في وداع الإمام

Last Updated: 2024/04/22By

في وداع الإمام الخميني

علي المؤمن

(مجلة الحوار الفكري، 10 تموز 1989)

حين يمر القارئ الكريم على هذه السطور المفعمة بالحزن والألم؛ فإن رحيل الإمام الخميني يكون قد طوى من الزمن شهراً وأكثر، وقارب الأربعين، بيد أن الفاجعة ستظل حيّة، وكأنها تتكرر كل يوم..

الأمة ستبقى تعيش جسامة الخطب بكل جوانبه، وكأن الألم والذعر والدهشة التي ملأت أرواح المسلمين.. ونار الفراق التي اكتوت بها مكامن الأفئدة وتقطعت لها وجداً.. والدماء والدموع التي أذابت القلوب والأجفان.. يوم فقدان الحبيب.. مازالت تتراكم وتتفاعل باطراد، حتى ليصعب حمل المصاب وتحمله..

ولولا أن التراب قد غيّب من قبل أجساد الأنبياء والأوصياء، لما صدّق عشاق (روح اللَّه) أن يضمّ الإمام قبر..

إنه العشق..

هذا السمو العرفاني المقدس، الذي تجلّى بأعمق صورة في أيام رحيل الإمام، أدهش العالم أجمع، وتحديداً الأجانب الذين حضروا طهران وشهدوا آثار الفاجعة على الشعب المسلم في إيران، ومنهم المراسلين والصحفيين الـ(220)، الذين كانوا في حيرة شديدة.. لم كل هذا الحزن والألم؟!. لم كل هذا البكاء وصرخات الفراق وتلويح الأيادي المرتجفة بالوداع؟!.. بلد بأكمله موشح بالسواد!..

وتستقبل مستشفيات البلاد خلال ثماني وأربعين ساعة فقط، بعد وفاة الإمام، من خمسمائة شخص أصيبوا بنوبات قلبية وصدمات عصبية، ثم يتوفى شخصان على الأثر!..

ومحيط متلاطم الأمواج من البشر قدِّر بعشرة ملايين شخص، يشترك في تشييع الجثمان الطاهر، هذا التشييع الفريد الذي تشهد الأرض مثيلاً من قبل!، حيث أدى الزحام الرهيب وحرارة الجو التي وصلت إلى «42°م» إلى تعرض آلاف الأشخاص للانهيار والإصابات بالكسور والجروح..

وحين يسأل أحد المراسلين الأجانب أحد المفجوعين: «لم تفعلون كل هذا؟!.. صحيح أنكم تحبون قائدكم.. ولكن ما الداعي لكل هذا الحزن والجزع؟!.. إن العالم يشهد باستمرار موت القادة!!».

فيجيبه الرجل والحرقة تملأ جوانب روحه والدموع تنساب على خديه: «إنه العشق.. أنتم لا تفهمون ذلك».

نعم.. إنه العشق لمن بذل كل وجوده من أجلنا في سبيل اللَّه.. إنه الإحساس بالمظلومية لرجل لم تعرف البشرية عظمته وعظمة أهدافه.. إنه الحزن التاريخي على رجل جسّد حلم الأنبياء والأولياء عبر التاريخ في إقامة حكومة العدل الإلهي على بقعة من الأرض.

فقد كان الإمام الأمل الذي انتظره أتباع مدرسة أهل البيت طوال مئات السنين.. السنين التي تعرّضوا فيها لأبشع ألوان الظلم والاضطهاد..، كان الأمل الذي يمهد لمنقذ البشرية من عذاباتها الإمام المنتظر. ولكن ينطفئ هذا الأمر فجأة.. وبلا سابق إنذار. فيتحول الحزن على رحيل الإمام إلى خلاصة للحزن التاريخي.. الحزن الذي يعتصر نفوس هؤلاء المظلومين منذ استشهاد أمير المؤمنين والحسن والحسين وأولادهم وأحفادهم.

وعلى الجانب الآخر؛ كان العالم المستكبر وأذياله يظنون أن في رحيل الإمام نهاية لكل شيء.. لنهج الإمام.. لدولة الإمام.. ولامتدادات الإمام..

ولكنهم فوجئوا..

فالنهج ترسّخ.. والدولة الإسلامية ثبتت بقوة. والامتدادات استمرت مطردة أكثر فأكثر.

وفوجئوا أيضاً.. أن الإمام ما زال يحاربهم.. يحاربهم في موته، فقد حاربهم بملايين شعبه، التي جسدت أسمي وأرفع معاني الألم والأسى بفقده، وحاربهم بوصيته الأليمة ـ السياسية، التي ستبقى برز معلم في نهجه، وبمئات الملايين من المسلمين المفجوعين به في كل مكان، وبتوصياته بشأن القيادة المستقبلية التي انتُخبت بعد عشرين ساعة فقط على رحيله، وبالأمة الواعية الملتزمة التي بايعت هذه القيادة على المضي خلف أهداف الإمام الخميني.

وسيبقى الإمام الراحل يحارب أعداء الدين بخطه الحي القويم.. حتى يمن اللَّه على المستضعفين، فيجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين. وإنا للَّه وإنا إليه راجعون.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment