كيف أرادوا قتل الإسلام بعد رحيل النبي

Last Updated: 2024/04/22By

كيف أرادوا قتل الإسلام بعد رحيل النبي.. ولا يزالون؟

د. علي المؤمن

يلومنا بعض من يصف نفسه بـ (المتحرر من المذهبية ) و(العابر على عقد التاريخ) بأننا نجتر التاريخ ونعيش فيه، ونلوك التراث ونتعبّد به. ويرى هؤلاء بأن الحل الوحيد لــ (عقدنا النفسية المذهبية) يكمن في تحررنا من لوثات التاريخ والتراث.

فهل نحن بالفعل نعيش في التاريخ، أم أن التاريخ يعيش فينا؟

وهل نحن نتعبّد بالتراث، أم أن تراثنا هو بنية منظومتنا الفكرية وزادنا للعبور نحو المستقبل؟

وهل أن تمسكنا بأل بيت النبوة وأنهم عِدل القرآن، هو تاريخ وتراث؟

أفلا يستتبع هذا التمسك النظري؛ تمسكاً عملياً آخر منا بإتّباع مدرسة آل البيت عقيدةً وفقهاً؟

هل الإمامة ومصاديقها، وسيرة الأئمة؛ هي تاريخ وتراث؟

وهل الحديث عن التآمر على الإسلام، منذ سقيفة بني ساعدة، وحتى سقائف آل أمية وبني العباس وآل الأيوبي وآل عثمان وآل سعود وآل صدام وآل داعش؛ هو تاريخ؟

هل محاولات قتل الإسلام، والمترابطة بسلسلة واحدة، منذ رحيل رسول الله وحتى الآن؛ هي تاريخ؟

ليس عندي أدني شك بأنه ليس تاريخاً؛ بل واقع قائم متواصل، من الماضي عبر الحاضر الى المستقبل، ومن يعتقد أنه مجرد تاريخ فإنه يتجاوز الحقائق ويعبر على الواقع، ويسلي نفسه بالشعارات الفضفاضة؛ لأن من قتل علياً والحسن والحسين هو نفسه من قتل محمد باقر الصدر، وهو نفسه من يحاصر المسلمين اليوم في العراق وإيران وسوريا والبحرين وشرقية السعودية ولبنان واليمن.

فتأملوا في أجزاء هذه السلسلة المترابطة من محاولات قتل الإسلام بعد رسول الله وحتى الآن:

1- إنعقاد اجتماع السقيفة، قبل أن يدفن رسول الله، والصراع على منصب ولاية الأمر، رغم أنه محسوم سلفاً بالنص لوصي رسول الله. وخلال الاجتماع كان أبو سفيان، قائد المعارضة المسلحة للإسلام، يصرخ: ((تلاقفوها آل أمية))، وحينها ثأر من محمد.

2- حرف مسار إمامة الأمة بعد رسول الله، وإختراع منصب دنيوي عنوانه “الخلافة”، في حين أن منصب “الإمامة” المنصوص عليه هو إمتداد للنبوة، وهو منصب ديني ودنيوي، ومصداقه الحصري بعد الرسول هو علي بن ابي طالب.

3- التدمير المعنوي والمادي للتركة المقدسة (العترة) التي أوصى رسول الله المسلمين بالتمسك بها الى جانب القرآن الكريم.

4- سيطرة آل امية على حكم المسلمين في عهد الخليفة عثمان، سيطرة مباشرة، من خلال مروان بن الحكم صهر الخليفة.

5- رفع آل أمية راية العصيان ضد وصي رسول الله الامام علي، حتى بعد أن انتخبه المسلمون للخلافة الدنيوية. وكان معاوية هو رمز آل أمية بعد أبي سفيان.

6- شن الخصوم ثلاثة حروب ضد وصي رسول الله وخليفته الإمام علي: الجمل وصفين والنهروان. وكان وراءها تآمر آل أمية.

7- إغتيال أمير المؤمنين الإمام علي وهو يصلي في محراب الفجر، بقرار مشترك من معاوية والخوارج.

8- رفع آل أمية بقيادة معاوية راية العصيان ضد إمام المسلمين الحسن بن علي، والمنتخب دنيوياً أيضاً من قبل المسلمين، وصولاً الى اغتياله بالسم.

9- آل امية بقيادة معاوية يقومون بأخطر مؤامرة لحرف عقائد الإسلام وفقهه، عبر التأسيس لمدرسة الوضع في سنة رسول الله وتحريفها، عبر إختلاق الأحاديث وتحريف الصحيح منها. وبذلك نشأت أولى الفرق والعقائد المنحرفة عن الإسلام.

10- آل أمية يختارون يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سلطاناً على المسلمين، ويحوِّلون الخلافة الى سلطة ملكية وراثية، والدولة الإسلامية الى إمبراطورية أسرية. وبذلك؛ بقي واقع المسلمين يعيش تحت رحمة سيفهم وإنحرافهم عشرات السنين..

11- جيش يزيد بن معاوية يقتل إمام المسلمين الحسين بن علي، كما يقتل أل بيت رسول الله وصحابته وتابعيه، ويسبي نساء أل البيت، ويأسر إمام المسلمين علي بن الحسين السجاد. وسبق هذه الجريمة؛ قيام جيش يزيد بن معاوية يقتل آلاف المسلمين ولاسيما بني هاشم ويستبيح مدينة رسول الله في وقعة “الحرة”، ثم يقوم بحرق الكعبة وهدمها بقذائف المنجنيق، ويستبيح المسجد الحرام ويذبح المسلمين في داخله.

12- أل أمية يقومون خلال فترة حكمهم بقتل أحفاد رسول الله وسلالة أل البيت وشيعتهم قتلاً جماعياً وفردياً، ويهجرونهم ويقصونهم ويسجنونهم ويعذبونهم. و أهم من قتلوا: إمام المسلمين علي السجاد بن الحسين بن علي أبي طالب وإمام المسلمين محمد الباقر، كما قتلوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب.

13- بنو العباس يطيحون بسلطة آل أمية تحت شعار الإنتقام لآل البيت وإعادة الحق لهم؛ لكنهم أبقوا على السلطة ملكية وراثية خاصة بهم، وفعلوا بآل البيت وأحفاد رسول الله وعلي وفاطمة مثلما فعل آل أمية. وكان ممن قتلهم العباسيون من أئمة المسلمين وأوصياء رسول الله وأحفاده: جعفر الصادق وموسى الكاطم وعلي الرضا، ومحمد الجواد، وعلي الهادي، والحسن العسكري. كما حاولوا بشتى الطرق الوصول الى الإمام الشرعي الأخير محمد بن الحسن المهدي المنتظر بهدف قتله.

14- بنو العباس يحصرون المذاهب التي يجب أن يتعبّد بها المسلمون بأربعة مذاهب فقط، ويمنعون من يتعبد بغيرها، وليس بينها مذهب آل البيت؛ بل هي مذاهب سنية بأجمعها. وبذلك أسسوا لأحد أكبر الجرائم بحق الإسلام؛ حين منعوا المسلمين رسمياً من إتباع مدرسة آل البيت، والأخذ بعقائدها وفقهها.

15- صلاح الدين الأيوبي يرث وحشية نور الدين زنكي وحقده على الشيعة، فيقوم بمجازر جماعية تطال مئات الألوف من أحفاد الإمامين الحسن والحسين، وشيعتهم، ويقضي على الدول التي قامت باسمهم في شمال أفريقيا ومصر والشام والعراق. وبقى أبناء صلاح الدين وأحفاده يلاحقون الشيعة في هذه المناطق ويذبحونهم ويشردونهم.

16- السلاطين العثمانيون يستمرون بالأفعال نفسها التي كان يقوم بها الأمويون والعباسيون والأيوبيون من قتل ومطاردة وتشريد وسجن ونفي وإستباحة المدن وهتك الأعراض ومصادرة الأموال ضد أتباع أل البيت، حتى كانت فترة حكم السلطان سليم الأول تتساوى في دمويتها وقسوتها مع فترة حكم يزيد وحكم صلاح الدين.

17- في البحرين، استولى آل خليفة على السلطة، وتحكموا برقاب الشيعة، رغم أن الشيعة يشكلون الأكثرية السكانية البالغة آنذاك 80 بالمائة من نفوس البلاد. ولايزال آل خليفة يمارسون ضد الشيعة ألوان التمييز والإقصاء والقتل والمطاردة والاعتقال.

18- آل سعود يستولون على معظم الجزيرة العربية، ويعيدون لمعتقدات آل أمية أمجادها، ويتبنون المذهب الوهابي برعاية الدولة البريطانية. وبهذه التوليفة الايديولوجية تحول كيان آل سعود الى دولة أموية تكفيرية بكل المعايير العقدية والفقهية، فقامت بهدم مراقد أئمة ال البيت في المدينة المنورة، وسعت لتدمير مرقدي الإمام الحسين والإمام علي في العراق، وقتلت الشيعة في الشرقية والحجاز وحضرموت، وطاردتهم وهمشتهم وكفّرتهم. ولاتزال هذه الدولة حاضنة لكل الأفكار التكفيرية التي تتحول الى جماعات مسلحة متخصصة في الذبح والحرق والاغتصاب والمصادرة، كما لاتزال مؤامراتها التدميرية ضد شيعة آل البيت تظهر بقوة في مناطق السعودية نفسها وفي العراق والبحرين وسوريا ولبنان وايران وباكستان وافغانستان واليمن وغيرها.

19- بعد انهيار الدولة العثمانية، تحولت مستعمراتها الى بلدان مستقلة، ومنها العراق، الذي يتحول الى نظام الملكي، ولكن بنفس الرموز العثمانية الطائفية، وبرزت الأفكار الطائفية العنصرية التي تستهدف الشيعة ووجودهم؛ فأصبح الشيعة بين مطرقة التهميش والإقصاء السياسي والثقافي والقانوني وبين الإتهام بكونهم إيرانيين وهنود وغجر، رغم ان الشيعة يمثلون الأكثرية السكانية المطلقة في العراق. وإستمرت سياسة قمع الشيعة في العهد الجمهوري، و ازدادت بشاعة خلال الحكم الطائفي لعبد السلام عارف.

20- حزب البعث يستولي على السلطة في العراق، ويحوّل البلد الى ساحة عاصفة للتآمر ضد الشيعة؛ إذ مارس أبشع صنوف التهميش والاعتقال والقتل والمطاردة والتهجير ضدهم، فضلاً عن مصادرة معتقداتهم وممارساتهم الدينية والمذهبية، وكان ممن قتلهم المئات من الفقهاء الشيعة، كما إفتعل أربعة حروب، أولها ضد الاكراد، ثم ضد الجارة الشيعية إيران، ثم غزو الكويت؛ فكان أغلب القتلى في هذه الحروب هم من الشيعة، ثم أغار على المناطق الشيعية العراقية المنتفضة بعد حرب الكويت وقتل مئات الآلاف. ويعد صدام حسين أكثر حاكم تورط بدماء الشيعة بعد المنصور وصلاح الدين الأيوبي وسليم الأول؛ إذ يقدر عدد من تسبب بقتلهم من شيعة العراق وايران والكويت وباكستان وافغانستان ولبنان وسوريا؛ أكثر من مليونين ونصف المليون شخص.

21- بعد سقوط آخر حاكم أموي في العراق (صدام حسين)؛ ظل معتنقوا المعتقدات الأموية الوهابية؛ من أمثال القاعدة والنصرة وداعش؛ يمارسون الأفعال نفسها ضد شيعة آل البيت، وبكثافة وتقنيات عالية وأموال وفتاوى ومخابئ توفرها لهم الدولة السعودية ومشايخها، فضلاً عن دعم ميداني ومعلوماتي وتدريبي ومالي من بعض الحكومات الخليجية والطائفية وبقايا نظام صدام.

وبعد هذا الاستعراض السريع لمسيرة المسلمين المتصلة؛ نعيد السؤال: هل نحن نجتر التاريخ ونعيش فيه حينما نتحدث عن هذه الوقائع المترابطة، أم أنه الحاضر بكل تفاصيله؟

أقول ختاماً: إن الأمة كائن حي، وحين تعاني أية أمة من مرض مزمن، فعليها أن لا تخفيه ولا تعبر على حقيقة وجوده؛ بل لابد أن تعترف بمرضها، فذلك هو مدخل الشفاء والتعافي؛ إذ سيدفعها ذلك الى الذهاب الى الطبيب الإختصاصي، والذي سيشخص المرض بدوره ويكتب لها العلاج. وأمتنا المسلمة مصابة بأمراض مزمنة، لابد أن نكشف عن أسبابها وأعراضها، وإن كانت الأسباب والأعراض مخجلة وقاسية ومؤلمة، ثم يكون لحكماء الأمة كلمة الفصل في طرق العلاج وأساليبها.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment