علاقة ولاية الفقيه العامة بولاية الحسبة في العراق

د. علي المؤمن

ابتداءً؛ ينبغي القول بعدم وجود ولايتين عامتين شيعيتين متساويتين في الصلاحية والمساحة في الحال الحاضر؛ بل هناك ولاية عامة متمثلة بآية الله السيد علي الخامنئي، وولاية حسبة متمثلة بآية الله السيد علي السيستاني؛ فالسيد السيستاني نفسه لا يدعي أن له ولاية عامة، رغم أنه لا يختلف مع الفقهاء القائلين بالولاية العامة، في ثبوت شمول مساحة الولاية العامة على جميع الفقهاء، حتى خارج الحدود الجغرافية، ويمكن مراجعة دراستي الاستدلالية حول الرأي الفقهي للسيد السيستاني في هذا المجال.

ومن الناحية الفقهية النظرية؛ فإنّ هناك مساحة ولاية بالقوة وهناك مساحة ولاية بالفعل. والمساحة بالقوة لاحدود لها للولي الفقيه الحاكم العام، ومساحة الفعل هي حدود بسط اليد، ولايقصد بها الحدود السياسية الادارية، بل حدود بسط اليد الواقعية، ومن البديهي أن يتصرف الفقيه العام الحاكم في مساحات الولاية بما يتفق والمصلحة العامة، ولا يمارس الولاية قسراً وفرضاً، وهو ما يُلاحظ في كثير من المساحات والموضوعات، ومنها العراق، أي ان المصلحة العامة تفرض عليه أن لا يفعِّل ولايته في زمان ومكان معينين، ولايتنازل عنها لأحد، إذا كان يؤمن بإطلاق الولاية شرعاً؛ لأن الولاية وظيفة حصرية واجبة، وليست وظيفة اختيارية.

وقد تصدى السيد السيستاني للشأن العام في العراق، بناء على مبدأ ولاية الحسبة، وليس من منطلق وظيفة الولاية العامة؛ لأنه لايؤمن بدلالة الأدلة الشرعية عليها، ولذلك فعّل ولاية الحسبية في المساحات الممكنة المتاحة التي يتسبب تركها ضرراً عاماً. وبالتالي؛ لايوجد ولي فقيه حاكم عام في العراق، ويعزز هذا أن السيد السيستاني لايؤمن بتجزئة الولاية العامة وتبعيضها، أي أنه نظرياً يرى أن ولاية الولي الفقيه الحاكم (المقبول) تسري عليه أيضاً. وهنا تكمن الإشكالية النظرية والعملية. وقد تعامل السيدان مع الإشكالية أعلاه بعد العام ٢٠٠٣، تعاملاً عملياً خدمة للمصلحة العامة؛ فلم يفعِّل السيد الخامنئي ولايته في مساحات نفوذ الحسبة التي يتولاها السيد السيستاني، وهي المساحة الكلية، بل أفتى لمقلديه والولائيين باتباع توجيهات السيد السيستاني في حدود العراق الجغرافية. ولكن هذا لا يعني أنه لا يملأ بعض الفراغات غير المملوءة من ولاية الحسبة.

في النتيجة؛ فإن الصيغة المثالية في ملأ مساحات الولاية وتفعليها، هي هذه الصيغة العملية للسيدين الحكيمين، بصرف النظر عما الحملات الدعائية لخصوم الواقع الشيعي، وتقولات المتشنجين من المحسوبين على الطرفين.