عراقيون على رأس أجهزة إيرانية مهمة

Last Updated: 2024/04/14By

بعد أن خسرهم بلدهم:

عراقـيون عــلى رأس أجــهزة إيــرانية مـهمة

د. علي المؤمن

)جريدة المواطن، بغداد، 6-2-2011)

عراقيون خسرهم بلدهم؛ هاجروا أو هُجِّروا الى إيران، وأصبحوا على رأس مجموعة من اهم أجهزة الدولة الإيرانية. هذا الموضوع؛ بالرغم من فرادته على المستويات الاجتماعية والإنسانية والسياسية والقانونية، والحجم النوعي لخلفياته وآثاره وتبعاته؛ إلّا أنه ظل مجهولاً قسراً؛ لحساسيته الوهمية المختلقة؛ التي يصنعها طرف منهزم نفسياً، ويتماهي مع تاريخ التهميش الذي عاشه خلال مئات الأعوام، وطرف آخر يصر على الإبقاء على معادلات الاجتماع السياسي العراقي المعلبة بقوالبها الشوفينية والطائفية.

ولكن الحقائق المذهلة التي يفرزها الموضوع؛ مدعاة لفخر كل عراقي أصيل وواعي؛ فاذا كنا نفتخر بلاعب كرة قدم عراقي يلعب في أحد النوادي العربية أو الأُوروبية، أو بريطاني من أصل عراقي أصبح نائباً في مجلس العموم، أو أمريكي من أصل عراقي أصبح مسؤولاً في الحزب الديمقراطي؛ فكيف بنخبة عراقية كبيرة عدداً ونوعاً، تُمسك بأجهزة مهمة في دولة أجنبية؟!.                                                                                        هذه النخبة العالية التخصص؛ أجبرتها ايديولوجيا السلطة العراقية الفاعلة منذ الاحتلال الأُموي وحتى عام 2003؛ لتكون خارج الخدمة؛ وذلك بفعل القوانين المتوارثة العجيبة للجنسية العراقية، وحملات التهجير أو الملاحقة التي قامت بها حكومة البعث لمن اسمتهم: سكان العراق من “التبعية الإيرانية”، وبينهم عراقيون أو عرب أقحاح، وآخرون أقامت عوائلهم في العراق قرناً أو أكثر من الزمن، بل أن أغلبهم كان قد تربى في أحضان الحركة الإسلامية العراقية.

ومن أبرزهم: آية الله الشيخ محمد علي التسخيري؛ القيادي السابق في حزب الدعوة الإسلامية، ثم تسنم مسؤوليات قيادية (برتبة وزير) في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، آخرها مستشار القائد للعلاقات الدولية، وآية الله السيد محمود الهاشمي؛ رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراقي الأسبق، ثم تسنم مسؤوليات قيادية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، آخرها رئيس السلطة القضائية، وآية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي؛ الناطق السابق باسم حزب الدعوة الإسلامية، ثم أمين عام المجمع العالمي لأهل البيت في ايران فيما بعد (برتبة وزير)، والدكتور علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية ثم وزير الخارجية الايراني، والدكتور محمد رضا الهاشمي وزير التعليم العالي الإيراني، والدكتور محمد جواد لاريجاني نائب وزير الخارجية، والدكتور علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني، والأُستاذ محمد حسين الأديب المسؤول في وزارة التربية الإيرانية، والدكتور صباح زنكنه، الكادر السابق في حزب الدعوة الإسلامية، ثم نائب وزير الثقافة الإيراني، الدكتور محمد علي آذرشب، الكادر السابق في حزب الدعوة الإسلامية، ثم نائب أمين عام المجمع العالمي للتقريب، الشيخ محمد سعيد النعماني، الكادر السابق في حزب الدعوة الإسلامية، ثم نائب رئيس منظمة الثقافة والعلاقات الإيرانية (بدرجة معاون وزير). وغيرهم

كُثر.                                                                                                         .
وربما لا يعلم أحد أن في حكومة رفسنجاني، كان هناك ثلاثة وزراء من أُصول نجفية وكربلائية وبغدادية؛ إذ ولدوا ونشأوا ودرسوا في العراق، ولا يزالون يحتفظون بلغتهم الأم، وكان آباؤهم من التجار أو علماء الدين في العراق، بينهم وزير الداخلية ووزير التعليم العالي.

وربما يصل عدد النخبة الإيرانية من أصول عراقية، والعاملة في أجهزة الدولة الإيرانية، من درجة رئيس قسم وحتى وزير، الى أكثر من ثلاثة آلاف شخص. وهؤلاء يحمل بعضهم الجنسية الإيرانية فقط؛ إذ لم تسمح لهم قوانين الجنسية العراقية بالحصول عليها، بالرغم من قِدم وجود عوائلهم في العراق، ويحمل بعضهم الآخر الجنسيتين العراقية والإيرانية، وبعضهم حصل على الجنسية الإيرانية خلال إقامته في ايران، والقسم الأخير لا يزال يقيم بجواز سفر عراقي. وأصول أغلب هؤلاء من مدن النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية العراقية، وقد هاجروا أو هُجِّروا الى إيران في الأعوام 1970 أو 1974 أو 1980 وما بعدها، وتدرجوا في الدراسة والعمل؛ ليصبحوا وزراء ونواب برلمان ووكلاء وزراء ورؤساء جامعات وسفراء وجنرالات ورؤساء مؤسسات ومدراء عامين وأئمة جمعة وجماعة.

ولنختر ثلاث شخصيات، ثمثل ثلاثة نماذج بارزة في هذا المجال:

    1-الشيخ محمد علي التسخيري:

آية الله الشيخ محمد علي التسخيري (النجف 1944 ــ طهران 2020)، هو الرجل الأقدم في سلم المسؤوليات الإيرانية والعراقي الأكثر شهرة في إيران، وهو مواطن إسلامي عالمي نجفي، قبل أن يكون عراقياً أو إيرانياً، وتعد هجرته خسارة كبرى للعراق وحركته الإسلامية. هذا الرجل ظاهرة إنسانية وسياسية وثقافية متفردة، فهو من تلامذة السيد محمد باقر الصدر البارزين، وظل سنين طويلة قيادياً في حزب الدعوة الإسلامية، وهو أول كادر في “الدعوة” يعتقله نظام البعث عام 1969، وتم تعذيبه بشدة في زنازين قصر النهاية، ثم بعد هروبه الى الكويت استقر في إيران، وأصدر النظام البعثي العراقي حكماً بإعدامه. وحين تأسست الجمهورية الإسلامية، استقطبته مؤسسات الدولة الإيرانية، لما يمتلكه من قدرات علمية وفكرية وأدبية وإدارية وعلاقات خارجية، فضلاً عن لغته العربية، وأخذ وترقى في مناصب الدولة حتى أصبح المسؤول الأول عن مؤسسات الإعلام والفكر والثقافة والتبليغ الإيراني الموجه الى الخارج (برتبة وزير)، فضلاً عن كونه مستشاراً لقائد الدولة وعضواً في مجلس خبراء القيادة.

والعراقيون عموماً والدعاة خصوصاً يحفظون للشيخ التسخيري حجم الدعم الهائل الذي قدمه لهم وهو في مواقع المسؤولية، وأهمها أنه حمى الدعوة خلال الأزمات التي تعرضت لها في إيران، واستوعب بعض كوادرها كمبلغين ومدراء عامين ورؤساء تحرير ومستشارين وملحقين ثقافيين؛ حتى اتهمه بعض مسؤولي الدولة وبعض الصحف الإيرانية جهاراً بأنه يقود خط حزب الدعوة في الدولة الإيرانية، وأنه يعمل على سيطرة العراقيين على منظمة الإعلام الإسلامي ومنظمة الثقافة والعلاقات والمجمع العالمي لأهل البيت والمجمع العالمي للتقريب. وظل التسخيري يتحدث الفارسية بلكنة عراقية واضحة، حاله حال أخوته الذين تبوؤا ولا يزالون مناصب في الدولة، ولكنهم ينتمون الى المجتمع العراقي في ايران. ولعل جزءاً من ذلك يعود الى تأثير والدتهم العلوية النجفية، التي ظلت هي وبناتها وحفيداتها يرتدين العباءة العراقية ويتحدثن العربية في بيوتهن ومع أطفالهن.

    2- السيد محمود الهاشمي:

آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (النجف 1949 ــ طهران 2018)؛ هو ظاهرة لفتت الأنظار بشدة، ولا سيما بعد تحوله السريع من قيادي في المعارضة الإسلامية العراقية الى الرجل الرابع في الدولة الإيرانية، أي رئيس السلطة القضائية. والسيد الهاشمي كربلائي الأصل، نجفي الولادة والنشأة، يحمل الجنسية العراقية، وأعدم نظام البعث اثنين من إخوته، وهو أيضا اعتقله النظام عام 1974 بتهمة الانتماء لحزب الدعوة، وكان من أبرز تلامذة السيد محمد باقر الصدر، وقد هاجر الى إيران مبعوثاً من السيد الصدر ليكون محوراً لتجميع الإسلاميين العراقيين المعارضين في العراق. ثم أصبح أول رئيس للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، ولأربع دورات، قبل أن تتحول رئاسة المجلس الى آية الله السيد محمد باقر الحكيم.

ثم أُعلن فجأة عن تعيين السيد محمود الهاشمي في مجلس صيانة الدستور (المحكمة الدستورية الفقهية العليا)، وأُضيف لاسمه لقب الشاهرودي، ثم انتخب عضواً في مجلس خبراء القيادة، وصولاً الى رئاسة السلطة القضائية، وهي إحدى السلطات الثلاث في الدولة الى جانب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان. وهو أكثر رجل أُثيرت ضجة في الأوساط الايرانية بسبب تسلمه هذا المنصب السيادي، لأن النخبة السياسية الإيرانية لا تعرفه إلا قيادياً في المعارضة العراقية، وكانت أكبر من الضجة التي أُثيرت على الشيخ التسخيري، لأن الشيخ التسخيري تدرج في مناصب الدولة الإيرانية منذ العام 1982 الى جانب وجوده في قيادة حزب الدعوة الإسلامية، في حين أن السيد الهاشمي صعد فجأة الى المناصب القيادية منذ العام 1991 دون تدرج.

وبعد انتهاء مهامه في السلطة القضائية، عينه السيد الخامنئي رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو أعلى مجلس في الدولة، وبالتزامن؛ بدأ يطرح نفسه مرجعاً للتقليد، حتى سرت شائعات بأنه مرشح لخلافة آية الله الخامنئي في قيادة الدولة.

     3- علي أكبر الصالحي:                                                                                            

العالم النووي البروفسور علي أكبر صالحي (كربلاء 1949 – …)؛ هو الرجل الأحدث في سلم المسؤوليات، إذ برز بقوة بعد تعيينه المفاجئ معاوناً لرئيس الجمهورية ورئيساً لمنظمة الطاقة الذرية في العام 2009، ثم وزيراً للخارجية في العام 2010. وقد ولد البروفسور الصالحي ولد ونشأ ودرس في كربلاء، وكان أبوه من تجار كربلاء وعمه من أهم الصحفيين العراقيين. وقد قام نظام البعث بتهجير العائلة إلى إيران في العام 1971، بحجة أصولهم الإيرانية، برغم أن تاريخ الأُسرة في كربلاء يعود إلى أكثر من (200) سنة. وبسبب طبيعة نظام التعليم الجامعي الإيراني على هذا الشاب العراقي المهجر علي أكبر الصالحي؛ فقد سافر الى لبنان للدراسة الجامعية، ثم الى أمريكا، ومنها حصل على الدكتوراه في الفيزياء النووية. وبعد انتصار الثورة، سافر الى إيران واستوعبته أجهزتها؛ فتدرج فيها، حتى أصبح على رأس أخطر مؤسسة علمية إنتاجية إيرانية، وهي منظمة الطاقة الذرية.

وحين كان البروفسور الصالحي وزيراً للخارجية الإيرانية؛ فاجأ المجتمع العراقي خلال إحدى زيارته الى العراق، وهو يبحث في أزقة كربلاء عن بيته ومرابع لعبه ونشأته، معرباً عن حنينه الى موطنه وهو يتحدث بلهجته العراقية الكربلائية الصافية.

ربما يقول بعض أصحاب الإجابات المعلبة، بأن هؤلاء إيرانيون سكنوا العراق، وعندما عادوا الى بلدهم ايران، ذابوا مرة أخرى في نسيجه. وهذه المقولة تتعارض مع كثير من الحقائق الإنسانية والقانونية والاجتماعية، لأن أغلب هؤلاء من أُسر تعود جذورها الى مئات وعشرات السنين في العراق، وقد هُجِّروا قسراً من العراق، وليس بمحض رغبتهم، بفعل الممارسات الطائفية لنظام البعث منذ العام 1968، وأن الغالبية تمتلك الوثائق العراقية الأصلية، وكانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي العراقي المحض، وينتسبون الى المؤسسات والتنظيمات العراقية، وعندما هجروا ظلوا محافظين على خصوصيتهم الاجتماعية وحتى انتماءاتهم السياسية والمرجعية.

كيف نشأت هذه الظاهرة؟    

نشأت هذه الظاهرة بسبب عاملين:

  • الترحال المتبادل بين العراق وإيران منذ مئات السنين، وهجرة الأفراد والعوائل العراقيين الى إيران لأسباب معيشية أو اجتماعية أو سياسية، وبقاء كثير منهم محتفظاً بلغته وتقاليده، في حين ذاب آخرون في المجتمع الإيراني، وحملوا ألقاباً فارسية، في حين لا يزال كثير منهم يحمل لقبه العربي العشائري الأصلي، رغم أن وجودهم في إيران يعود الى (100 ــ 600) سنة، وهو متواجدون غالباً في مدن طهران ومشهد وقم وعموم محافظة خوزستان وإصفهان.

وفي المقابل؛ كانت هناك هجرة معاكسة لأفراد وعوائل إيرانية الى العراق، لغرض الدراسة الدينية في النجف الأشرف أو كربلاء والكاظمية، أو لأسباب معيشية واجتماعية وسياسية، وظل كثير منهم محتفظاً بلغته وتقاليده، في حين ذاب آخرون في المجتمع العراقي، واستعربوا واستعرقوا، بل أن قسم كبير من العوائل ذات الأصول الإيرانية تكاتب (سجل اسمه) مع العوائل والعشائل العراقية، وبات يحمل لقب أحد العوائل والعشائر العراقية. وقد بلغ عدد الإيرانيين من ذوي الأُصول الإيرانية في تعداد العام 1934 الى مايقرب من 6 بالمائة من عدد سكان العراق، عدا عن الذين لم يسجلوا في التعداد؛ ما يعني أن العدد ربما يقارب 10 بالمائة، وبحساب اليوم (2024 = 44 مليون نسمة)؛ فإن عدد الإيرانيين في العراق كان سيصل الى 4 ملايين و400 ألف نسمة.

  • وجود عوائل وعشائر كثيرة، هي ــ بالأساس ــ منقسمة جغرافياً بين العراق وإيران، وخاصة العرب واللر والفيليين والكرد؛ لذلك ترى أولاد عمومة، بعضهم عراقيون وآخرون إيرانيون وقسم ثالث يحملون جنسية البلدين. وقد ظلوا متواصلين ومتصاهرين حتى مجيء نظام البعث، الذي قطع الأواصر والصلات والتواصل بين البلدين الجارين. ولكن التواصل بين أبناء هذه العوائل والعشائر عاد بقوة بعد العام 2003.
  • التهجير القسري، الذي لم تعرف البشرية ولن تعرف مثيلاً له في أبعاده الإنسانية والقانونية والسياسية والاقتصادية؛ إذ تم تهجير ما يقرب من (100) ألف عائلة عراقية الى ايران في الفترة من 1970 وحتى 1992، بحجة أُولهم الإيرانية، وهي أُسر تنتمي الى العراق ومجتمعه وثقافته ولغته، وتحمل جنسيته غالباً. ولكن الايديولوجيا الشوفينية الطائفية التي أمسكت بالواقع العراقي منذ مئات السنين، وخاصة خلال حكم نظام البعث؛ حولت هذه الأُسر الى أجانب محاربين، يحق للسلطة العراقية معاقبتهم بكل الوسائل المتاحة، وأبسطها التهجير القسري؛ وصولاً الى اعتقال أبنائهم ممن يبلغون 18 – 28 سنة، ثم إعدامهم ودفنهم في المقابر الجماعية. وقد ضاع هؤلاء الشباب المعدومين للأسف في زحمة التجاذبات والحساسيات السياسية؛ فلا إيران طالبت بهم ودافعت عنهم؛ لأنهم أعدموا في بلد آخر يحملون جنسيته، ولا النخبة السياسية العراقية الحالية تتحدث بمأساتهم. ولكل أسبابه ومخاوفه.

والمفارقة أنّ أُسراً عراقية عريقة؛ كآل الشهرستاني وآل الغريفي وآل الجواهري وآل الخليلي وآل الشيرازي وآل الرضوي وآل المؤمن وآل الحائري وآل الموسوي وغيرها، ساهمت بقوة في الصراع ضد الاحتلالين العثماني والإنجليزي، وبناء الدولة العراقية، وقيادة الأحزاب الوطنية (العلمانية والإسلامية)؛ قد شمل التهجير بعض أبنائهم، في حين أنهم يحملون كل الوثائق العراقية من الجنسية وشهادة الجنسية وغيرهما.

وفي المقابل؛ أصدرت إيران في العام 1992، قانون منح الجنسية الإيرانية الى الكفاءات من العراقيين المقيمين في إيران، والعاملين في المؤسسات الإيرانية والحوزة العلمية والجامعات، من الأطباء والمهندسين والإعلاميين وعلماء الدين والضباط، وبلغ عدد المشمولين بهذا القانون ما يقرب من أربعة آلاف كفاءة عراقية، ثم استوعبتهم الدولة الإيرانية وفق اختصاصاتهم العلمية. هكذا تفكر الدول الواقعية بمصالحها.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment