظروف الموضوعية، لكن؛ هذا لا يعني أنه لا يؤمن بأصل النظام الشرعي، سواء في الحكم أو الاقتصاد، أي أن غض المرجع نظره عن عدم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في مجال الحكم، يشبه غض نظره عن تطبيق أحكام الشريعة في مجال الاقتصاد، أو غض نظره عن الأدوات التنفيذية لأحكامه القضائية؛ فهل غض النظر هنا يعني أن المرجع الديني يمضي المعاملات الربوية في البنوك؟ أم أن غض النظر يعني عدم توافر الظروف الموضوعية لإلغاء الربا المصرفي؟.

وبالتالي؛ فإن من يتصور بأن المرجعية تؤمن بالدولة المدنية والحكم المدني؛ فإنه لا يعي بديهيات القواعد الفقهية والأصولية، وهو كمن يتصور بأن المرجعية تؤمن بالبنوك الربوية، وقوانين الأحوال الشخصية غير الإسلامية، وعدم مباشرة واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع والشارع.

ويفكر الإسلاميون الحركيون بالطريقة نفسها، لأنه منهج تفكير واحد، وقبولهم بالأمر الواقع الضاغط لا يعني التنازل عن الأصول الشرعية التي تأسست التيارات الإسلامية من أجل تطبيقها. وهذا مؤشر آخر على أن منهج المرجعية هي بوصلة الإسلاميين؛ فالإسلاميون هم أبناء المرجع الأعلى العقديون، وإن كان بعضهم عاقاً ومتمرداً على توجيهاته، ومخالفاً لما يريده منهم من النزاهة والتدين والإخلاص والخدمة للناس والنجاح في العمل وتوحيد الصفوف، وهذا ما يجعله يغضب على أبنائه، ويقاطعهم، ويؤدبهم، حتى يبح صوته، لكنه لن يتخلى عن أبوته لهم إطلاقاً، ولا يأخذهم جميعاً بجريرة بعضهم.

وإذا كان قد أغلق بابه بوجوههم يوماً؛ إعلاناً عن عدم رضاه على أداء أكثرهم، وتحذيراً للآخرين بألّا يرتكبوا الأخطاء والانحرافات نفسها؛ فإنه لن يتركهم بدون تصويب وتوجيه ودعاء.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment