فهرسة الاشكاليات التي انطوت على جدلية الهيكلية والعمر
جدلية العمر في قيادة حزب الدعوة الإسلامية
د. علي المؤمن
كان مؤسسو حزب الدعوة الإسلامية وروادها وقادتها حتى ثمانينات القرن الماضي، شباباً في العشرينات والثلاثينات، وطبيعة الخبرة الفكرية والسياسية لهذه الأعمار ينتج عنها رؤى ومواقف وأفكار غير ناضجة؛ بل خسائر مادية ومعنوية هائلة؛ سيما وان الدعوة كانت تطرح نفسها قيادة للأمة. ولذلك ينبغي معالجة هذه الإشكالية عبر عملية تصحيح فكري وسياسي تاريخي.
وهكذا بالنسبة لهيكلية الحزب؛ فهي هيكلية هرمة لا تستجيب لمتطلبات الواقع، وتحولت الى ما يشبه التابوهات؛ لأن من رسمها ونفذها شباب في العشرينات والثلاثينات، ثم كبروا معها وأدمنوها، وباتت جزءا من حياتهم بعد أن جاوزوا الستين والسبعين والثمانين. ولذا يصعب تجديد الهيكلية الهرمة مع ثبات العقل الدعوي.
وليست المشكلة في معدل عمر قيادة الحزب (٦٦ عاماً) أو مجلس الشورى (٦٠عاماً) وحسب أو تراكم خبراتهم؛ بل في ثبات الأسماء في مواقعها؛ وتحديداً الـ (٢٠) اسماً الذين يتداولون مواقع القيادة منذ ثلاثة عقود ونصف. وبالتالي؛ فبقاء شخص في موقع تنفيذي كل هذه المدة؛ يحمل تبعات نكوص كبيرة جدا.
وهناك مشكلة المحوريات التاريخية في القيادة التاريخية؛ فهي تنعكس تلقائيا على الشورى والمؤتمر واللجان والمكاتب، ولذلك لا تخرج محاولات التكامل الجيلي عن شروط هذه المحوريات، والتي تضيع بسببها شروط الكفاءة والخبرة. بل هناك من يتخوف من الكفاءة والخبرة والطموح لدى الداعية من الخط الثاني والثالث او الداعية الكهل؛ فيكون الاعتماد حينها على الداعية التقليدي المطيع. وليس الطموح هو التكامل بين جيل القيادة الحالية، وجيل الثمانينات؛ فهذا بات مستحيلا في أعراف الدعوة؛ بل الطموح هو التكامل مع الخط الثاني والثالث ومع جيلي الستينات والسبعينات، الذين أصبحوا شيبة وكهول من (55) سنة الى (65) سنة. وبالتالي هل يعقل ألّا يوجد دعاة كهولاً بهذه الأعمار لا يمتلكون السلامة الفكرية والإيمانية والخبرة السياسية والكفاءة الحزبية والنزاهة السلوكية والمالية؟
كما أن أعمار الخطين الثاني والثالث في الدعوة قد تجاوزت الستين عاماً. صحيح؛ إن معيار فرز القائد الناجح ليس العمر ولا الانتخاب، ولكن من غير المعقول أيضاً ألّا يستطيع رحم الدعوة المعطاء إنجاب غير من أنجبتهم من الأسماء الـ (٢٠) بعد العام ١٩٨١.
ولعل جزءاً أساساً من مشاكل هرم الهيكلية وجمودها؛ هو عملية استيعاب القيادات الرائدة والسابقة. فعند خروج العضو من القيادة؛ ينبغي الاستفادة القصوى من خبراته وسلامته الفكرية؛ عبر هيئات استشارية وتشريعية وإشرافية تستوعب وجودهم المهم (شبيه بمكتب الإرشاد في الإخوان المسلمين)؛ دون تسليمه مهمة تنفيذيا؛ كيلا يكون التداول شكلياً.
وأعتقد أن الخطوط العامة للحلول كما سبق أن أشرت إليها في أوراق سابقة، تكمن فيما يلي:
- إعادة مأسسة الحزب وهيكليته بما يستجيب لمتطلبات الواقع، ولتجديد حياة الحزب ودمائه.
- التأسيس لأنساق مؤسسية تؤهل الخط الثاني والثالث والرابع وأجيال الكهول والشباب لعملية التصدي للمواقع الأساسية في الدعوة؛ بعيدا عن شروط المحوريات؛ أي عبر ضوابط مدونة ومعايشات ومهام تجريبية ودورات تأهيلية حزبية وقيادية وسياسية.
- تعديل النظام الداخلي بما يتناسب وتجديد الهيكلية والتكامل الجيلي؛ كتحديد مدة دورات القيادة؛ وإن كان مطولا. فالمهم أن يكون هناك تحديد لوجود الداعية في القيادة.
- مراجعة فكر الدعوة ومسيرتها السياسية مراجعة دقيقة شاملة؛ بما يضمن أرشفة الأفكار والمواقف غير الناضجة التي أفرزتها القيادات الشابة التي أمسكت بقرار الدعوة منذ التأسيس وحتى الثمانينات. فبدون هذا النوع من المراجعة لا يمكن الحديث عن التصحيح والإصلاح والتجديد. ولا يوجد حزب لا يراجع مسيرته؛ ولاسيما إذا كان حزباً ايديولوجيا؛ أهدافه كبيرة جدا بحجم الأمة والطائفة، ومؤسسوه وقادته ومفكروه الأساسيون شبابا في العشرينات والثلاثينات، وبلغ عمره ٦١ عاما، واتخذ خلال ذلك مواقف دينية وسياسية نوعية وكثيرة جدا؛ تعاملت مباشرة مع العقول والدماء والأموال والأعراض.
ختاما؛ هناك فقرة ذكرتها في الورقة السابقة؛ أود تكرارها للتاريخ: إن قيادة الدعوة خلال العشرين عاماً (1998-2018) الأخيرة هي أهم قيادة مرت بتاريخ الدعوة، وأكثرها خبرة ونضوجا؛ بصرف النظر عن بعض الملاحظات والملابسات والإخفاقات. ولذلك لا ننطلق في حديثنا عن أهمية تداول المسؤوليات من شك في كفاءة أعضاء القيادة وخبراتهم؛ بل من الإشكاليات العميقة التي سبق ذكرها.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua