فقه المقاصد والفهم الأشمل للشريعة

Last Updated: 2024/04/22By

فقه المقاصد والفهم الأشمل للشريعة

د. علي المؤمن

يمكن لفقه المقاصد أو مقاصد الشريعة، إذا تم تطويره من الطابع الخطابي وتحويله إلى حقل علمي متكامل ثم توظيفه في القضايا الفقهية، أن يقدم فهماً أشمل للشريعة، ويتجاوز النظرة التجزيئية والفهم الحرفي لها، من خلال تعمقه في معرفة مراد الشارع وقصد الشارع من الحكم أو الدليل، إضافة إلى شد الأحكام ببعضها لاستقراء كليات الشريعة ومقاصدها العامة، في إطار منهج يمزج بين العقل والنقل. ومن ثم يتم عرض كل دليل أو حكم على هذه المقاصد للوقوف على حقيقة تطابقها مع حكمة الشارع ومراده. وهناك مقاصد عامة لكل الشريعة ومقاصد خاصة لكل باب فقهي ومقاصد جزئية لكل حكم، والمقاصد الخاصة والجزئية تلتقي مع بعضها في إطار المقاصد العامة لكل الشريعة.

وقد لاحظ الشيخ إبراهيم الشاطبي، وهو الذي بلور الخطوط العامة لهذا الحقل من خلال استقرائه للشريعة، أنها وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس: الدين، النفس، النسل، المال والعقل، وأن كل الأحكام الفقهية لابد أن تراعي هذه الضروريات، وهو ما قرره الفاضل المقداد السيوري أيضاً (وهو معاصر للشاطبي). وذلك يعني وحدة الموقف بين العقيدة والفقه، وتوقف الحكم الفقهي على استيعاب أصول العقيدة وفلسفتها، وبكلمة أخرى: إرجاع الفروع إلى الأصول، وفهم الأدلة الجزئية وغاياتها على أساس الكليات التشريعية. ولا شك أن مقاصد الشريعة لا تقتصر على الضروريات التي استنبطتها تجربة الشاطبي أو تجربة المقداد، بل تتسع لضروريات أخرى، كما قرر ذلك الفقهاء والأصوليون الذين جاءوا بعدهما، ولا سيما المعاصرين منهم، وأبرزهم الطاهر بن عاشور، الذي ذكر بأن المقاصد العامة للشريعة تتمثل في: حفظ النظام، جلب المصالح، درء المفاسد، إقامة المساواة بين الناس، جعل الشريعة مهابة مطاعة نافذة، جعل الأمة قوية مرهوبة الجانب مطمئنة البال وغيرها. أما المقاصد الخاصة للشريعة فتتمثل في: تحقيق مقاصد الناس النافعة وحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة.

وتطرح اليوم مناهج أخرى مكمّلة لفقه المقاصد أو تهدف إلى تطوير فقهي مواكب للتطور الهائل الذي يشهده الواقع، مثل فقه الأولويات وفلسفة الفقه، ففقه الأولويات يعنى بفهم الواقع وتكييفه مع مراد الشارع، أي أنه يجمع بين مقاصد الشريعة وأولويات الواقع عبر فهم وظيفة التديّن وفلسفته، والتفريق بين الدين والتدين. ومنهج فقه الأولويات منهج مركب، أي أنه يجمع بين استثمار بعض القواعد والأمارات الفقهية والأصولية ذات العلاقة (التعارض، التزاحم، التيسير، الضرورات، المصلحة وغيرها) واستثمار العقل ومستقلاته والعرف والخبرة والتجربة العلمية الإنسانية. وتنقسم الأولويات إلى أولويات الفرد وأولويات المجتمع وأولويات الأمة وأولويات الدولة وأولويات البشرية، وهي أولويات واقعية يحددها منهج فقه الأولويات عبر عرضها على فقه المقاصد ليتعرف على رأي الشريعة، وعندها تتم الإجابة في وقت واحد على سؤال: ماذا يريد الواقع وماذا تريد الشريعة؟

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment