عناصر التشيع ومجتمعه

Last Updated: 2024/04/22By

عناصر التشيع ومجتمعه

د. علي المؤمن

يتشكل المذهب الشيعي ومجتمعه من ستة عناصر أساسية:

1ـ العنصر العقدي: الأُصول النظرية للمذهب الشيعي، وهو موضوع علم الكلام الإسلامي الشيعي.

2ـ العنصر الفقهي: الفروع التطبيقية للمذهب الشيعي، وهو موضوع الفقه الإسلامي الشيعي.

3 ـ العنصر السلوكي: سمات الشخصية الشيعية وقواعدها التربوية والأخلاقية، وهو موضوع علم الأخلاق الإسلامي الشيعي.

4 ـ العنصر التاريخي: الكينونة التاريخية للمذهب الشيعي ومجتمعه، وهو موضوع تاريخ النظام الديني الاجتماعي الشيعي.

5 ـ العنصر الطقوسي: العادات والتقاليد الاجتماعية المذهبية، وهو موضوع الميثولوجيا (mythology) الإسلامية الشيعية.

6 ـ العنصر الاجتماعي: الهوية الاجتماعية المذهبية الشيعية المعبرة عن الانتماء المجتمعي الخاص، وهو موضوع علم الاجتماع الديني الشيعي.

هذه العناصر الستة تكمل بعضها، وهي قوام الشخصية المسلمة الشيعية المتكاملة في إيمانها العقدي النظري، والتزامها بالفروض، وتمسكها بالسلوك، وممارستها للطقوس، وانتمائها للتاريخ، وتفاعلها اجتماعياً. إلّا أنّ ما يعني علم الاجتماع الديني الشيعي هو عنصر الانتماء المجتمعي دون غيره من العناصر الأُخر، وإن استند إلى تحليل العناصر الخمسة الأُخر في فهم المجتمع الشيعي وخلفيات تكوينه ووعيه وقنوات التعبير لديه.

إنّ من المميزات الأساسية للاجتماع الديني الشيعي، استناده إلى قاعدة غيبية تتمثل في نيابة سلطة النظام الديني الاجتماعي الشيعي عن القائد الحقيقي الغائب، وهو الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر. صحيح أنّ المسلمين عموماً يعتقدون بعقيدة المهدي، وأنّ قائداً إسلامياً مصلحاً سيظهر في آخر الزمان لينشر العدل الإسلامي في كل الأرض، لكنّ الفرق الأساس بين الشيعة والسنة في هذا المضمار هو أنّ المعتقد المهدوي ليس له مدخلية تشـريعية أو عملية في وجود المؤسسة الدينية السنية وفي السلوك الشرعي لأتباع المذاهب السنية. فضلاً عن أنّ المذاهب السنية لا تعتقد بأنّ المهدي شخص محدد بعينه. أي أنّ المهدي لدى المذاهب الإسلامية الأُخر مجرد وجود ميتافيزيقي مفتوح على التعريفات والمصاديق، ولا يؤثر غيابه في وجودهم وسلوكهم المذهبي الاجتماعي.

أمّا عند الشيعة؛ فإنّ المهدي المنتظر هو شخص محدد بعينة، له اسم ونسب وتاريخ معروف، وعنوان ديني محدد، ووجوده ليس مجرد عقيدة نظرية عامة لا تؤثر في الواقع الاجتماعي؛ بل هي عقيدة أساسية تستند إليها السلطة الدينية الاجتماعية المركزية في شرعية وجودها، وأنّ قسماً من الفقهاء الشيعة يجمدون العمل ببعض الأحكام ذات العلاقة بالسعي لإقامة الدولة الإسلامية وقيادتها، وذلك انتظاراً لعودة الإمام الغائب ليقوم بها بنفسه؛ لأنّهم يقولون: إنّ هذه الأحكام من اختصاصه فقط، وأنّ الخلاص من الظلم الطائفي مرهون بعودته. وعليه، يجب الانتظار وعدم ممارسة الثورة والنهضة والسياسة والمواجهة وإقامة الدولة الإسلامية؛ لأنّها من اختصاص الإمام المنتظر، برغم أنّ أحكام الدولة والنظام السياسي والثورة كلها موجودة في الفقه الشيعي.

أمّا القسم الآخر من الفقهاء الشيعة الذين يدعون إلى تطبيق هذه الأحكام ويمارسونها في زمن الغيبة؛ فإنّما يقومون بها نيابة عن الغائب المنتظر وتمهيداً لظهوره. أي أنّ ركيزة وعي المجتمع الشيعي بالمستقبل وشكله ومضمونه هو المهدي المنتظر، سواء كان أفراد هذا المجتمع من القسم الذي يؤمن بالانتظار السلبي للمهدي (تعطيل أحكام الفقه السياسي والدولة الإسلامية) أو من القسم الذي يؤمن بالانتظار الإيجابي (السعي لإقامة الدولة الإسلامية وتفعيل الفقه السياسي).

ومن مميزات الاجتماع الديني الشيعي الأُخر أنّه اجتماع عالمي متماسك، وليس محلياً أو إقليمياً، وأنّ الأواصر المذهبية الاجتماعية المشتركة التي تشد وحداته المحلية ببعضها أو إلى المركز؛ هي أقوى بكثير من التباين اللغوي والقومي والوطني. ولا يرتبط هذا الموضوع بالبعد الوجداني والعاطفي التفاعلي وحسب، بل أنّه أعمق من ذلك بكثير. وهذا لا يلغي وجود التباينات في الإطار الأنثروبولوجي لكل وحدة محلية وقومية ولغوية ووطنية شيعية؛ لكن هذا التباين يضعف أمام الأواصر الأساسية التي تفرزها البنية العالمية المحكمة للنظام الاجتماعي الديني الشيعي.

هذه المميزات التي تمثل خصوصيات الاجتماع الديني الشيعي؛ تستدعي الإشارة إلى طبيعة الخلاف بينها وبين الاجتماع الديني السني. ويمكن القول إنّ هذا الخلاف تراكمي مركب: اجتماعي سياسي، بالدرجة الأساس، حاله حال أي خلاف بين مجتمعات المذاهب في الديانات الأُخر. وهذا لا يعني عدم وجود خلاف في العنصرين العقدي والفقهي بين التشيع والتسنن، ولكن الخلاف العقدي الفقهي هو أقلّ تأثيراً في واقع المسلمين الاجتماعي، لأنّ كثيراً من المختلفين من الطرفين غير ملتزمين دينياً أساساً، ما يعني أنهم مختلفين طائفياً وليس مذهبياً. والخلاف الطائفي هو خلاف اجتماعي سياسي يرتبط بالمصالح والمفاسد الاجتماعية السياسية، وليس بالاختلاف في قراءة الدين. أما الخلاف المذهبي فهو خلاف عقدي فقهي، أي خلاف في قراءة الدين. وهنا يكمن الفرق بين الخلاف الطائفي والخلافي المذهبي. كما أن الخلاف العقدي الفقهي موجود أيضاً بين المذاهب والفرق السنية أنفسها أيضاً، ولعله أشد في بعض المجالات من الخلاف بين المذاهب الشيعية والمذاهب السنية، كما هو الحال ـ مثلاً ـ بين الفرقة    التيمية الحنبلية وامتدادها الوهابي من جهة، ومجتمعات المذاهب السنية الأُخر الرافضة للعقيدة التيمية الوهابية من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه نجد تطابقاً بنسبة 70% في الأُصول والفروع بين التشيع والتسنن.

والخلاف المذهبي (العقدي الفقهي) أقل تأثيراً ـ غالباً ـ في الانقسام المجتمعي، على العكس من الخلاف الطائفي، الذي يفرز الإقصاء والتهميش والتمييز على أساس الهوية؛ فقد خلق الانقسام الطائفي الشيعي السني هويات طائفية في مضمونها ومذهبية في شكلها، تبعاً للمسارات التاريخية التراكمية المتعارضة واختلاف السلوكيات الاجتماعية السياسية، والتي تستثمر الخلافات العقدية الفقهية، لتضفي على تعارضاتها شرعية دينية متعالية.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment