علي شريعتي مفكر مبدع أصاب وأخطأ

Last Updated: 2024/04/22By

علي شريعتي مفكر مبدع.. أصاب وأخطأ

د. علي المؤمن

هناك مبالغة غير موضوعية في تقويم المفكر الإيراني علي شريعتي، منذ أن اشتُهر في أواخر ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي؛ فمنهم من يُكفِّره ويُخرجه من ملة الإسلام وعقيدة التشيع وجبهة الإيمان، ومنهم من يعتبره زعيم الإصلاح الديني الشيعي و”لوثر” التشيع، وكلا الرأيين غير صحيحين، وفيهما تهويل لامبرر له.

وكان الجدل الإيراني الحامي حول علي شريعتي، قد انتقل في أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي، الى الساحة الشيعية العربية عامة، والعراقية المهجرية خاصة، بعد أن قرأه المثقفون الإسلاميون العراقيون المهاجرون الى ايران في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وخاصة بعد أن تُرجمت آثاره الى اللغة العربية. وقد انسجم الجدل بين الإسلاميين العراقيين حول شريعتي، مع طبيعة التوجهات السياسية الدينية لكل شخص وجماعة، حتى داخل الحزب الواحد، وهي التوجهات المتشبِّهة أيضاً بما سبق أن شهدته الساحة الايرانية؛ فالعراقيون المتمسكون بخط المرجعية الدينية وقيادة علماء الدين والفكر الإسلامي الأصولي ونظريات الأحزاب الإسلامية، وكذا المنحازون الى السيد مرتضى العسكري في معركته مع علي شريعتي؛ كانوا يرفضون أفكار علي شريعتي ويسخطون عليه. أما الذين كانوا يعتبرون أنفسهم متحررين فكرياً بشكل نسبي، ولديهم نزعة معارضة ــ الى حد ما ــ لعلماء الدين، أو لديهم ميولاً ليبرالية مبكرة، وخاصة الذين انفصلوا عن الأحزاب الإسلامية سياسياً وفكرياً، وتركوا ايران باتجاه سوريا واوروبا، وأغلبهم من الشباب المهاجر من العراق في مطلع التسعينات؛ فإنهم كانوا يدافعون عن شريعتي.

وقد وجدتُ أن الأغلبية الساحقة من الطرفين كانت انفعالية في آرائها، وتنقل عن بعض علماء الدين المقربين للسيد العسكري، أو تنقل ــ في المقابل ــ عن بعض المثقفين الإسلاميين العراقيين ممن لديهم صداقات مع مثقفين ايرانيين يطلقون على أنفسهم (المتنورين)، وبالتالي؛ فهذه الأغلبية الساحقة لم تقرأ لشريعتي، خاصة لكنها انساق مع الجدل، بناء على ميوله السياسية والدينية والنفسية. مع الإشارة الى أن كتب شريعتي لم تكن قد ترجمت في ثمانينات القرن الماضي الى العربية، والذي تُرجم كان عبارة عن كراسات بسيطة.

والمفارقة؛ إن الجدل حول أفكار علي شريعتي في الأوساط الثقافية الدينية الإيرانية، بدأ يتلاشى منذ ثلاثة عقود تقريباَ، وبات الإيرانيون يعدّونها جزءاَ من تاريخ الفكر الإيراني المعاصر، خاصة بعد ظهور التيارات الفكرية الدينية الليبرالية أو المعلمنة الجديدة، الأكثر عمقاً ورصانة وتخصصاً، والتي يتقدمها عبد الكريم سروش ومصطفى ملكيان ومجتهد شبستري ومحسن كديور وكثير غيرهم، وهم متفوقون على شريعتي في نوعية إنتاجهم الفكري، رغم ضعف انتشارهم وقلة إنتاجهم، إلّا أن المثقفين الشيعة العراقيين والعرب، من الليبراليين والعلمانيين الجدد؛ لايزالون متمسكين بعروة علي شريعتي ومصطلحاته وأدبياته، ولذلك؛ وصفتُ أفكار شريعتي في مقال سابق، بأنها باتت (خردة) في إيران منذ ربع قرن، الأمر الذي أثار حفيظة أنصار شريعتي من العراقيين بشدة، لأنهم يعدّون أفكاره خالدة، في حين لم يعترض أنصاره الإيرانيون.

وأعتقد أن كلا الرأيين المغاليين في شريعتي، لايتسمان بالموضوعية والاعتدال، فللرجل ما له، وما عليه؛ فلاهو كافر ومرتد، ولا هو مصلح إسلامي عظيم خالد، خاصة أنه طرح أفكاره وخاض معاركه وهو شاب في العشرينات والثلاثينات من عمره، وهو المعروف باندفاعه وانفعاله، ولو قُدِّر له أن يعيش أكثر ويكتسب خبرة فكرية وعلمية إسلامية أكبر؛ لرجع عن كثير من أفكاره.

إن الدكتور علي شريعتي رجل مسلم مؤمن، وهو مفكر اجتماعي وليس عالم دين وفقيه، ولذلك؛ فإن آراءه وأفكاره النهضوية الجيدة ترتبط باختصاصه الأكاديمي غالباَ، أما أفكاره الأخرى غير المقبولة، فهي الآراء الدينية التي لاتتوافق والاتجاه الشرعي العام، وقد أقحم نفسه فيها، دون أن يحظى بالإلمام والتخصص فيها، وكذلك آراءه المبنية على الخصومة الانفعالية مع بعض علماء الدين، وخاصة كتابه الرديء “التشيع العلوي والتشيع الصفوي”، والذي أسس فيه لمصطلحات وأدبيات خيالية، استثمرها الوهابيون والطائفيون ضد الشيعة، وكان ذلك أحد أكبر أخطائه وشطحاته.

وقد ساهمت بعض أفكار علي شريعتي في بناء نخب دينية منفلتة، متخاصمة غالباَ مع المرجعية الدينية والحوزة العلمية وعلماء الدين، ومتهمة بالتأسيس لليسار الديني الشيعي، وقد انحرف بعضها فعلاً عن جادة الإسلام والتشيع، وتبنّت التفسير المادي الماركسي، وحملت السلاح ضد الجمهورية الإسلامية، وأخرى تبنّت الليبرالية الدينية أو الوطنية الدينية. بيد أن الإنصاف يدعونا لعدم تحميل شريعتي كامل المسؤولية عن انحرافات هذه النخب، لأن أغلبها ظهر بعد رحيله.

شخصياً؛ منذ تعرفي على أفكار شريعتي في السنوات الأولى لثمانينات القرن الماضي، كنتُ أنظر الى إليه باعتدال، بعد أن قرأت كثيراً من آثاره واستمعت الى محاضراته باللغة الأصلية، كما تابعت آراء الإيرانيين حوله؛ فكنتُ أتلمّس تهويلاً من محبيه ومن خصومه، ولذلك؛ وجدتني أميل الى الشريحة التي تنظر الى آرائه نظرة موضوعية استقرائية. وبعد مرور أربعة عقود على رحلة التعرف على شريعتي؛ لا أزال أستمتع بقراءة وسماع آراء شريعتي، لأنها تحفزني على النقد والتأمل، رغم أني لا أقبل بجزء منها، واعتبر هذا الجزء متهافتاً وسطحياً وانفعالياً، ولكن ما لا أقبله أو لا يقبله الآخرون، لايُخرِج المرحوم علي شريعتي من دائرة الإسلام والتشيع والإيمان، بل لايمكن رفض كل أفكار الرجل ونتاجاته، بذريعة أن لديه أخطاء وشطحات؛ فقسم منها جيد ومفيد، كما لايمكن أن نعتبر كل أفكاره صالحة بالمطلق، وندافع عنها باستماتة، من منطلق التعصب، أو لأنها تتوافق مع ميولنا النفسية الثأرية، بسبب خصوماتنا مع الاتجاهات الدينية التي كان شريعتي يخاصمها ويحاربها. وبالتالي؛ فإن لكل مفكر وباحث في الوسط الإسلامي، آراء وأفكار لايقبل بها الآخرون، ويعدونها خاطئة، بناء على مايرونه من معايير، كالرأي المشهور والاجماع الإسلامي، خاصة إذا كان هذا المفكر والباحث مبدعاً ومجدداً.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment