عراقيو الأربعينية الحسينية أمة عظيمة في دولة ناجحة

Last Updated: 2024/04/14By

عراقيو الأربعينية الحسينية: أمة عظيمة في دولة ناجحة

د. علي المؤمن

بلغة الأرقام الواقعية التي تترشح عن مراسيم الأربعينية الحسينية؛ تفوقت الأمة العراقية تفوقاً كمياً موسمياً على كل أمم الأرض، وأثبتت الدولة العراقية إنها خلال خمسة عشر يوماً (5 الى 20 من شهر صفر) على رأس الدول الناجحة عالمياً؛ برغم كل الإخفاقات والصعوبات والمحن والإشكاليات في المجالات الأخرى؛ كسوء الخدمات، وتزايد البطالة، والخلل الأمني، والفساد الإداري والمالي، وسقوط معدلات التنمية…الخ من القائمة التي تطالعنا صباح مساء؛ حقاً أو باطلاً، وتزيد العراقيين يأساً وإحباطاً، وجلداً للذات وتقريعاً للنفس. ولكن؛ مراسيم أربعين الإمام الحسين؛ أكدت؛ ككل عام؛ أن العراق شعباً ودولةً يحملان قدرة ذاتية هائلة على إدارة الأزمات، وعلى إنتاج الصمود والصبر، وعلى التكافل والتعاضد والتعاون، وعلى حسن الإدارة والتدبير؛ بشكل يندر مثيله في التاريخ والجغرافيا.

أمةٌ مجروحة ودولةٌ محارَبة؛ يحققان سنوياً أعظم إنجاز تنظيمي ومالي وإداري، وأروع تكافل وتعاضد بين الشعب والجيش والشرطة والحشد الشعبي والإدارات المحلية ومؤسسات الحكومة المركزية. الجميع متكافل مادياً واجتماعياً وتنظيمياً، ومتعاون بمنهجية متفردة إنسانياً ووطنياً؛ كأنهم لوحة متناسقة تتكامل في مضامينها وألوانها؛ لينتجوا نجاحاً ساحقاً في مجالات التنظيم والإدارة الأمنية والمالية والغذائية والخدمية واللوجستية.

في هذه المراسيم السنوية تقوم الدولة العراقية من خلال الجيش والشرطة والإدارات المحلية والمؤسسات الصحية والخدمية؛ الى جانب قوات الحشد الشعبي ومنظمات المجتمع المدني؛ بتأمين الجانب الأمني للمراسيم، وجزء من الجانب الخدمي، وتنظيم حركة المرور والنقل. كما كانت السفارات والقنصليات العراقية في كل أنحاء العلم تقوم بمنح ما يقرب من ثلاثة ملايين تأشيرة دخول خلال شهر واحد تقريباً؛ أي ما معدله (130) ألف فيزة يومياً، وذلك قبل إلغاء التأشيرة لمواطني بعض الدول، ومنها إيران، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية العالمية، حيث كانت تتحمل سفارة العراق وقنصلياته الخمس في إيران العبء الأكبر في هذا المجال، وتعقبها في العدد سفارات وقنصليات العراق في لبنان والكويت وعمان والإمارات وتركيا وباكستان والهند وآذربيجان.

وكما أسلفنا في فقرة سابقة؛ فإن الشعب والدولة يحولان خلال هذه المراسيم المليونية دون حدوث أية مشاجرات أو أعمال عنف أو خروقات أمنية أو حوادث مرورية أو انتشار للأمراض والأوبئة. بل لا ينجم عن هذه المراسيم سوى عدد قليل جداً من الضحايا؛ نتيجة خرق أو اثنين تقوم به الجماعات الإرهابية؛ قياساً بما يجري في كل دول العالم، وقياساً بالوضع الأمني غير المستقر للعراق الذي تستهدفه الجماعات الإرهابية التكفيرية وبقايا النظام البعثي التي تناصب مراسيم الأربعينية العداء، وتحضر نفسها سنوياُ لهذه المناسبة للقيام بعمليات التفجير والقتل الجماعي ونشر الأوبئة وتسميم المياه والأطعمة؛ ولكنها تفشل فشلاً ذريعاً؛ نتيجة قبضة القوات الأمنية العراقية الحكومية والشعبية، والتي تتمكن بنجاح من تأمين حياة (24) مليون إنسان؛ منتشرين على طرق طولها (2000) كم، خلال (15) يوماً.

 

 

استثمار مراسيم الأربعينية لخدمة أهداف نهضة الحسين

د. علي المؤمن

مراسيم الأربعينية الحسينية المتفردة تاريخياً وجغرافياً؛ دليل ميداني واضح على قدرة العراقيين الفائقة على التنظيم والإدارة والتدبير والعطاء والتضحية والبذل من أجل إنجاح أضخم مراسيم كمية في العالم. ولعل بالإمكان استثمار هذه القدرة وتعميمها؛ لتتحول المراسيم من ظاهرة موسمية كمية الى ظاهرة نوعية مثمرة على مدار السنة؛ عبر توظيف معطيات الظاهرة في الجانب الاجتماعي التكافلي، والديني التوعوي، والجهادي، والتنموي المستدام؛ لتكون قاعدة للنهوض الوطني الشامل؛ لأن شعباً بهذا التألق والإشراق والنجومية، ودولة بهذا الحجم من قبول التحدي والإصرار على النجاح؛ جديران بأن يكونا في مصاف الشعوب والدول المتقدمة الكبيرة في نموهما الداخلي وحضورهما الدولي وإنجازاتهما على كل الصعد وتحقيق طموحاتها المستقبلية. وبالتالي؛ فإن هذه المراسيم الأضخم عالمياً هي أعظم مولد لطاقة الأمة، وأعظم دافع نحو البناء والتخطيط السليم، وأروع مظهر لتلاحم جماعات الأمة وأفرادها، وتعاونهم وتكافلهم وتوادهم وتحاببهم.

العراق بكله؛ بحاجة الى استثمار نوعي لهذا الحدث السنوي العالمي؛ باتجاه مزيد من التمسك بأهداف آل البيت الإنسانية والأخلاقية والدينية وبقضية الإمام الحسين وغاياتها، وصولاً تحقيق أهداف الدين والوطن؛ ليعود العراقي الى مدينته وقريته وبيته ومحل عمله؛ وهو مشحون بطاقة الصلاح والإصلاح والبناء والتنمية الشخصية والمجتمعية، ومندفع نحو خدمة المجتمع والبلد، وملتزم بالعبادات وأحكام الشريعة في كل مجالات الحياة.

لو قامت الدولة العراقية والمرجعية الدينية والحوزة العلمية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والهيئات الحسينية ووسائل الإعلام والجماعات الإسلامية وقطاعات السوق والتجار ورجال الأعمال؛ باستثمار الطاقة الكبرى التي تولدها مراسيم الأربعينية في نفوس العراقيين وعقولهم؛ لتغيرت معادلة العراق قطعاً، ولا نسحب هذا النجاح الموسمي السنوي الى نجاحات باهرة مستدامة.

الى جانب المراسيم الموسمية السنوية نفسها؛ يمكن تخصيص جزء من التبرعات أو مضاعفتها، وبعض المنشآت والمباني، وأعداد من المتطوعين؛ لتأسيس مؤسسات لمهمات محددة؛ تعمل على مدار السنة، ويمكن أن تحمل اسم “الأربعينية الحسينية”؛ لكيلا يخرج العطاء عن هذه المناسبة كما يرغب بذلك أهل العطاء. مثالاً:

1- جمعيات وطنية ومحلية كبرى للتكافل الاجتماعي؛ تهتم بمساعدة المحتاجين والأيتام والعجزة والمرضى، ودعم زواج الفقراء، ومشاريع إسكان المعوزين.

2- مشاريع وقفية اقتصادية تنموية لتشغيل العاطلين، ولمساعدة العاطلين أيضاً في إقامة مشاريع عمل صغيرة.

3- مؤسسات فنية وإعلامية لإنتاج أفلام وثائقية وروائية ومسلسلات تلفزيونية وكليبات وغيرها من الأعمال الفنية، وبمختلف لغات العالم، حول حياة أهل البيت والقضية الحسينية وتاريخها وجهاد الحسنيين على مر التاريخ ومحاربة الطغاة لشعائر أهل البيت، واستنهاض الأمة للدفاع عن مقدراتها ضد الإرهاب والجماعات الإرهابية والتكفيرية.

4- جمعيات ومؤسسات دينية إرشادية دعوية ثقافية؛ تعمل على تقوية الجانب الإيماني والعبادي والعقائدي لدى المشاركين بالمراسيم.

5- لجان للتحرك على العراقيين غير الشيعة وغير المسلمين؛ من أهل السنة أو المسيحيين؛ للمشاركة بكثافة عددية وحضور نوعي وعناوين واضحة في مراسيم الأربعينية؛ لتحويلها الى نطاق داعمة لمشروع التلاحم الوطني.

وهناك أفكار عملية كثيرة أخرى يمكن تنفيذها بتعاضد علماء الدين والمثقفين والمسؤولين والتجار وأصحاب الهيئات الحسينية.

هل يمكن كسر نظام ديني اجتماعي بهذا الاقتدار؟

د. علي المؤمن

تخيّل أن نظاماً اجتماعياً دينياً، يستطيع سنوياً تحشيد ما يقرب من (24) مليون إنسان من أتباعه، من (75) دولة، تحشيداً ذاتياّ، في منطقة واحدة، ويسيرون مشياً على الأقدام باتجاه مدينة واحدة، على طرق مجموع طولها (10) آلاف كم، لمدة (2- 15) يوماّ، بدرجة حرارة (50) مئوية، وينصبون (100) ألف محطة خدمة مؤقتة على هذه الطرق، ممولة ذاتياّ، تقدم بالمجان الطعام والشراب والإسكان والعلاج ومحلات العبادة وغيرها من الخدمات، وبواقع (500) مليون وجبة طعام، و(500) مليون لتر مياه، و(مليار) قدح شاي، و(100) مليون قنينة عصير، و(500) ألف طن فواكه. ويرفع هؤلاء المشاة (3) ملايين علم وراية ويافطة، ويطلقون الشعارات والهتافات نفسها، ويمارسون المراسيم نفسها، كلّ بلغته، ثم يجتمعون في المدينة المقصودة في آخر يوم من هذه المراسيم؛ ليجددوا عهد الارتباط والانتماء والولاء لأحد أهم رموز نظامهم الاجتماعي الديني.

تخيّل أنّ هذه المراسيم، الفريدة في حجمها ونوعها على مستوى التاريخ والجغرافيا؛ تقام ذاتياً بتنظيم عالي المستوى، دون وجود جهة داعية أو منظِّمة، أو حتى مشرفة، ودون أن تحصل خلالها أية مشاكل اجتماعية واقتصادية وأمنية، وهي أسرار لا يحتويها سوى نظام اجتماعي ديني واحد في هذا العالم.

تخيّل أنّ هذا النظام الاجتماعي الديني المتفرد، الذي يعيش عصره الذهبي، بعد أن بلغ هذا المستوى من الفاعلية والعالمية والتماسك والمركزية والتمويل الذاتي، وينتج هكذا ظواهر عالمية فريدة؛ هل يمكن كسره وإركاعه؟!، وهل يمكن إعادته الى عصور التهميش والعزل والظلام والقمع والتشريد؟!

منذ البداية؛ قررت أن لا أذكر عنوان هذه المراسيم، ولا النظام الاجتماعي الديني الذي يقوم بها، ولا الدولة التي تقام فيها؛ لكي أترك للقارئ الإجابة على الأسئلة دون أن تكون متأثراً بخلفيات طائفية أو دينية أو سياسية مسبقة.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment