قضية الشيعة في العراق

Last Updated: 2024/04/22By

قضية الشيعة في العراق

د. علي المؤمن

ظلت الحرب التي تقودها النخبة السياسية والدينية السنية أو المجتمع الرسمي الذي ينتمي طائفياً الى السنة العرب في العراق، ضد الشيعة واجتماعهم ومعتقداتهم، حرباً طائفية عنصرية بامتياز، لا علاقة له بالبعد المذهبي، وهذا فرق دقيق وحساس بين الصراع الطائفي والتمييز الطائفي والغزو الطائفي، وبين الخلاف المذهبي. وفي المقابل؛ ظل شيعة العراق في موقف الدفاع السلبي عن النفس طيلة قرون، حتى ظهر حراك السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة الإسلامية، والذي نقل حالة الدفاع الى الدفاع الإيجابي، أي الدفاع الذي يستعين بقوة السلاح والصراع السياسي المباشر.

إن قضية شيعة العراق هي قضية العراق كله أو معظمه، وقضية هوية العراق الحقيقية؛ فنحن نتحدث عن قضية 65% من أبناء العراق، كان النظام السياسي في العراق، حتى العام 2003، يصنِّفهم أقلية غير مرغوب بها. بالطبع هناك من كان يتعمد تغافل هذه القضية، وهو من أبنائها، حرصاً ــ كما يزعم ــ على تجنب الإثارات الطائفية وحرصاً على وحدة الموقف الشيعي. وهناك من يتغافلها من أبناء المركب الطائفي القومي الحاكم قبل 2003، بذريعة أنها فتنة طائفية، وحرصاً على إبقاء الواقع كما هو عليه. ولكن هذا التغافل لا يمثل مصلحة البلد أو الأُمة بشيء، لأنه يعمل على تكريس مشكلة أساسية تعد اهم عوامل عدم الاستقرار في العراق منذ مئات السنين وحتى الآن، كما تعد السبب الأساس في القطيعة التاريخية المتواصلة بين نظام الحكم والشعب.

وبالنتيجة؛ فالحديث عن هذا العامل سيكشف عن أسوأ مضامين الطائفية، ويعري الجريمة الكبرى التي ارتكبها الإنجليز بحق الأُمة في العراق بكل مذاهبها وطوائفها وقومياتها: سنة وشيعة، عرباً وأكراداً وفيليين وتركماناً. كما أن الحديث عن هذا الواقع الشاذ يستبطن أسمى معاني وحدة المسلمين المبنية على حقائق الواقع وأرقامه، ويهدف الى تقويض عوامل عدم الاستقرار التاريخي في العراق، لأن المستهدف فيه ليس طائفة بعينها، بل النظام السياسي العراقي، وأن انتماء النظام الى هذه الطائفية هو انتماء تاريخي اجتماعي سياسي وليس انتماءً مذهبياً.

وبالتالي؛ لا وجود لمشكلة اجتماعية مذهبية بين الطائفتين المسلمتين الكبيرتين (السنية والشيعية) ولا بين القوميتين الكبيرتين (العربية والكردية)، بل تكمن المشكلة في البنية الطائفية القومية للمجتمع السياسي والديني الرسمي، الذي ينتمي الى مركب طائفي وقومي بنسبة 16% فقط من عدد السكان، هم السنة العرب، في حين تزيد نسبة الجماعات السكانية المضطهدة، التي لا يخفي النظام حقيقة عدم تمثيله لها قانونياً وواقعياً، تزيد على 81% من عدد سكان العراق، منهم 65% شيعة (عرباً وفيليين وأكراداً وتركماناً وأصولاً إيرانية) و15% من الأكراد السنة. وهنا يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر: ((إن الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا الى أبنائنا من السنة بأن المسألة مسألة شيعة وسنة، وليفصلوا السنة عن معركتهم الحقيقية ضد العدو المشترك. وأريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر: إن المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني. إن الحكم السني الذي مثّله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل، حمل عليٌّ السيف للدفاع عنه؛ إذ حارب جندياً في حروب الردة تحت لواء الخليفة أبي بكر. وكلنا نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي.

فهناك فروق جذرية وجوهرية بين الدولة الطائفية والدولة المذهبية؛ فالدولة الطائفية هي دولة لا دينية، تتبنى منتظماً سياسياً ينتمي تاريخياً واجتماعياً الى طائفة معينة، وتحديداً الى مجموعة عائلية تنتمي الى طائفة معينة، وتعمل على الالتصاق بحضن الطائفة التي تنتمي إليها، أو إلى مجموعة طوائف يوازن بينها سياسياً. أما الدولة المذهبية فهي دولة دينية تخضع لنظام سياسي يتبني أحد المذاهب الإسلامية في بناء هيكل النظام والتشريع والقضاء. والحال؛ إن النظام السياسي الذي طبق بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة هو الشكل الأول، أي النظام الطائفي الذي ينتمي الى مركب الأقلية القومية الطائفية، الأمر الذي يجعله يشعر بالخطر دائماً وبالتهديد وعدم الاستقرار؛ فيبقى متحفزاً للفتك بأي تحرك يرفع صوته للمطالبة بأبسط الحقوق، وإن كانت مطالبة تخفيف جرعات التمييز، حينها يجد صاحب الطلب نفسه.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment