شرط المقبولية العامة في المرجع الأعلى

Last Updated: 2024/04/14By

شرط المقبولية العامة في المرجع الأعلى

د. علي المؤمن

    شرط المقبولية العامة في المرجع الأعلى من الشروط الأساسية المطلوبة، والتي يطمح إليها کل من يريد تسنّم موقع المرجعية، والتي تعمل بصورة مقننة على تحويل ولاية المرجع المتصدّي في الحسبة العامة أو الحكم، من ولاية بالقوة إلى ولاية بالفعل؛ أي من ولاية كامنة إلى ولاية ظاهرة فاعلة. ومن خلال قبول الجمهور الشيعي لهذا المرجع أو ذاك بأن يكون هو الراعي والمرشد والزعيم في قضاياه العامة؛ فإنّ الجمهور يعمل على تفعيل ولاية المرجع وزعامته ليكون هو المرجع الأعلى المتصدّي.

ويتحقق شرط المقبولية العامة من خلال ثلاث وسائل:

1ـ اختيار المرجع المتصدّي للولاية والزعامة والشأن العام من مجلس أهل الخبرة الحوزوي، وهو المجلس الذي يحظى أساساً بالمقبولية العامة وفق آليات تحدثنا عنها سابقاً، أو اختيار الفقيه المتصدّي من مجلس أهل الخبرة المنتخب شعبياً بالنسبة للولي الفقيه الحاكم، وهو المعروف في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ مثالاً ـ بـ «مجلس خبراء القيادة».

2ـ رجوع أغلبية المؤمنين في التقليد إلى مرجع بعينه. هذا الرجوع يمثل بذاته مقبولية عامة، على أن يكون هذا المرجع أحد مرشحي مجلس أهل الخبرة، أو المرجع الأعلى الذي اختاره مجلس أهل الخبرة.

3ـ التأييد الشعبي الذي يتمظهر في تنفيذ توجيهات المرجع وفتاويه في الشأن العام من الجمهور.

وفي كل واحدة من هذه الوسائل، وعلاقتها ببعضها، تفاصيل كثيرة، سنتناولها في بحوث تكميلية لاحقة. ويتوضح هنا وجود ثلاث حالات لتفعيل ولاية المجتهد:

    1- الحالة العادية المتوارثة:

وهي حالة عدم وجود دولة إسلامية شيعية قائمة على مبدأ ولاية الفقيه العامة. وهنا يختار أهل الخبرة المرجع المتصدّي، ويتبعهم توجه الجمهور نحو هذا المرجع تقليداً وولاءً وتنفيذاً لقراراته وتوجيهاته. وهذا هو الحاصل في النجف غالباً، وكذا في قم قبل تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية.

    2- حالة الحراك الجماهيري العام أو الثوري:

وهي حالة استثنائية، وتتجسد في إعلان الفقيه أو المرجع عن حراك عام ضد حالة سياسية أو اجتماعية معينة، ومثالها أنظمة الحكم والاحتلال الأجنبي. وفي حال تبعته أغلبية الجمهور بمرور الوقت، ونفذت أوامره وتوجيهاته؛ فهذا يمثل بيعة عامة أو مقبولية عامة؛ على أن لا يتعارض ذلك مع قرار أهل الخبرة. وهو الذي حصل في إيران خلال ثورة المشروطة (1906 إلى 1910)، والثورة الإسلامية (1978 وما بعدها)، وثورة العشرين في العراق (1920).

    3- حالة الدولة:

ويقصد بها الدولة الإسلامية الشيعية، التي يقوم فيها مجلس أهل الخبرة المنتخب شعبياً بانتخاب الفقيه المتصدّي أو الولي الفقيه الحاكم. وهو الحاصل في إيران حالياً.

ولعل أول من طرح شرط المقبولية العامة في المرجع المتصدّي أو الولي الفقيه هو السيد محمد باقر الصدر، الذي يعبِّر عن هذه المقبولية بتكامل ولاية الأُمّة وولاية الفقيه، إذ أطلق على الولاية الأُولى تسمية «خلافة الأُمّة»؛ باعتبار الخلافة الممنوحة للإنسان على الأرض، وأسمى الولاية الثانية «شهادة الفقيه»؛ باعتبار نيابة الفقيه العامة عن الإمام المعصوم. ومن خلال اختيار الأُمّة لفقيه بعينه سيلتقي خط الخلافة بخط الشهادة، ويكون هذا الفقيه حينها مجسّداً للخطين. ويشترط الشهيد الصدر في الولي الفقيه أن يكون مرجعاً دينياً، ومرشحاً من قبل مجلس المرجعية (أهل الحل والعقد)، ومنتخَباً من قبل الأُمّة (في حال تعدد المرجعيات المتكافئة المرشحة). وتقف هذه الأُطروحة على أربع قواعد شرعية:

1ـ لا ولاية بالأصل إلّا للَّه تعالى.

2ـ النيابة العامة عن الإمام المعصوم هي للمجتهد المطلق العادل الكفوء، وهو مصدر الولاية الممنوحة للفقيه، بمعنى القيمومة على تطبيق الشـريعة، وحق الإشراف الكامل على المجتمع والدولة.

3ـ الخلافة العامة للأُمّة على أساس قاعدة الشورى، وهي التي تمنحها حق ممارسة أُمورها بنفسها ضمن إطار الإشراف والرقابة الدستورية من قبل نائب الإمام (المرجع المتصدّي أو الولي الفقيه).

4ـ فكرة أهل الحل والعقد، التي طبقت في الحياة الإسلامية، والتي تؤدي بتطويرها على النحو الذي ينسجم مع قاعدة الشورى وقاعدة الإشراف الدستوري من قبل نائب الإمام إلى افتراض مجلس يمثل الأُمّة (مجلس الشورى)، وينبثق عنه بالانتخاب.

وهنا يتحدث السيد محمد باقر الصدر عن الحالة الثالثة، أي حالة تفعيل ولاية المجتهد المتصدّي في ظل وجود الدولة الإسلامية القائمة على مبدأ ولاية الفقيه العامة. ولكن يمكن الاستفادة من هذه الأُطروحة أيضاً في الحالة العادية المتوارثة، أي حالة عدم وجود الدولة وعدم وجود حراك نهضوي عام. وهو ما أشار إليه السيد الصدر أيضاً في أُطروحته «المرجعية الرشيدة».

ويجمع فقهاء الإمامية على أنّ النصب المباشر للولاية هو من الله (تعالى)، كما في حالة النبي والأئمة الاثني عشر، ولا تنعقد الإمامة لغير المنصوب إلهياً مع وجوده والتمكن منه. أمّا في حال غياب المعصوم، فإنّ الفقيه يقوم مقام الإمام في قيادة الأُمّة، وفق النصوص الشرعية، أي أنّ الفقيه العادل منصوب بصفاته من الإمام المعصوم، وأنّ ولايته شرّعها الحديث الشـريف. وهنا نذكر الرأيين الفقهيين الأساسيين بشأن دور قبول الأُمّة في منح الشرعية للفقيه:

الأول: يقول بأنّ انتخاب الناس ليس له أثر في تعيين الفقيه للقيادة، ولا علاقة لجمهور المؤمنين بإنشاء هذه الولاية بالأصل. ولكن بما أنّ لكل الفقهاء العدول هذه الولاية، فلا بدّ من إيجاد صيغة تحدد الفقيه المتصدّي، أي المرجع الذي يقوم بمهام قيادة المجتمع أو الحكم، وتكون له الولاية الفعلية دون غيره من الفقهاء، وهو تدبير عقلائي؛ إذ لا بدّ للمجتمع أو الدولة من قائد أو مرشد أو مدير واحد، وإلّا سينهار المجتمع تلقائياً بوجود أكثر من قائد وولي ومدير. أي أنّ دور الجمهور أو الأُمّة ينحصر في اختيار أحد هؤلاء الفقهاء، سواء اختياراً مباشراً أو عبر مجلس أهل الخبرة، دون أن يكون لهذا الدور أثر في منح الشرعية للفقيه المتصدّي أو الحاكم. وبذلك تكون المقبولية العامة مجرد أداة لتفعيل الولاية والقيادة.

الثاني: يعتقد بأنّ للأُمّة حق اختيار ولي أمرها ورئيسها وقائدها الشرعي من بين من عينهم المعصوم تعييناً نوعياً في زمان غيبته. أي أنّ اختيار الأُمّة ليس اختياراً مفتوحاً ومطلقاً، بل تقوم الأُمّة باختيار قائدها ووليها الشرعي من بين الأشخاص الذين تتوافر فيهم شروط الولاية ومواصفاتها، وفي مقدمتها الاجتهاد والعدالة والفقاهة. وبهذا الاختيار تنعقد الولاية للفقيه الذي قبلت الأُمّة بقيادته. وهنا لا يكون دور الأُمّة مجرد تفعيل للولاية، بل إنّها تشارك في منح الشرعية للفقيه المتصدّي. فشـرعية الولاية هنا مشتركة بين النص الشرعي الذي يمنح الولاية لكل الفقهاء وبين اختيار الأُمّة التي تمارس دورها في الخلافة، وتفوضه لواحد من هؤلاء الفقهاء.

وسواء كانت المقبولية العامة شريكة في منح الشـرعية لولاية المرجع المتصدّي، أو أداةً لتفعيل الولاية من خلال ترجيح فقيه على آخر؛ فإنّ النتيجة واحدة، وتتمثل في ضرورة المقبولية العامة كشـرط من شروط المرجعية المتصدّية، وأنّ قيادة الأُمّة الشرعية تتمثل في الفقيه الجامع لشـروط المرجعية والولاية حصراً. وبالتالي؛ فإن الخلاف بين الرأيين الفقهيين المذكورين هو خلاف نظري بحت، ولا يترتب عليه أي أثر واقعي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment