سلطات تفعيل سلطة فتوى الفقيه

Last Updated: 2024/04/14By

سلطات تفعيل سلطة فتوى الفقيه

د. علي المؤمن

إن الفقيه الشيعي في موقع الولاية والمرجعية، يمتلك سلطة أساسية ترسم أُسلوب حياة الفرد والمجتمع والأُمة، ومصيرها الدنيوي والأُخروي، وتتمثل في «سلطة الفتوى»، والتي يستطيع الفقيه ــ من خلالها ــ قلب الموازين والأوضاع الاجتماعية والسياسية، لكن هذه السلطة تبقى حبراً على ورق أو مجرد مقولة نظرية، فيما لو افتقدت الى ظروف التطبيق وعناصر التنفيذ وأدوات التفعيل. ويمكن تلخيص هذه الظروف والعناصر والأدوات، في مثلث، يمثل كل ضلع منه سلطةً أو أداةً لتفعيل سلطة الفتوى والحكم الشرعي، وهي سلطة السياسة وسلطة المال وسلطة السلاح:

    1- سلطة السياسة أو الأدوات السياسية:

ونقصد بها الدولة بعقيدتها ونظمها القانونية والتنفيذية، إضافة الى الأحزاب والجماعات السياسية الشيعية الملتزمة الخاضعة لتوجيهات المرجعية، سواء كانت سرية أو علنية، وكذلك الجمهور الشيعي الواعي سياسياً. هذه السلطة إذا كانت، بإرادتها أو رغماً عنها، توفر الظروف الموضوعية لتفعيل منصب المرجع الأعلى وموقعه؛ فإنه سيمتلك القدرة على تحويل فتاواه وأحكامه وقيادته الى واقع قائم. أما إذا كانت سلطة السياسة تمارس دوراً سلبياً، أي تعمل على قمع المرجع وتهميش دوره؛ فإنه لن يتمكن من تفعيل منصبه وموقعه، سواء جزئياً أو كلياً. وبهذا يمكن القول بأن سلطة السياسة بإمكانها سلب سلطة الفتوى وولاية المرجع، وبإمكانها أيضاً تفعيلهما وتحويلهما من كونهما نظريات ومقولات مكتوبة أو شفاهية إلى واقع ميداني، وإلّا لن يكون هناك من ينفّذ حكم المرجع وفتواه وأمره وإرشاده. مع التأكيد على أن المقصود هنا ليس سلطة فرد أو سلطة حزب ينتميان الى الاجتماع الديني الشيعي، بل سلطة المكوِّن من خلال الدولة أو عبر جبهة المعارضة.

    2- سلطة السلاح أو الأدوات العسكرية:

    وهي الجيوش والقوات المسلحة والقوات الأمنية وجماعات المقاومة المسلحة الشيعية الملتزمة الخاضعة لتوجيهات المرجعية، سواء كانت تنظيمية أو شعبية، سرية أو علنية. هذه الأدوات تمثل سلطة قاهرة يستعين بها المرجع أو الولي الفقيه في تفعيل أحكامه الشرعية وفتاواه وأوامره المتعلقة بدفع الضرر الأمني والهجوم المسلح عن الأفراد والمجتمع والدولة، والذي يشنه عدو خارجي أو داخلي، فضلاً عن تفعيل الأحكام القضائية والحسبية. وهذا الدفع والدفاع والتفعيل والتنفيذ والتطبيق لا يتم إلّا بقوة السلاح. وهنا لا نتحدث عن سلاح فصيل أو جماعة، بل عن سلاح الدولة التي يغلب فيها المكون أو سلاح المقاومة والمعارضة. وبالنظر لحساسية موضوع السلاح والمقاومة والجهاد؛ فإن استخدام السلاح، بأي عنوان كان، دون إذن شرعي ودون تعريف شرعي لحالات الدفاع والمقاومة، سواء الفردية أو الجماعية أو المجتمعية، يعني سوء استخدام سلطة السلاح، وهو ما يعود بضرر أكبر على الواقع الشيعي. أما الذي يعطي الإذن الشرعي والتعريف الشرعي في هذا المجال؛ فهو الفقيه المتصدي حصراً، أي المرجع الأعلى المتصدي أو الولي الفقيه، أو من يوكلانه ويخولانه، وليس أي فقيه أو رجل دين.

    3- سلطة المال أو الأدوات الاقتصادية:

وهو المال الذي يتحرك في مفاصل الواقع الشيعي، وتستند إليه نشاطاته العامة، سواء كان ضمن الحقوق الشرعية المالية التي يستلمها المرجع ويوزعها، أو من خلال التبرعات والأوقاف الربحية والمؤسسات المالية والاقتصادية وغيرها، وهي عصب أساس أو سلطة مهمة يمكن للمرجع والولي الفقيه من خلالها تفعيل أوامره وفتاواه وأحكامه الشرعية على كل الصعد، سواء التكافلية الاجتماعية أو السياسية والعسكرية أو التبليغية والعلمية والبحثية والثقافية. وليس المقصود هنا المال الذي يدخل في حساب التاجر الشيعي أو الحزب الشيعي، دون أن يكون لهما تأثيراً في دعم الواقع الشيعي العام، إنما نقصد اقتصاد المكوِّن الشيعي، سواء من خلال الدولة التي يغلب فيها المكوِّن أو من خلال منظومة المرجعية العليا وولاية الفقيه، أو من خلال شبكات اقتصادية تضامنية عالمية.

ولا شك أن اجتماع هذه الأدوات أو السلطات الثلاث بين يدي الفقيه المتصدي؛ سيمكنه من إدارة المجتمع والدولة والحوزة ومنظومة المرجعية والنشاط التبليغي، على أفضل وجه، ولن يكون عاجزاً حينها عن أداء وظائفه أو أغلبها، وستكون فتاواه وأحكامه الشرعية سلطةً متحققةً قائمة، وليس مجرد سلطة نظرية.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment