قصة سنوات الجمر
قصة كتاب «سنوات الجمر» مع مؤلفه: علي المؤمن
حاوره: عبد الحسين البهبهاني
(نشرة حوارات، 1993 م)
علي المؤمن، أُستاذٌ شاب، يبلغ من العمر (29) عاماً، استطاع بموهبته وإرادته وبنائه الفكري والثقافي لنفسه، أن يحقق إنجازات مهمة في مسيرته حتى الآن. وفضلاً عن عمله رئيساً لتحرير مجلة التوحيد الفكرية الثقافية الإسلامية؛ فإنه دخل عالم التأليف من بابه الصعب، وكان آخر إصداراته كتاب «سنوات الجمر: مسيرة الحركة الإسلامية في العراق 1957- 1986»، وهو مصدر مهم عن تاريخ العراق السياسي المعاصر، ويقع في حوالي (500) صفحة، ولا يزال يكتسب شهرة كبيرة منذ صدوره قبل بضعة أشهر. وقد انتهى السيد علي المؤمن من تأليفه وهو بعمر (25) سنة، وهو ما يلفت النظر للكتاب وكاتبه.
التقته نشرة (حوارات) الشهرية، ليتحدث عن كتبه الجديد وقصته.
- من أين استوحيت عنوان كتاب «سنوات الجمر»؟
علي المؤمن: بسم الله الرحمن الرحيم. استوحيت عنوان الكتاب من الحديث الشريف الذي مضمونه ((يأتي زمان على الناس، القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار)). ورغم ان المسلمين وخاصة اتباع مدرسة أهل البيت (ع) عاشوا حالة (القبض على الجمر) في معظم مراحل تاريخهم، إلاّ ان هناك فوارق نسبية بين مرحلة وأخرى. وصحيح أن المراحل التاريخية لحياة المسلمين في كل مكان هي وحدة واحدة لا تتجزأ، سواء على المستوى التاريخي أو الجغرافي. ولكني أعتقد إن المرحلة التي تحدثت عنها في الكتاب، عن واقع المسلمين في العراق، هي من المراحل المتميزة في جانب المحنة، أو من مراحل “الجمر” الحساسة. أما كلمة “سنوات”، فلأن الكتاب يتحدث عن مقطع زمني محدد يبدأ بعام 1957 وينتهي بعام 1986. وسبب اختياري لهذا المقطع يعود لعدة أسباب، تحدثت عن قسم منها في مقدمة الكتاب.
- ماذا تقصد بالحركة الإسلامية؟
علي المؤمن: طبعاً يعفى الحركات الإسلامية، أو الجماعات الإسلامية بتعبير أدق، تحاول أن تطلق على نفسها تعبير الحركة الإسلامية، وربما يسود العرف العام بنفس الاتجاه، مثلاً جماعة الاخوان المسلمين في مصر أو حركة النهضة في تونس أو حزب الرفاه في تركيا أو حزب الله في لبنان، هذه الحركات يُطلق عليها- عامة- تعبير الحركة الإسلامية. في مصر- مثلاً- أو الحركة الإسلامية في تونس. وهكذا. ولهذا الأمر- بالطبع- أسباب وعوامل موضوعية- أحياناً-، مثلاً حجم التنظيم وقاعدته الجماهيرية العريضة وكونه أكبر التنظيمات الإسلامية من هاتين الناحيتين، إضافة الى كون هذا التنظيم يتمتع بعمق تاريخي أكبر من غيره أو انه التنظيم الرائد. كما ان قيادة التنظيم وكونها قيادة للجماهير ايضاً تلعب دوراً في إطلاق هذه التسمية. وهذا الاطلاق مجازي، ولكنه غير صحيح من الناحية الواقعية.
علي المؤمن: بالنسبة للحركة الإسلامية في العراق، الحالة شبيهة ايضاً. ولكن في الكتاب باعتباره دراسة موضوعية ذات منهج.. أرغم إنه علمي، لم أجانب هذا الاتجاه. وقد أوضحت في مقدمة الكتاب ما أقصده بالحركة الإسلامية، حيث قلت إنها ((مجموع الفعاليات التي تشكّل المستويات القيادية والطليعية والجماهيرية في إطار العمل على تطبيق شريعة الله، بما فيها المرجعية الدينية والتنظيمات والمؤسسات الإسلامية)). ومن هنا؛ فلا أقصد بالحركة الإسلامية تنظيماً إسلامياً بذاته، بل كل فصائل التحرك الإسلامي، أو الإطار العام كما تفضلتم في سؤالكم.
- ما هي أهم العقبات التي واجهتكم خلال تأليف الكتاب، وبعد الفراغ منه؟.
علي المؤمن: بالتأكيد؛ واجهتني عدة عقبات، أبرزها قلة المصادر، ليس على مستوى الكتب فقط، بل وحتى مصادر المعلومات الشخصية، فالكتب التي كتبت عن الحركة الإسلامية في العراق، وخاصة عن هذا المقطع الزمني، هي أقل من عدد الأصابع، وهذا العدد أيضاً تناول جوانب موضوعية من مسيرة الحركة الإسلامية، وليس المسيرة بكل جوانبها وأبعادها. أما المعلومات الشخصية؛ فهناك أشخاص كانوا كرماء معي الى درجة كبيرة، بينما شحّ آخرون حتى بمعلومة واحدة، حيث يعتبرون أن هذه المعلومات ملكاً شخصياً لهم وليس ملكاً للأمة أو للتاريخ. كما أني كنت أتلقّى ـــ أحياناً ـــ معلومات متناقضة، سواء شخصية أو مذكورة في المصادر، وهذا التناقص جعلني أعاني كثيراً حتى الوصول الى الحقيقة. فمثلاً بعض المعلومات تطلّبت وقتاً كثيراً أسفاراً متعددة.
وقد بذلت كل ما في وسعي لأن أكون موضوعياً وأميناً في نقل الوقائع من مصادرها الأصلية، وأن أبني تحليلاتي لتلك الأحداث والوقائع على أسس رصينة، أسيّرها ان تكون تفاصيل الحدث حقيقة وصحيحة، فضلاً عن أصل الحدث. وهذا بالطبع مُتعب جداً ومرهق، حيث كلّفني ما يقرب من خمس سنوات من البحث والتقصي والحوار وإعادة الكتابة، منذ العام 1984 وحتى فرغت من تدوينه في العام 1989؛ فالأمانة العلمية والتحليل الموضوعي كانت نتيجتهما كتابة مسودات لا أبالغ إذا قلت بأن عددها يربوا على ثلاثة آلاف صفحة. هذه طبعاً أُولى المشاكل.
المشكلة الأُخرى التي كانت ترهقني نفسياً هو انني كيف أتعامل مع حقائق التحرك الإسلامي في العراق وأنشرها وأحللها في أجواء غير طبيعية وغير موضوعية، فربما ان ذكر بعض الحقائق لا يرضى عنه طرف معيّن، وحقيقة اخرى لا يرضى عنها طرف آخر، وربما يكون التحليل متقاطعاً مع وجهات نظر البعض، فكنت – أحياناً- أقف طويلاً متأملاً هذا الواقع وكيف أني سأتحرك بقلمي في ظل هذا الواقع الحساس جداً، سيما واني عاهدت الله تعالى ونفسي أن أكون في الوسط وأن أتعامل مع الموضوع لا مع الذوات. وكنت أتوقع ألّا يكون الكتاب أو بعضه مُرضياً لأحد، وعلّني كنت مصيباً في توقعي، خاصة بعد نشر الكتاب.
وآخر المشاكل، كانت تتعلق بطباعة الكتاب؛ إذ لم أكن أعلم مصير الكتاب كيف سيطبع؟ من سيطبعه وأين؟ وما هو مصير هذا الجهد الكبير. وهذه مشكلة يعاني منها جميع كتّابنا ولست وحدي فقط.
- ماهي غايتك وأهدافك من وراء كتابة سنوات الجمر؟
علي المؤمن: الغاية الأساس ــ بالطبع ـــ وجه الله تعالى ورضوانه وثوابه، ثم أداء جزء من حق الإسلام عليّ. أما الأهداف المرحلية؛ فقد هدفت من وراء كتابة هذه الدراسة وقراءة مسيرة الحركة الإسلامية خلال هذا المقطع الزمني، وبهذا المنهج الذي اطلعتم عليه، إلا امور كثيرة، أبرزها كشف حقيقة الحركة الإسلامية العراقية وواقعها الى العالم، فهذه الحركة لا زالت تعاني من الحرب الاعلامية التي تسعى للتعتيم على مسيرة هذه الحركة وإنجازاتها وتضحياتها وحجمها وقاعدتها، من جانب، ومن جانب آخر تسعى الى تشويه صورة الحركة الإسلامية وكيل التهم لها، كالارهاب والطائفية والعزلة… الخ. فحاولت أن يكون الكتاب محاولة جادة للتصدي لجزء من هذه الحرب الاعلامية والثقافية، لكي تأخذ الحركة الإسلامية العراقية ورموزها موقعها في الاعلام والصحافة ومراكز البحث العالمية والإسلامية والعربية، سيما وان حجمها وتضحياتها وطبيعة مسيرتها، كلّها أمور تجعلها في طليعة الحركات في العالم الإسلامي.
الهدف الآخر هو التركيز على هوية العراق الإسلامية وان البديل الإسلامي هو القريب الوحيد الوحيد في واقع العراقي وتاريخه وجغرافيته. وهذه الهوية جرت مساعي ولا زالت تجري للتعميم عليها وطمسها ومحاولة حرفها. كما حاولت ان أؤكد حقيقة ان التحرك الشعبي العام ضد النظام الحاكم في العراق والأنظمة التي سبقته هي تحركات إسلامية لا غير. أما التحركات التي حصلت تحت عناوين أخرى فهي تحركات خاصة ومنعزلة وغير جماهيرية، وهو ما نستطيع إثباته بآلاف الأرقام. فالعراق هو عراق الإسلام وعراق المقدسات الإسلامية وعراق أهل البيت (ع)، ومستقبله هو مستقبل الإسلام، فلا فصل بين الاثنين، وأبناء العراق-الاّ ما ندر- هم مسلمون وإسلاميون، والإسلام كمنهج شامل للحياة، وكشريعة للعبادة والحكم هو عنوانهم وهويتهم وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وكل من يخالف هذه الحقيقة الناصعة كالشمس في عز ظهر تموزي، فهو يتجاوز أبسط قواعد التفكير المنطقي، والانصاف، والموضوعية، بل ويسير باتجاه معاكس للضمير.
ولكن يبقى أن أقول إن بعض الضرورات المرحلية التي يستوعبها الشرع المقدس، سواء كانت ضرورات إعلامية أو سياسية… الخ، تستدعي أحياناً بعض المواقف الاستثنائية، وهو ما يحصل حالياً. ولكن بما أني وأمثالي ممن نطلق على أنفسنا لفظ كتاب، حقيقة نقف خارج حدود مواقع اتخاذ القرار، فيجدر أن نتحدث بما نؤمن، بكل صراحة ووضوح، ودون تكتيك معين، وهو ما يدفعني لقول ما قلته قبل قليل.
ومن الأهداف المهمة الأُخرى التي أعتزّ بها، هو أني أردت التأكيد على وحدة الحركة الإسلامية العراقية ووحدة الساحة وميدانها، ووحدة الرمز والرموز فيها، الوحدة بجميع جوانبها، طبعاً باستثناء التفصيلات وجزئيات الامور. فأنا أعتقد، ليس من باب الخطاب الاعلامي او الشعار، بل من باب الواقع المحض، بأن الحركة الإسلامية، رغم تعدد فصائلها الأصلية، لم تكن ولن تكون يوماً مجزّءة، بل هي وحدة واحدة بجميع اتجاهاتها، رغم اختلاف هذه الاتجاهات في التفاصيل أحياناً.
وأخيراً؛ فإن أحد الأهداف أيضاً، واعتبره هدفاً مقدساً كبقية أهداف الكتاب الأساسية الاخرى، هو الكشف عن حقيقة مهمة، يصورها العالم تصويراً مشوهاً الى حد كبير. وتتمثل هذه الحقيقة في وحدة الدم والهدف والمصير والرمز بين الواقعين الإسلاميين في إيران والعراق وغيرهما. ففي فترات زمنية كان الواقع الإسلامي الإيراني امتداداً للواقع الإسلامي العراقي، وأحياناً اخرى العكس، مما يجعلهما مترابطين، دون وجود امكانية للفصل، رغم كل المحاولات التي جرت ولا زالت تجري للفصل، وقد ذكرت في الفصل الرابع من الكتاب بعض القواسم المشتركة لهذه الوحدة. ولعلّ رقماً واحداً يكفي للدلالة على هذه الحقيقة بوضوح، فمئات الإسلاميين في العراق أُعدموا لأنهم رفضوا -لاحظوا مجرد الرفض- شتم الإمام الخميني الراحل، أو البراءة منه ومن الثورة الإسلامية في إيران. كما ان مئات الإسلاميين العراقيين استشهدوا على أرض إيران دفاعاً عنها ضد أبناء جلدتهم، وربما يكونوا اخوانهم في النسب وأبناء عمومتهم، ولكنهم وضعوا الإسلام ومصلحة الدولة الإسلامية في إيران المتطابقة مع مصلحتهم في إسقاط نظام البعث المجرم، وضعوا هذه الاعتبارات الحقيقية فوق كل شيء. وفي المقابل بذلت الجمهورية الإسلامية في إيران كل ما في وسعها لخلاص أبناء المقدسات في العراق الذبيح؛ فكانت كربلاء العراقية ـــ الإيرانية ـــ العالمية ولا زالت هي الرمز، رمز تضحية الإيرانيين في سبيل الله تعالى ومن أجل أبنائهم العراقيين، ورمز تضحية العراقيين في سبيل الله ومن أجل ابنائهم الإيرانيين ايضاً. وقد أثبت في الكتاب وبلغة الأرقام هذه الحقيقة وهناك مئات الأرقام الأُخرى التي ربما لا تسمح للمصلحة الإسلامية العليا بنشرها.
- هل تشعر أنك توفقت في هذا الكتاب؟
علي المؤمن: نعم؛ الى حد ما، لقد وفقني الله تعالى ـــ أولاً ـــ لطبع الكتاب، على نفقتي الخاصة طبعاً، وبصعوبة، وبمساعدة زوجتي، بعد حوالي أربع سنوات تقريباً من تأليفه، لأني لم أجد من يطبع الكتاب كما هو، لأني كنت أهدف من وراء طباعته على نفقتي أن لا ألتزم بأية قيود تجارية أو شروط على النشر؛ حيث انتهيت من تدوينه في العام 1989، وطبعته في العام 1993. وثانياً أحمد الله تعالى على توفيقه بكتابة ما كنت أود كتابته عن الحركة الإسلامية، بكل حرية واستقلال بالرأي، دون أية تأثيرات.
- كيف ترى اهتمام صحف المعارضة الإسلامية العراقية بالكتاب؟
علي المؤمن: بصراحة أقول لكم بأن اهتمام الصحف الإسلامية العراقية بالكتاب لم يكن بالمستوى المطلوب ولا أتوقع ان يكون كذلك، وذلك لعدة أسباب، أهمها ان الاهتمام به شاملاً. ورغم ان موضوع الكتاب يهم جميع الاتجاهات الإسلامية العراقية بشكل كبير، بل هو المشروع يطرحها إعلامياً وبهذه الصيغة وللمرة الاولى في تاريخها، الى الحد الذي يفترض ان يكون الاهتمام به استثنائياً، ولكن – وكما تعرفون- فإن الساحة الإسلامية العراقية تعاني من بعض المشاكل التي تحول دون دعم مثل هذه المشاريع المستقلة، وهنا ما كنت أتوقعه جيداً قبل طباعة الكتاب ولم يكن من أهدافي إرضاء الجميع ولا إسخاط الجميع، أو إرضاء البعض وإسخاط البعض الآخر، فذلك لا يهمني، بل ما كان يهمني قول الحقيقة لقد كتبت بعض الصحف عن الكتاب، ولكن على طريقتها الخاصة، وكان أملي أن يدرك المعنيون أن الكتاب كتابهم جميعاً وأنه مشروعهم. وعموماً فأنا أستغرب من الإعلام الإسلامي- العراقي وغير العراقي موقفه من الكتاب!
- ما هي مشاريعك البحثية الحالية والمستقبلية؟
علي المؤمن: كما تعرفون فإن من يحترف الكتابة، لا يخلو برنامجه من مشاريع كتابية. وبفضل الله تعالى فقد تمكنت خلال السنتين الماضيتين من تنفيذ بعض المشاريع، فلدي حالياً تحت الطبع ثلاث كتب، الأول: بعنوان “نظام الإدارة الحكومية في الإسلام” وهو تعريب، والثاني: “المسألة الطائفية في الإسلام” وهو صياغة جديدة لدراسة قديمة منشودة، والثالث: “النظام العالمي الجديد: التحولات والتشكيل”، وهناك كتاب رابع مطبوع وسيخرج للأسواق قريباً، اشتركت في إعداده وكتابته مع مجموعة من الزملاء، وهو بعنوان: “موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أزمة الكويت”. وأعتقد ان الكتاب الأخير يحظى بجانب كبير من الاهمية وفضلاً عن هذه الكتب فلدي بعض المخطوطات، التي آمل ان يوفقني الله تعالى لتقديمها للطباعة مستقبلاً.
أما الجزء الثاني من كتاب “مسيرة الحركة الإسلامية في العراق” فهو يبحث الفترة الزمنية من 1987-1992. وربما سيكون عنوانه “سنوات الرماد” وسأشرح سبب هذه التسمية في مقدمة الكتاب. والكتاب في منهجه شبيه بجزئه الاول، إلاّ انه سيحتوي على تقييم شامل لمسيرة الحركة الإسلامية، وهو حالياً عبارة عن مادة خام، وسأقوم بصياغته فور استكمال بعض مستلزماته. ويسرني ان أتقدم بدعوة أصحاب الاهتمام والاختصاص للتفضل بتزويدي بآرائهم ومقترحاتهم وتوجيهاتهم، بهدف الخروج بعمل يقترب من التكامل، خدمةً لدين الله تعالى، ونصرة لأبنائه البررة.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua