علم الكلام ومواجهة تحديات المستقبل

Last Updated: 2024/04/22By

علم الكلام ومواجهة تحديات المستقبل

د. علي المؤمن

علم الكلام هو من أبرز مفردات الفكر الإسلامي التي تواجه تحدي الحاضر والمستقبل؛ لأنه يمثل الجبهة الأمامية المعنية بمواجهة الضغوط والتحديات الفكرية والعقيدية التي يتعرض لها الدين وأصوله ومقولاته وشريعته. ومع تراكم هذه الضغوط والتحديات وظهور ألوان معقدة منها تبعاً للتطور الهائل الذي شهدته أو ستشهده الحياة، فإن مهمات علم الكلام ووظائفه تتضاعف أيضاً، بهدف مواكبة هذا التطور ومحاولة استباقه، وبالتالي العمل على ردم الفجوة بين العقيدة والشريعة من جهة، وبينهما وبين الواقع من جهة أخرى. ويستدعي ذلك مراجعة لمقولات علم الكلام ووظائفه ومناهجه ولغته، وهو ما طرحه على طاولة البحث العلمي في العقد الأخير – وبشكل مكثف – عدد من علماء الدين والمفكرين والباحثين. ولكي نتجاوز المقولات التي تطرفت في دعوتها لعلم جديد في موضوعاته ومنهجه وتوجهاته وأهدافه، وكذلك ردود الأفعال غير الموضوعية التي قررت الجمود على التراث الكلامي بموضوعاته ولغته ومبانيه، فإننا نتجه بحديثنا نحو الواقع وما يتطلبه؛ لتأخذ الدعوة لتجديد التراث الكلامي مسارها الموضوعي.

إن التحديات الجديدة التي تواجه الدين ومعارفه وفكره، من خلال الشبهات والتساؤلات المعقدة التي تفرزها الدراسات ذات العلاقة بالدين والفكر الديني، وكذلك الأفكار والنظريات والعلوم والفلسفات الحديثة التي تجاوزت المجالات العقيدية إلى القيم والأخلاق والسياسة والاقتصاد والثقافة، تجعل مهمة الكلام التقليدي ومقولاته ومناهجه في غاية الصعوبة؛ بالنظر إلى أنها وصلتنا وهي مفصّلة على مقاس بيئات مختلفة، كان لها موضوعاتها وشبهاتها وأساليبها في الاستدلال. بل لا يمكن لواقعنا الإسلامي ألّا يكون معنياً بالتحولات الكبرى التي يعيشها الغرب منذ ثلاثة قرون وحتى الآن؛ وصولاً إلى تحولات الغد، على صعيد الفكر الديني والنظرة إلى الدين ومناهج تحليله وتفسيره، وليس آخرها فلسفة الدين والهرمنوطيقيا؛ لأن مساحات واسعة من هذا الواقع باتت تتعاطى هذه الأفكار وتحاول تطبيقها على الإسلام وعقيدته وأصوله ونصوصه أيضاً، فضلاً عن أساليب قراءته وفهمه؛ الأمر الذي يضاعف من التحديات التي تواجه الدين، بعد أن أصبحت تنبثق من داخل الواقع الديني. وهذا كله يدفع علم الكلام إلى الانفتاح المنهجي والعميق على كل قضايا العصر والمستقبل، وصولاً إلى تشكيل منظومة كلامية جديدة؛ متماسكة وشاملة في موضوعاتها، ومركزة وعميقة في استدلالاتها، ورصينة ومقنعة وجذابة في خطابها ولغتها.

والحقيقة، إن تجديد علم الكلام لا يقتصر على الموضوعات والمسائل الكلامية المستحدثة، بل يشتمل على بعض أركانه الأخرى أيضاً، فالمسائل والموضوعات الجديدة التي أفرزت أساليب أو مناهج جديدة في العرض والاستدلال، تستدعي أيضاً مناهج وأساليب أخرى غير تقليدية، وهو تنويع منهجي تتطلبه طبيعة كل مسألة وموضوع. كما أن التطور الذي تشهده اللغة، والتحول المعرفي والثقافي الذي نتج عنه هذا التطور، بسبب تدخل العلوم والأفكار الجديدة في صياغة اللغة المعاصرة، وظهور وعي جديد وفهم مختلف، أدى إلى حدوث فاصلة بين لغة الكلام التقليدي واللغة المعاصرة، الأمر الذي يحتم انفتاح علم الكلام على لغة العصر والمعارف والثقافات التي أنتجها، بهدف إيجاد لغة مشتركة مع أصحاب الوعي الجديد. كما يمكن لتجديد علم الكلام أن يتسع ليشمل الأهداف أيضاً، ولكنه لا يتمدد على حساب الهوية المعرفية له، إذ أن غاية علم الكلام تشتمل على عرض العقيدة الدينية وأصولها من خلال الاستدلال عليها وتحليلها وتفسيرها، ودحض الشبهات والإشكالات التي تواجهها، وتقديم هذه العقيدة للناس، بالصورة التي تجتذبهم إليها عن قناعة، وتكوين تصور كوني ومعرفة بعالم الوجود من خلال تعاليم الوحي. ويمكن إضافة مهام وأهداف أخرى تنسجم مع نوعية أهداف التحديات الجديدة أو التي ستستجد.

وبناءً على ذلك، فالتجديد لا ينزع إلى تشكيل علم جديد، بل ينزع إلى التكامل مع الموروث، أي أنه إضافة وتطوير. ويبقى أن التسميات غير ذات أهمية، فالمهم هو تحقيق الكلام – الذي يطمح إليه المسلمون – لغاياته، برغم أن التسميات بذاتها قد تحمل فهماً مختلفاً ودلالات أخرى. وبالتالي؛ فإن غاية علم الكلام تشتمل على عرض العقيدة الدينية وأصولها من خلال الاستدلال عليها وتحليلها وتفسيرها، ودحض الشبهات والإشكالات التي تواجهها، وتقديم هذه العقيدة للناس، بالصورة التي تجتذبهم إليها عن قناعة عقلية، وتكوين تصور كوني ومعرفة بعالم الوجود من خلال تعاليم الوحي.

والتحديات الجديدة التي تواجه الدين ومعارفه وفكره، من خلال الشبهات والتساؤلات المعقدة التي تفرزها الدراسات ذات العلاقة بالدين والفكر الديني، وكذلك الأفكار والنظريات والعلوم والفلسفات الحديثة التي تجاوزت المجالات العقيدية إلى القيم والأخلاق والسياسة والاقتصاد والثقافة، تجعل مهمة الكلام التقليدي ومقولاته ومناهجه في غاية الصعوبة؛ بالنظر إلى أنها وصلتنا وهي مفصّلة على مقاس بيئات مختلفة ومتباينة أحياناً، كان لها موضوعاتها وشبهاتها وأساليبها في الاستدلال. بل لا يمكن لواقعنا الإسلامي ألّا يكون معنياً بالتحولات الكبرى التي يعيشها الفكر الغربي منذ ثلاثة قرون وحتى الآن؛ سيما في مجال الفكر الديني والنظرة إلى الدين ومناهج تحليله وتفسيره، وليس آخرها فلسفة الدين والهرمنوطيقيا؛ لأن مساحات واسعة من هذا الواقع باتت تتعاطى هذه الأفكار وتحاول تطبيقها على الإسلام وعقيدته وأصوله ونصوصه أيضاً، فضلاً عن أساليب قراءته وفهمه؛ الأمر الذي يضاعف من التحديات التي تواجه الدين، بعد أن أصبحت تنبثق من داخل الواقع الديني. وهذا كله يدفع علم الكلام إلى الانفتاح المنهجي والعميق على كل قضايا العصر والمستقبل، وصولاً إلى تشكيل منظومة كلامية جديدة؛ متماسكة وشاملة في موضوعاتها، ومركزة وعميقة في استدلالاتها، ورصينة ومقنعة وجذابة في خطابها ولغتها.

إذاً؛ “العقيدة الدينية” هي موضوع علم الكلام، والاجتهاد في مناهجها ومساحاتها هو أداة التجديد في علم الكلام. وبالتالي فعلم الكلام الجديد هو علم ديني، ومنهجه منهج نقلي عقلي ذو محددات دينية وغايات دينية.

أما فلسفة الدين فهي منهجية عقلية محضة لا علاقة لها بإنتاج مقولات دينية، وهي ليست علماً؛ بل فلسفة موضوعها ما وراء العقيدة وليس العقيدة نفسها، وتهدف الى اكتشاف مناشىء الدين ونزوع الإنسان نحو التدين وممارسة التدين، وغايات الدين ومقاصده ومساحة حركته وعلاقته بتطور الخبرة الإنسانية والعلوم البشرية، وأساليب فهم النص الديني، وتأثير الرؤية الكونية والقبليات العقيدية والفلسفية والفكرية والثقافية على هذا الفهم. أي أن أهدافها معرفية محضة.

ولا شك أن مقولات علم الكلام الجديد تأثرت بمقولات فلسفة الدين، ولكنه ليس تأثراً بمعنى التشبه بهذه المقولات أو التماهي معها؛ بل بمعنى أن فلسفة الدين أنتجت أسئلة وجد علم الكلام نفسه مجبراً للإجابة عليها؛ بل وجد نفسه عاجزاً عن الإجابة عليها بمقولاته ومناهجه التقليدية؛ الأمر الذي اضطره لتجديد نفسه تبعاً لذلك.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment